22-03-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
في غمرة الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم والمخاوف من الانزلاق إلى حرب عالمية، أظهرت تقارير مؤسّسات التصنيف العالمية قوة الاقتصاد السعودي ومتانة النتائج التي حقّقها في السنوات الأخيرة. وعكست نجاح المملكة في الحفاظ على دورها القيادي في الاقتصاد الإقليمي والدولي.
فقد رفعت مؤسّسات التصنيف الدرجة الائتمانية للمملكة، بالاستناد إلى الإصلاحات التي طوّرت اقتصادها وحسّنت مركزها المالي وإدارة الديون، بما يعكس نجاح الإدارة الاقتصادية للبلاد والبرنامج الذي يقوده ولي العهد السعودي الأمير #محمد بن سلمان. وقد أجمع محلّلو “إس أند بي غلوبال” و”فيتش ريتينغز” و”موديز” على الإشادة بالإصلاحات التي دفعت النموّ الاقتصادي في القطاع غير النفطي بدعم من الاستثمارات غير النفطية التي يقودها الصندوق السيادي للسعودية.
بحسب التوقّعات المالية للحكومة في الشهر الأخير من العام الماضي، فإن المالية العامّة للدولة ستحقّق فائضاً يتجاوز أربعة مليارات دولار خلال العام الجاري، ما يقارب ضعف التقديرات السابقة. واستشهدت وكالة “موديز” بالإصلاحات التي ستقلل من اعتماد المملكة العربية #السعودية على الهيدروكربونات الذي يعرّضها لمخاطر دورات النفط الخام.
هذه النتائج الاقتصادية الباهرة تبقى، رغم أهمّيتها وتحقيقها في الزمن الصعب، إنجازات اقتصادية عادية يمكن أن تحصل في أي بلد من بلدان العالم، ومن المبالغ فيه اعتبارها إنجازات تاريخية. لكن وليّ العهد السعودي يحقّق منجزات تاريخية في مكان آخر. فهو على أبواب تغيير حقائق التاريخ في الخليج العربي من خلال تنويع العلاقات الخارجية لبلاده. فإذا استمرّ هذا الاتّجاه وتجذّر يقلب الأمير محمّد 78 عاماً من العلاقات الأميركية السعودية كما أرساها جدّه الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في شباط 1945.
في ختام مؤتمر يالطا الذي عقده المنتصرون الكبار في الحرب العالمية الثانية، همس الرئيس روزفلت في أذن رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل وأبلغه بخبر نزل عليه مثل الصاعقة. فقد أعلمه بأنه مسافر إلى مصر لكي يجتمع ببعض قادة المنطقة وبينهم الملك السعودي عبد العزيز آل سعود، فأدرك تشرشل أن الأميركيين يسعون إلى السيطرة على نفط السعودية والخليج الذي كانت بريطانيا تعتبره منطقة نفوذ خاضعة لها.
في الاجتماع الذي عقد بين الزعيمين الأميركي والسعودي على متن الطراد كوينسي تمّت الصفقة التي حكمت علاقات بلديهما طيلة ثمانية عقود، والتي أدّت إلى توفير الولايات المتحدة الحماية غير المشروطة للسعودية، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة للأميركيين. وقد استقرّت علاقات البلدين وتعزّزت بفعل تحالفهما في وجه الشيوعية السوفياتية التي شكّلت خطراً على المصالح الأميركية والإسلام السعودي في الوقت نفسه.
على مرّ الزمن اعتاد الأميركيون التعامل بتعالٍ مع ملوك السعودية وكثيراً ما جرّبوا فرض إرادتهم السياسية عليهم، وقلّما وجدوا ملكاً مثل فيصل بن عبد العزيز يواجه سياساتهم وإملاءاتهم في اللحظات الحاسمة. وبالطبع، لم يعرفوا مثيلاً لعبد العزيز، الحاكم العنيد والداهية المحنّك الذي قضى حياته منذ طفولته يتنقّل إلى جانب والده عبد الرحمن، من حرب إلى حرب ومن موقعة إلى موقعة حتى تمكّن من توحيد المملكة شرقاً وغرباً تحت سلطة آل سعود.
لا نعرف المسار الذي ستسلكه علاقات الأمير محمد بن سلمان مع الأميركيين، لكن إرهاصاتها الأولى تشير إلى أنه، على خطى جدّه عبد العزيز، ميّال إلى التمرّد على إملاءاتهم التي لا تناسب مصالح المملكة، كما حصل في مشاحناته معهم حول كمّية إنتاج النفط وقضايا أوبك وعندما غامر بقبول مصالحة إيران برعاية الصين حتى لا تكون بلاده مرتهنة لإرادة دولية وحيدة الجانب.
في محادثاته مع روزفلت على متن الطراد كوينسي، منح الملك عبد العزيز الأميركيين امتيازات تاريخية في مجال صناعة النفط وأرسى معهم علاقات مديدة، لكنه تشدّد حيال مطالب روزفلت بشأن زيادة عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين. وقال لروزفلت من الأجدر بالأوروبيين أن يستوعبوا اليهود في البلاد الأوروبية التي طردوا منها.
ومن غير المستبعد أن تكون العلاقات مع إسرائيل موضع توتّر مستتر بين الأمير وحكّام واشنطن. فأسياد البيت الأبيض الذين أهملوا مبادرة الملك عبد الله للسلام منذ سنة 2002، يضغطون بكل قوّتهم لتحقيق المصالحات الإسرائيلية الخليجية، في وقت تستفحل فيه العنصرية في إسرائيل وتسيطر على الحكومة أكثر الأحزاب تعصّباً ويمينية في تاريخ إسرائيل.