القلق واسع في اوساط ارثوذكس انطاكية وسائر المشرق حيال التطورات الاخيرة التي هزّت #العالم_الارثوذكسي. “الحزن كبير”، والخوف أكبر. ما اعلنته #الكنيسة_الارثوذكسية_الروسية الاثنين 15 ت1 2018 لجهة “#قطع_علاقاتها ببطريركية #القسطنطينية” يشكّل صدمة قوية، لما يمثله هذا الحدث من “انشقاق كبير لم نشهد مثيلا له في التاريخ الحديث للكنيسة الارثوذكسية”، على قول خبير في الشؤون الارثوذكسية لـ”النهار”، طلب عدم ذكر اسمه. والخشية من “ألا يتوصل الارثوذكس الى حلول، ويتعمق الشرخ، بحيث تكون نتائجه سيئة جدا على العالم الارثوذكسي”.
في التّوصيف، انه “أكبر #انشقاق في المسيحية منذ ألف عام”، بتعبير الكنيسة الروسية. ومن نتائجه العملية الاولى، “عدم اقامة قداديس مشتركة بين رجال الدين في الكنيسة الروسية والقسطنطينية، وعدم مشاركتهم في خدم ليتورجية مشتركة”، على ما أوضح الاسقف هيلاريون المكلف الشؤون الديبلوماسية في بطريركية موسكو للصحافيين في ختام مجمع للكنيسة الروسية في #مينسك، عاصمة بيلاروسيا.
من وجهة نظر أوسع، فإنّ قطع العلاقات هذا “يطاول كل المؤمنين” التابعين للكنيسة الروسية، على قول الخبير. وهذا يعني “عدم قدرتهم بعد اليوم على المشاركة في اي خدمة” تقام في كنائس تابعة للبطريركية المسكونية، بينما لا ينطبق هذا الامر على المؤمنين التابعين للقسطنطينية.
قراءة سريعة للخريطة تبيّن ان خطوط القطع تتخطى تركيا الى مناطق اخرى في العالم، “الى كل الوجود الارثوذكسي في اوروبا واميركا واوستراليا، في كل المهاجر”. في رأي هذا الخبير المتمرس الذي يتابع عن كثب قضايا الكنيسة الارثوذكسية، فان “الدولة التي قد تشعر اكثر من غيرها بوقع هذا القطع في العلاقات هي اليونان، لانه رغم ان كنيستها الارثوذكسية مستقلة، غير ان لديها جزراً عدة، منها كريت وجبل آثوس، تتبع لرعاية البطريرك المسكوني”.
وقْع الانشقاق يتردد بقوة في ارجاء العالم الارثوذكسي. رائحته طغت منذ قرر بطريرك القسطنطينية برتلماوس الاول الاسبوع الماضي الاعتراف بكنيسة ارثوذكسية مستقلة في اوكرانيا، مما اثار غضب الكنيسة الروسية. وقبل ذلك، كانت البرودة بدأت تتحكم بالعلاقات الثنائية منذ انعقاد “المجمع الارثوذكسي المقدس الكبير” من 19 حزيران 2016 الى 26 منه في جزيرة كريت اليونانية.
“اخطاء” بطريرك و”خطيئته”
في دفتر ملاحظات الخبير، “كان الاعداد لهذا المجمع غير صحيح. وقد ذهبت اليه البطريركية المسكونية خلافا للقانون الذي يقول بوجوب حضور كل الكنائس الارثوذكسية. الطريقة التي حصل فيها المجمع كانت خاطئة. وعدم مشاركة الكنيستين الروسية والانطاكية وغيرهما سببها خطأ في التنظيم والاعداد”.
