الرئيسية / home slide / “بعدكْ بْتِسْتغرِبْ”؟

“بعدكْ بْتِسْتغرِبْ”؟

27-01-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”

سمير قسطنطين

سمير قسطنطين

اعتصامات أمام مبنى مصرف لبنان (تعبيرية - حسن عسل).

اعتصامات أمام مبنى مصرف لبنان (تعبيرية – حسن عسل).

ما زلنا نستغرب أموراً كثيرة. لا أدري لماذا نستغرب. يرتفع #الدولار جنونيّاً، نستغرب. #مجلس النواب يرفض انتخاب رئيسٍ تحت مسمّياتٍ عديدة، نستغرب. ينهار القضاء بشكلٍ غير مسبوق، نستغرب! لماذا الاستغراب؟

عندما يعتصم نوابٌ فيثور نوابٌ آخرون على اعتصامهم، فلا تستغرب أن ما وردَ سابقاً يحصُل. عندما يقوم المحقّق العدلي بمهامِّه (قبل الانفجار القضائي هذا)، يحتار بعضُ القضاء وسياسيّون كيف يطوّقونه ويشيطنونه، فلا تستغرب أن ما ورد سابقاً يحصُل. عندما تُوجَّه الاتّهامات إلى حاكم مصرف لبنان، فيدافع عنه أهل الدّين والدنيا، ويشعر بعض السلطة بأنّ الوقت ليس وقت تغيير الضبّاط، فلا تستغرب أن ما ورد سابقاً يحصُل. عندما يثور أهل شهداء المرفأ لدماء شهدائهم، فتعتقل الدولة أهالي الشهداء ولا تجرؤ في المقابل على تبليغ المُتّهمين أمر مثولِهم أمام المحقّق العدلي، فلا تستغرب أن ما ورد سابقاً يحصُل. عندما تعتقل الدولة أشخاصاً متورِّطين بالعنف، وتُطلق سراحَهم لاحقاً، فينتقلون إلى بيوتِهم بسيّارات السياسيّين، فلا تستغرب أن ما ورد سابقاً يحصُل. هل تذكرون شادي المولوي؟

الاستغراب هو أنّك ما زلت تستغرب. لا تستغرب ما يحصل. هذا مسارٌ طبيعي لإدارةِ تفليسةٍ غير طبيعيّة. الكلُّ انكشف. مثل هذه الإدارة للبلد ستوصلنا إلى هذا الانهيار. يمكنكَ أن تشتم الحصار على لبنان والمحاصرين “قد ما بدّك”. ويمكنكَ أن تهاجم 8 آذار أو 14 آذار “قد ما بدّك”. يمكنكَ رفع المسؤوليّة عن كاهلَيْك ورميها على خصومِك السياسيّين “قد ما بدّك”. أمرٌ واحدٌ لن تقدر عليه، هو الهروب من فشلِك المتكرّر والمتراكم. الطبقة برُمّتها فشلت. محاولاتُها الآن هي اجترار الوقت ليس إلّا. من أوصل البلد إلى هنا ليس شخصاً واحداً ولا نظاماً مُعيّناً ولا حزباً واحداً. من أوصل البلد إلى الانهيار هو طبقة فاشلة لا تفقه شيئاً في علم إدارة الدولة. هذه المرّة لن تكون هناك أرانب تخرج من الكمّ. لن تأتي حلولٌ على يد من صنعَ الأزمة. تستطيع أن تهوّل بالحرب الأهليّة “قد ما بدّك”. الحرب الأهليّة ممنوعة عليك وعلى سواك. التهويل بها مسموح لكنّه لن يُجدي نفعاً. قد يحدُث ما يحدُث وقد لا يحدث. لكن الفلتانَ الأمنيَّ الواسع ممنوع. “شدّ العصَب قد ما بدّك”. لا يمكن لأحد الهروب في ما بعد إلى التصعيد الأمني. الكلُّ مكشوف. الكلُّ مُرتبك. الكلُّ في ضياع. تستطيع أن توحي لناسِكَ قدر ما شئت أنّك مسيطرٌ على الوضع، لكنّك تعلم أنّ أحداً لا يضمنُ شيئاً له لا الآن ولا للغد.

“بعدَكْ بْتِسْتغرِب” ما يحصل الآن وما سيحصل قبل الارتطام الكبير؟ لا تستغرب بل استغربْ كيف تأخّر الانهيار كلّ هذه السنين، واستغرِبْ كيف ما زلتَ تؤمن بأنّ هذه الطبقة السياسيّة قادرة على إعطاء حلٍّ. صدّقني “آخر الدِسْت كركعة”.