صدّام البالي
قبل أن يكشف علماء الآثار عن بابل بزمن طويل، سمع العالم بهذه المدينة من خلال نصوص التوراة والإنجيل من جهة، وما نقله قدامى الرواة اليونانيين من جهة أخرى. في الرواية التوراتية، كانت بابل في البدء اسماً لبرج بناه أبناء نوح، إثر نهاية الطوفان، في أرض تقع ضمن مملكة نمرود في بلاد ما بين النهرين. بعد عهود عديدة، أضحت بابل عاصمة لولاية بين نهري دجلة والفرات، حملت الاسم ذاته. وكان أشهر حكّام هذه الولاية، الملك نبوخذ نصر الذي كان يتنزّه على سطح قصره ويقول: “أليست هي بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي” (دانيال 4، 30).خربت هذه الولاية على يد قورش الفارسي، الذي دخلها على غفلة ونهبها، لكن اسمها ظلّ حياً، وتحوّل في عهد المسيحية المبكر إلى اسم يرمز إلى روما، كما إلى كل مملكة آثمة تجسّد الشر. تنبّأ صاحب “سفر الرؤيا” بسقوط هذه المملكة، وتردّد صدى هذه النبوءة على مدى قرون في أنحاء العالم المسيحي: “سقطت بابل العظيمة وصارت مسكناً لشياطين ومحرساً لكل روح نجس، ومحرساً لكل طائر نجس وممقوت، لأنه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم، وملوك الأرض زنوا معها، وتجار الأرض استغنوا من وفرة نعيمها” (18، 2-3).
وجه صدّم
في المقابل، قدّم المؤرخون اليونانيون القدماء صورة مغايرة تماماً لبابل، واستفاضوا في وصف علومها وعمرانها وفنونها. وشكّلت هذه الأخبار، مع مرور الزمن، أساساً لروايات عديدة دخلت الذاكرة الجماعية. أبرزها تلك التي وصفت الحدائق المعلّقة، ثانية عجائب الدنيا السبع. هكذا امتزجت صورة المملكة الفاجرة، بصورة المملكة البهية، في المخيلة الأوروبية حتى مطلع الأزمنة الحديثة، حينما كشف المنقّبون آثار المدينة المندثرة، ونجحوا في تحديد معالمها المادية الحقيقية.
تكرّر اسم بابل عشرات المرات في أسفار التوراة والإنجيل، ولم يُذكر في القرآن إلاّ مرةً واحدة في آية طويلة تتحدّث عن “الملكين ببابل هاروت وماروت” (البقرة 112). في تفسيرهم لهذه الآية، نقل كبار العلماء طائفة من الأخبار الخاصة بأرض هاروت وماروت، وجاء في “لسان العرب”: “بابل موضع بالعراق، وقيل موضع إليه ينسب السحر والخمر”. والبلبلة “اختلاط الألسنة”، “وقيل سمّيت أرض بابل لأن الله تعالى حين أراد أن يخالف بين ألسنة بني آدم بعث ريحاً فحشرهم من كل أفق إلى بابل فبلبل الله بها ألسنتهم ثمّ فرّقتهم تلك الريح في البلاد”. ويمكن القول إن هذه التفاسير تتفّق بشكل كبير مع الرواية التوراتية.
قصر صدام حسين اعلى أطلال مدينة بابل
وتقدّم كتب الجغرافيين العرب، صورة أخرى لبابل هي الصورة الأقرب إلى الواقع. في القرن الثاني عشر، كتب الإدريسي في “نزهة المشتاق”: “قرية بابل هذه قرية صغيرة وكانت قبل مدينة كبيرة، وهي أقدم أبنية العراق في زمن الكنعانيين وسكنوها وتداول ملوكهم عمارتها وبها بقايا بنيان وآثار قائمة تخبر أنها كانت في ما مر من الأزمان مصراً عظيماً”. وفي القرن الرابع عشر، سبق ابن خلدون أعلام أوروبا، وأعلن في مقدمّته الشهيرة أن علوم بابل وغيرها من الأمم ما زالت مجهولة، “فالعلوم كثيرة والحكماء في أمم النوع الإنساني متعددون، وما لم يصل إلينا من العلوم أكثر مما وصل، فأين علوم الفرس التي أمر عمر رضي الله عنه بمحوها عند الفتح؟ وأين علوم الكلدانيين والسريانيين وأهل بابل وما ظهر عليهم من آثارها ونتائجها، وأين علوم القبط ومن قبلهم؟ وإنما وصل إلينا علوم أمة واحدة وهم يونان، خاصة لتكليف المأمون بإخراجها من لغتهم واقتداره على ذلك بكثر المترجمين وبذل الأموال فيها، ولم نقف على شيء من علوم غيرهم”.
