08-09-2021 | 18:39 المصدر: “النهار”روزيت فاضل @rosettefadel

الشاعر والصحافيّ الراحل أنسي الحاج (أرشيفية).
يقترن قلم الصحافيّ والشاعر الاستثنائيّ شوقي #بزيع، بقدرة معرفيّة كاملة للمجازفة في خطف ذاته والآخرين في بحر الكلمة وعالمها الواسع جدّاً.قد أعترف مع نفسي وبينها، أنّ بزيع تصالح مع نفسه عندما لم يُقحمها كثيراً في عالم التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، ليبقى منخطفاً في بحثه عن جماليّة تعبيريّة في #الشعر أو الرواية…
لا شيء يرطّب مزاج صحافيّ مأثور في حجره المنزليّ، إلّا حين يُدقّ باب منزلك لتُفاجأ بساعٍ يوصل إليك بحثاً معمّقاً لشوقي بزيع عن “مسارات #الحداثة، قراءة في تجارب الشعراء المؤسّسين” الصادر عن دار الرافدين، وهو يتمايز بتصميم الغلاف لعبد الفتّاح بو شندوقة، الذي صدح رسمه بجميل يجسّد عنوان بحث بزيع. كتاب بحثيّ هذا الكتاب المرجع، يرتكز على ثنائيّة بزيع بصفته الشاعر والناقد، ويحمل في تقديمه كتابه الجديد كشفاً لكلّ من إيقاعه وحساسيّته وطريقته في استخدام اللغة، ومقاربة الأشياء، مع تشديده على معايير للاختيار وهي “مهمّة صعبة أقرب إلى المجازفة غير الآمنة” كما ذكر في مقدّمة الكتاب. اللافت أنّ بزيع حرص في هذا الكتاب البحثيّ على التعريفالعميق لمفهوم الحداثة، متوقّفاً عند ما ذكره كبار النقّاد وأسياد الأدب في هذا السياق، الذين انقسموا بين من رصد لها آثاراً من الشرق، ومنهم من اعتبرها غريبة نقيّة.شدّد بزيع على أنّ مفهوم الحداثة لم تُجمع عليه المجتمعات المختلفة لأنّها برأيه”صراع على أرض ملغّزة”.واعتبر بزيع أنّ للحداثة مفهوماً ملتبساً في الغرب، فيما جاءت إلينا بقالَب أكثر تعقيداً، ما جعلنا وفقاً له، بعيدين عن عالم الحداثة أصلاً، ما دفعه لطرح إشكاليّة واضحة، تساءل فيها عن إمكانيّة “إنتاج أدب وإبداع حديثَين في مجتمعات العالم الثالث التي لا تملك من الحداثة إلّا قشرتها السطحيّة”. سعيد عقل: الاحتفاء بالجديد
في مضمون البحث، قراءة معمّقة جدّاً لنحو 25 شاعراً هممن روّاد الشعر، حيث بدأ بحثه عن سعيد عقل “شاعر القيم الغاربة والأنا المتعالية والبلاغة القصوى”. بالنسبة لبزيع، يتصدّر سعيد عقل سلّم المؤسّسين واصفاً إيّاه “بأنّه” قَلّ أن امتلك شاعر من الشعراء ذلك الحضور الآسر وتلك “الكاريزما” الشخصيّة النادرة، مع فارق مهمّ أنّه “يفترق عن الحداثة في احتفائها بنثريّة التفاصيل، كما بالمُعاش واليوميّ والهامشيّ، ويلتقي معها في الخروج على رتابة القول الشعريّ النمطيّ والمستهلَك، وفي البحث عن منظور للكتابة يحتفي بالجديد والطازج والمغاير إلى حدّ الإدهاش.”
