30-04-2021 | 18:37 المصدر: “النهار”


رئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل (تصوير نبيل إسماعيل).
ما بين زيارة وفد من “#حزب الله” إلى موسكو، ومن ثم رئيس الحكومة المكلف #سعد الحريري، وأخيراً رئيس تكتل “لبنان القوي” #جبران باسيل، دخول روسي على خط الأزمة اللبنانية، لم تتضح بعد حظوظ نجاحه في إحداث خرق من شأنه أن يسهم في فتح ثغرة في جدار الأزمة.
انطلاقاً مما تسمعه السلطات الروسية من المسؤولين اللبنانيين الذين تلتقيهم تباعاً، وهم يمثلون شرائح متخاصمة من التركيبة السياسية اللبنانية، يبدو جلياً أن اهتمام موسكو يتعدى مسألة تأليف الحكومة والدخول على خط معالجة الثغرات التي تعترضها على مستوى الأفرقاء المتنازعين، ليطال الأزمة اللبنانية في شكل عام، ولا سيما انطلاقاً من الهواجس التي سمعتها حيال الخطر الوجودي الذي يتهدد الكيان اللبناني، ووضع المسيحيين فيه.
ينطلق الاهتمام الروسي من عدة اعتبارات أساسية بالنسبة إلى موسكو وإلى دورها في المنطقة. ومن هذه الاعتبارات يحتل لبنان حيزاً هاماً في تعزيز هذا الدور وحضوره.
فموسكو لا تخفي انزعاجها من الأداء الأميركي في المنطقة ومستوى الانخراط الذي تعتزم إدارة جو بايدن تحقيقه بعد إحياء المفاوضات مع طهران حول الملف النووي. وثمة إدراك تام إلى أن مسار هذا التفاوض لن يكون سريعاً ولن تتبلور ملامحه على دول المنطقة في وقت قريب كما تراهن بعض القوى المحلية والإقليمية.
كذلك، لا تخفي موسكو استياءها من الانخراط الايراني في سوريا، وهي ترى في انزلاق لبنان نحو هذا المحور تعزيزاً له على حساب الدول الفاعلة أو الراغبة في دور أكبر. وقد سمع المسؤولون الروس من الحريري خلال زيارته تحذيراً من المخاطر المترتبة على استمرار توسع النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا، كاشفاً عن خشيته من ارتدادات ذلك على الاقتصاد اللبناني والعزلة التي تضيّق الخناق عليه وعلى اللبنانيين.
الاعتبار الثالث الذي يقيمه الروس في لبنان يكمن كذلك في الأخطار التي تتهدد الوجود المسيحي. وهم على تواصل مع الفاتيكان من اجل الدفع نحو تشكيل حكومة جديدة تضع حداً للأطماع الإيرانية التوسعية التي ستكون حكماً على حساب المسيحيين، خصوصاً إذا ما استمر الفريق المسيحي الذي يمثله رئيس الجمهورية والمتحالف مع “حزب الله” في تعطيل الحكومة تحت مبرر التمثيل المسيحي.
هذه الاعتبارات مجتمعة دفعت موسكو إلى تأكيد تمسكها بالحريري لتأليف الحكومة، وتتقاطع مع باريس وواشنطن غربياً ومصر عربياً في ضرورة دعمه ومساعدته على تذليل العقد الكامنة في طريق التأليف. واللافت أن التقاطع هذا لا يقف عند دعم الحريري ودعم تشكيل حكومة اختصاصيين تتمتع بالصدقية لإرساء برنامج إصلاحات مع صندوق النقد الدولي تمهيداً للحصول على المساعدات، بل يذهب أبعد إلى حد الإجماع على أن المعطل الأساسي لقيام هكذا حكومة هو جبران باسيل. من هنا كان العمل على الضغط على الرجل للتراجع عن مطالبته بثلث مسيحي معطل في الحكومة. وتفيد المعلومات الموثوقة حول هذا الموضوع أن موسكو نسقت كذلك الموقف مع الفاتيكان، وقد فتحت خطوط التواصل مع البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي استقبل السفير الروسي قبل أيام لهذه الغاية.
في هذا المناخ، جاءت موافقة موسكو على استقبال باسيل، ليس بهدف فك عزلته التي فرضتها الدول ولا سيما باريس التي علم أنها رفضت استقباله إذا لم تكن الزيارة لجمعه بالحريري، وإنما لإبلاغه الموقف الروسي المتناغم مع الموقف الغربي بضرورة التراجع عن الثلث المعطل والتسليم بحكومة برئاسة الحريري.
وفي مراجعة لزيارة الحريري إلى موسكو، وزيارة باسيل، يتبين الحرص الروسي على إضفاء الطابع الرسمي على زيارة الأول ولقاءاته، بما فيها اللقاء الافتراضي مع الرئيس فلاديمير بوتين. كما بدا من اللقاءات التي اجراها الحريري والمعلومات التي توافرت عنها من مصادر خارجية أن الأخير عرض في شكل مسهب الوضع اللبناني بكل تشعباته ومخاطره. وأفيد أن الكلام الذي سمعه هناك يعبر عن حرص روسي على الاضطلاع بدور داعم للحريري ومسهل لتأليف حكومته وضاغط على باسيل لهذه الغاية.
ولكن السؤال الذي تطرحه بعض الأوساط الدبلوماسية المعنية، هل يتلقف باسيل الرسائل الروسية ويلتزم ما تعهد به من تقديم تسهيلات أو أنه سيكتفي بأن تكون الزيارة حققت هدفاً بكسر العزلة، ليعود إلى اللعب على التوازنات الإقليمية والدولية، بعد الإغراءات التي قدمها لواشنطن في ملف ترسيم الحدود البحرية، وإن كان ذلك على حساب رصيده لدى “حزب الله”؟
sabine.oueiss@annahar.com.lb