خرجت بابل من الظلمة إلى النور في القرن التاسع عشر، على أيدي بعثات التنقيب الأوروبية التي نقلت أبرز آثارها المكتشفة إلى متاحفها. تجاوز هذه الاكتشاف حدود علم الآثار، مع فكّ النصوص الأدبية والتاريخية التي نقشت على عشرات الألواح الفخارية المطمورة بين أطلال بابل، وظهرت المدينة في صورة جديدة تماماً بعد نشر نصوص شرائعها وأناشيدها الطقسية وقصصها الدينية الخاصة بالخليقة والطوفان. فصار اسمها في القاموس العلمي اسماً حضارياً يختصر تطوّر الشرق القديم في ميدان الحقوق والعلوم والفنون. أدرجت منظمة الأونيسكو اسم الموقع في لائحة التراث العالمي، ثم عادت وحذفته في نهاية الثمانينات من القرن الماضي بسبب “تعدّي” السلطة العراقية على معالم المدينة الأثرية، وقيامها بإعادة بناء بعض معالمها بشكل لا يتماشى مع مبادئ علم الآثار.
-
جدارية تزين سقف قصر صدام في بابل
برزت مدينة بابل في عهد الملك حمورابي، وتألقت في عهد الملك نبوخذ نصّر الثاني، مُنشئ الدولة البابلية الثانية والذي قضى قديماً على إسرائيل، واقتاد أهلها إلى الأسر، فخرجوا من ديارهم وأنشدوا في غربتهم: “على انهار بابل هناك جلسنا بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون، على الصفصاف في وسطها علّقنا أعوادنا، لأنه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة، ومعذّبونا سألونا فرحاً قائلين رنّموا لنا من ترنيمات صهيون” (مزمور 137). اعتبر النبي ارميا أن خراب إسرائيل على يد نبوخذ نصّر كان عقاباً إلهياً أراد منه الرب أن يؤدب اليهود الذين خانوا عهده. وتردّد صدى هذه الرواية في العالم الإسلامي، حيث عُرف الملك البابلي باسم بختنصر الثاني. هكذا نقل ابن تيمية عن بعض المشايخ قولهم: “هولاكو ملك الترك التتار الذي قهر الخليفة بالعراق وقتل ببغداد مقتلة عظيمة جداً، وكذلك قتل بحلب دار الملك حينئذ. هو للمسلمين بمنزلة بختنصر لبني إسرائيل، وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الإلحاد والنفاق والبدع”.
حذف إسم بابل من لائحة الأونيسكو في الثمانينات بسبب “تعدّي” السلطة العراقية على معالمها الأثرية
سقط العراق في أيدي الغزاة الأميركيين، وسقطت معه بابل، والتقطت وسائل الإعلام صوراً لقصرها الجديد وما يحويه من حلل. فنياً، لا تحمل هذه الحلل أيّ قيمة تُذكر، إلا أنها تعكس صورة مشروع ضخم انهار وتهاوى، وهو ما زال يتهاوى إلى يومنا هذا.
عراق صدّام
63 تعليق
تعقيبات: 1titania
تعقيبات: writing tutor
تعقيبات: dissertation abstracts international
تعقيبات: dissertation search
تعقيبات: proposal and dissertation help geography
تعقيبات: writing a literature review for a dissertation
تعقيبات: dissertation proposal help
تعقيبات: best dissertation writing service uk
تعقيبات: all but dissertation
تعقيبات: definition of dissertation
تعقيبات: online casino nj
تعقيبات: best pa online casino
تعقيبات: highest payout online casino
تعقيبات: online casino bonus no deposit
تعقيبات: casino online free
تعقيبات: free casino slots online
تعقيبات: borgata pa online casino
تعقيبات: play casino games online
تعقيبات: online free casino games
تعقيبات: spain online casino
تعقيبات: free sign up bonus online casino
تعقيبات: online hollywood casino
تعقيبات: best vpn services 2018
تعقيبات: vpn gratuit
تعقيبات: what is a vpn connection
تعقيبات: good free vpn
تعقيبات: top vpn service providers
تعقيبات: windows vpn
تعقيبات: express vpn free download
تعقيبات: gay dating documentary youtube
تعقيبات: match single
تعقيبات: pof dating login
تعقيبات: online meeting sites
تعقيبات: amature dating co
تعقيبات: top online dating websites
تعقيبات: dating sites for singles
تعقيبات: free online chat and dating sites
تعقيبات: dating kostenlos in sz
تعقيبات: singles dating site
تعقيبات: mgm online casino michigan
تعقيبات: nj casino online
تعقيبات: online mobile casino
تعقيبات: miai chat gay
تعقيبات: gay universe men chat
تعقيبات: gay male video chat free
تعقيبات: gay sex chat room
تعقيبات: good chat to meet gay bimarried
تعقيبات: chat gay chat
تعقيبات: gay chat toom
تعقيبات: gay snap chat
تعقيبات: chat gay miami
تعقيبات: gay chat rooms free
تعقيبات: write my paper fast
تعقيبات: paper writing website
تعقيبات: need help write my paper
تعقيبات: how to find someone to write my paper
تعقيبات: paper writing service superiorpapers
تعقيبات: professional college paper writers
تعقيبات: college paper ghost writer
تعقيبات: custom papers writing
تعقيبات: paper writing service cheap
تعقيبات: غير معروف
تعقيبات: 3coincident