أنسي الحاج: “القدّيس الملعون” محطّة خاصّة عن الكبير أنسي الحاج “شاعر اللغةالجحيميّة والقلب الطفوليّ”، مشيراً إلى أنّ “طبيعته السجاليّة وإطّلاعه الواسع على الثقافة الغربيّة لم يمنعاه أبداً من التعمّق في قراءة التراث والوقوف على أسرار اللغة الأمّ، وهو الذي اعتبر أنّ معرفة التراث هي الشرط الضروريّ لأيّ تجاوز له”. وأشار إلى أنّ “أنسي الحاج بدا في غير محلّه: “إنّه يخوض الحرب على جبهتين اثنتين، أولاهما مع الجدار السميك للتقاليد الشعبيّة، حيث يعلن في مقدّمة “لن” بأنّ علينا، إذا ما أردنا أن يتمّ لنا خلاص، “أن نقف أمام هذا السدّ ونبجّه”، وثانيهما مع نفسه، حيث لم يكن يأنس إلى يقين، وحيث الحقيقة عنده غير مكتملة، وينبغي أن نعيد تنقيحها باستمرار…”
شدّد على أنّ “أنسي الحاج حذا حذو سوزان برنار في اعتبار الإيجاز والتوهّج والمجّانيّة الشروط الثلاثة الأبرز لكتابة قصيدة #النثر، وعمل في ديوانه الأوّل على تقويض البنية النحويّة والأسلوبيّة المعروفة للغة الشعر، وعلى ضرب العلاقات التقليديّة بين الكلمات والجُمل، وعلى انتهاك الأخلاقيّات المتوارثة للكتابة،بحيث أطلق عليه البعض لقب “القدّيس الملعون.”
شوقي أبو شقرا: “صيّاد الدهشة”
فصل آخر عن شوقي أبي شقرا “صيّاد الدهشة وشاعرالعبث الطفوليّ”، ولاسيّما عن “دوره الاستثنائيّ كوسيط حاذق بين عالمَي الشرق والغرب…”كشف بزيع أنّه “لم يكن لينجح في لعب ذلك الدور المتميّز لو لم تتوفّر له عناصر النجاح، التي تمثّلت بازدهار صحافته، وتعدّد جامعاته ومعاهده، وانفتاحه على ثقافات العالم ولغاته الحيّة، ولولا تنعّمه بقدر وافر من الحرّية والتنوّع الإتنيّ والمعرفيّ…”خصّ بزيع قسماً من كتاباته عن شوقي أبي شقرا مستنداً إلى مذكّراته الصادرة عن دار نلسن منذ فترة،”مشيراً إلى أنّ “أبي شقرا كشف عن أسلوبه النثريّ الذي يحافظ، خلافاً لشعره، على تقاليد النثر العربيّ في سبكه المحكم ومتانته التعبيريّة وإلحاحه على الفكرة عبر تكرارها في صوغ وجوه مختلفة.” لفت بزيع إلى أنّه “قد يُحسب لأبي شقرا إثراؤه اللافت للمعجم الشعريّ التقليديّ، ولغته الخاصة، وجرأته البالغة في ربط الشعر بما هو منسيّ، وغفل من المحسوسات والتفاصيل”، مشيراً إلى أنّ “بعض نصوصه تفتقر إلى الفوران الداخليّ للّغة، وإلى الكهرباء التي تمسّ الشغاف، حيث يحلّ بدلاً منهما التركيب الصوَريّ والطرافة المعتمدة.”أدونيس: “الصراع مع اللّغة” لا يمكن إلّا أن نتوقّف عند كلامه عن أدونيس الأستاذ الجامعيّ لبزيع في الجامعة اللبنانية، مع الإشارة إلى تمايزه “كشاعر” نظر إلى الشعر بوصفه مساءلة للوجود، ومشروعاً لتغيير العالم واستيلاداً للذّات من رحم المكابدات الداخليّة والصراع مع اللّغة”.إنتقل إلى مقاربة رابط الحداثة مع أدونيس، الذي “لم يقوّض أسس النحو العربيّ بحجّة تفجير اللّغة أو تمجيد الركاكة كما فعل البعض”.
تطول اللائحة لمؤسّسين مهمّين جدّاً، خصّ بزيع كلّ واحد من الـ25 شاعراً، بشرحٍ عن أعمالهم ومساراتهم، ومن بينهم نزار قبّاني، بدر شاكر السيّاب، نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي، أحمد عبد المعطي حجازي، خليل حاوي، صلاح عبد الصبور، مظفر النواب، سعدي يوسف، محمد الفيتوري، محمد الماغوط، يوسف الخال، توفيق صايغ، عصام محفوظ، محمد عفيفي مطر، محمود درويش، أمل دنقل، حسب الشيخ جعفر، وسركون بولس.
Rosette.fadel@annahar.com.lbTwitter:@rosettefadel .