هيفاء زنكنة
Aug 07, 2018
القدس العربي
تمر هذه الايام ذكرى غزو العراق للكويت في آب/ أغسطس 1990. الذكرى التي تعيدنا إلى يوم فقأ فيه النظام العراقي عينه بأصبع وعين الشعب بأصبع آخر، ليقود العراق والكويت وفلسطين ووحدة الصف العربي، الذي كان يتشدق بها، إلى مقبرة كتب على شواهدها: النهب، والقتل، وبذر روح الانتقام، والاستجارة بالاجنبي إلى حد القبول بالاحتلال.
لا تزال الدول العربية، تعيش، حتى اليوم، آثار لحظة تاريخية كان ولايزال وجهها الاول رئيس العراق السابق صدام حسين. هذا لا يعني ان الوجه كان خاليا من البثور الفاضحة للتدخل الخارجي، ومن سرديات أضيفت من الموالين والمعارضين للغزو، سواء كانوا عراقيين او عربا، الا ان القرار الاول كان للرئيس العراقي. منذ ذلك اليوم، وقائمة الاضرار التي اصابت العراق وكل البلاد العربية، بالاضافة إلى الخراب الذي اصاب الكويت بلدا وشعبا، في تزايد. لم يكن الغزو خطأ انتهى بانسحاب القوات العراقية، بل كان تمهيدا مجانيا لشرعنة كل الجرائم التالية التي حلت بالشعب العراقي. فمن قصف الجنود الجياع المنسحبين بطريق البصرة (طريق الموت) ودفن اعدادهم الكبيرة بالبلدوزرات، ففي ستة أسابيع، أسقط التحالف المكون من 39 دولة، أكثر من ضعف عدد القنابل الموجهة بالليزر التي تم إطلاقها فوق فيتنام الشمالية في تسعة أشهر، إلى الحصار، على مدى 13 عاما، الذي جعل المواطن العراقي ظلا لما كان عليه قبل التجويع المنهجي، إلى القصف الدوري بحجة « احتواء» النظام، إلى حرق النساء والاطفال وهم أحياء في ملجأ العامرية. ماديا، لايزال المواطن العراقي يدفع الثمن مليارات الدولارات تعويضا للتخريب الذي لحق الكويت ومن ثم تحرير الكويت من قبل القوات الأمريكية. لايزال المواطن العراقي يدفع ثمن رأس الخس الذي أكله الجندي الأمريكي وتم تقدير ثمنه بـ35 دولارا. وهي مفارقة مضحكة مبكية حين نقارن ذلك بالغزو الأمريكي للعراق، عام 2003، حيث قامت ذات القوات بتهديم البنية التحتية للبلد، وبلغت الخسارة البشرية جراء الغزو مليونا ونصف المليون انسان، وستبقى الاجيال المقبلة حاملة لتشوهات التعرض للاسلحة المحرمة واليورانيوم المنضب، ولم يحدث وصدر أي قرار دولي بتعويض الضحايا والبلد.
الى جانب الخسارة البشرية والمادية، جراء غزو 1990، ذاق البلدان خسارة من نوع آخر نتيجة فعل استهدف توثيق الغزو وكتابة التاريخ وفق مصادره الأولية والقدرة على تحليل ما جرى بشكل علمي، بعيدا عن التضخيم من جهة والتكذيب من جهة أخرى. وهو فعل نفذته القوات الأمريكية باسلوب لم تسلكه حتى عند انتصارها ضد الجيش النازي واحتلال برلين. اذ قامت، من خلال وكالة مخابرات الدفاع، حينها «بعمل يستحق الثناء لجمع وتنظيم الوثائق العسكرية التي تم الاستيلاء عليها وجعل هذه المواد متاحة للمؤرخين والعلماء والمدربين العسكريين المحترفين» حسب معهد دوبوي للتوثيق التاريخي، في 10 أكتوبر/تشرين الاول 2017، الا ان «هذا التفاني تعثر عندما كان الأمر يتعلق بالحفاظ على الوثائق المستردة من ساحة المعركة خلال حرب الخليج 1990 ـ 1991» حيث دمرت ملايين الصفحات من الوثائق العسكرية العراقية التي تم جمعها خلال عملية «عاصفة الصحراء» من قبل وكالة استخبارات الدفاع (دي آي إي)، في عام 2002، بعد أن خزنت بشكل عرضها للتلوث بالعفن».
يمتد تاريخ الوثائق، المكونة من 12 مليون صفحة، من عام 1978 حتى عملية «عاصفة الصحراء» في 1991. جمعتها القوات الأمريكية من كل مكان بضمنها جيوب القتلى من الجنود العراقيين. وتتضمن المجموعة خططا وأوامر العمليات العسكرية ؛ الخرائط وقوائم الوحدات (بما في ذلك الصور الفوتوغرافية)؛ أدلة تبين التكتيكات والتمويه والمعدات والقواعد ؛ سجلات صيانة المعدات ؛ مخزونات الذخيرة، سجلات عقوبات الوحدة ؛ وحدة الأجور وسجلات الإجازات ؛ التعامل مع أسرى الحرب ؛ قوائم المعتقلين وقوائم المركبات المحتجزة؛ وغيرها من السجلات العسكرية. وتتضمن المجموعة، أيضا، بعض أدلة أنظمة الأسلحة الأجنبية بالاضافة إلى بعض سجلات مجلس قيادة الثورة ووثائق تعود إلى مجلس التعاون الخليجي.
وفقا لدوغلاس كوكس، المدعي العام وبروفسور قانون المكتبة في جامعة نيويورك، قسم القانون، بدأت وكالة استخبارات الدفاع بصنع نسخ رقمية من الوثائق.تم ذلك في الكويت والسعودية. ولكن، حين طلبت وزارة الخارجية نسخاً منها، قررت الوكالة، أنه يمكن قراءة 60٪ فقط من الأشرطة الرقمية المخزنة في النسخ الأصلي.
كان ذلك خلال محاولة لإعادة نسخ 40 ٪ من الوثائق فاكتشفوا أن المجموعة الورقية بأكملها قد تلوثت بالعفن مما اقتضى اتلافها كلها. وهي بادرة تخالف القانون من حيث قيامها باتلاف وثائق رسمية تعود ملكيتها للعراق.
قامت الوكالة بإنشاء مكتبة من المستندات المستنسخة ضوئيا والمخزنة في 43 قرصا مضغوطا وتصنيفها باعتبارها وثائق سرية لا يمكن لأحد الاطلاع عليها. ليس من الواضح، الآن، اذا كانت الاقراص لاتزال موجودة لدى الوكالة. كما لم يتم نقل أي منها إلى الأرشيف الوطني اعتبارا من عام 2012. تم توفير مجموعة من 725 ألف صفحة للباحثين بجامعة هارفرد بعد إلغاء تصنيفها كوثائق سرية عام 2000. ثم تم الغاء هذا الترتيب وإرسال المجموعة التي رفعت عنها السرية، فقط، إلى معهد هوفر في جامعة ستانفورد.
يثير استيلاء القوات الأمريكية على الوثائق العراقية وكيفية تصرف وكالة الاستخبارات بها العديد من الاسئلة المهمة التي تستحق المتابعة، خاصة من قبل القانونيين والباحثين. اسئلة على غرار: لماذا لم تتم اعادة الوثائق إلى العراق، خاصة، وان الادارة الأمريكية تدعي «تحريره» وهناك مثال اعادة الوثائق الالمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لتصبح جزءا من الارشيف الوطني؟ لماذا لم تتم المحافظة على الوثائق من التلف والولايات المتحدة معروفة بتوثيقها السجلات اليابانية والالمانية وحتى وثائق الاتحاد السوفييتي من المناطق التي حررها الجيش الأمريكي اثناء الحرب العالمية الثانية؟ اما السؤال الأكثر أهمية الذي يهم الشعبين الكويتي والعراقي، لأنه سيساعد على كشف الحقائق، وفهم ما جرى، وبالتالي تنقية الاجواء بعيدا عن التضليل والتزييف، هو لماذا تصر وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية على ابقاء الوثائق، غير التالفة، مصنفة كوثائق بالغة السرية؟ وهو ذات السؤال الذي يثيره بروفسور القانون دوغلاس كوكس حين يقول» أن الفشل في الحفاظ على الوثائق الورقية الأصلية سيء بما فيه الكفاية، كما ان احتمال فقدان جزء أو كل المجموعة الرقمية في وكالة المخابرات، سيشكل أمرا فظيعاً ومحيراً. وأنه، من غير المنطقي، ابقاء هذه المجموعة مصنفة باعتبارها وثائق سرية بعد ربع قرن من انتهاء حرب الخليج». فما الذي ستكشفه الوثائق وتخشى أمريكا كشفه؟
٭ كاتبة من العراق