الكلام على تأثير مباشر للسياسة في موضوع قطع العلاقات ليس في محله. ما شهدناه اخيرا “ليس موضوعا سياسيا”، في رأي الخبير. “بالتأكيد لقطع العلاقات بُعد سياسي، لكن بُعده الأخطر على العالم الارثوذكسي يتمثل في ان ما فعلته البطريركية المسكونية (لجهة اعترافها بالكنيسة الاوكرانية المستقلة) ضربت به كل القواعد التي ترعى العلاقات الارثوذكسية المشتركة، ويحاول البطريرك برتلماوس الاول ان ينصّب نفسه بابا على العالم الارثوذكسي، من خلال عدم احترامه لآراء الكنائس الاخرى، ولا القواعد التي ترعى المنحى الاستقلالي الذاتي الذي لديها”.
أكثر ما يُخشَى ان ما فعله برتلماوس الاول هو انه “عاد بالتاريخ الى الوراء كثيرا، كي يغيّر قواعد التعاطي في العالم الارثوذكسي”. وهذا يوجب، في رأي الخبير، ان “يقف في وجه هذا المنحى، ليس الكنيسة الروسية فحسب، انما ايضا كل العالم الارثوذكسي”.
“أخطاء” يرتكبها البطريرك المسكوني، من وجهة نظر أرثوذكسية. اخطاء مدمرة. ومنها على سبيل المثال، قراره الاسبوع الماضي إعادة البطريرك فيلاريت دينيسنكو الى “رتبته في الهرمية الكنسية”، بعد النظر في طعن تقدم به ضد قرار حرمانه الذي أصدرته الكنيسة الروسية. بهذا القرار، “يخالف البطريرك كل اللاهوت الارثوذكسي”، بتعبير الخبير. ويسجل عليه “مجموعة شوائب يتضمنها، وامورا غير واضحة تجعل منه كارثة في العالم الارثوذكسي”. ببساطة، القرارات الاخيرة التي خرج بها البطريرك المسكوني “ربط نزاع، ليس مع كنيسة روسية فحسب، انما ايضا مع كل العالم الارثوذكسي”.
صراحة ارثوذكسية. وتستوجب القول ان البطريرك برتلماوس الاول “لم يؤدّ دوره كضامن للوحدة في العالم الارثوذكسي”. من الاحداث المهمة التي تستوقف مراقبين ارثوذكسا، اعلان قداسة البابا بولس السادس (في 14 ت1 2018) “الذي رفع مع البطريرك المسكوني اثيناغوراس الحرمات المتبادلة” بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية. انها مرارة اللحظة. “ففي وقت تقدس الكنيسة الكاثوليكية البابا بولس السادس، تضرب البطريركية المكسونية ارث البطريرك اثيناغوراس والوحدة الارثوذكسية. وهذه خطيئة يرتكبها برتلماوس، لانه المسؤول عن ضمان الوحدة بين الكنائس الارثوذكسية والتنسيق بينها تعبيرا عن هذه الوحدة”. خطيئة كبيرة تجعل منه طرفا في النزاع، وفاقدا لدوره الاساسي.
اين كنيسة أنطاكية وسائر المشرق من هذه التطورات؟ في التقويم الاولي، تأثير قطع العلاقات بين روسيا والقسطنطينية “ليس مباشرا على أنطاكية”، على قول الخبير. في 6 ت1 2018، اعلن المجمع الأنطاكي المقدس في بيان موقفا واضحا من التطورات الارثوذكسية. “الكنيسة الأنطاكية تعبّر عن قلقها الكبير من المحاولات الرامية الى تغيير جغرافية الكنائس الأرثوذكسية من خلال إعادة قراءة التاريخ اليوم. وتعتبر أن الاحتكام إلى قراءات أحادية للتاريخ لا يخدم الوحدة الأرثوذكسية، بل يساهم في تأجيج التنابذ والشقاق بين أبناء الكنيسة الواحدة”.
كذلك، شدد على “رفض تكريس مبدأ قيام كنائس موازية ضمن الحدود القانونية للبطريركيات والكنائس المستقلة، كوسيلة لحل الخلافات أو كأمر واقع في العالم الارثوذكسي…”.
موقف أنطاكي موحد، “اتخذ بالاجماع”. “الجسم الاسقفي الانطاكي واحد في التعبير عن وحدة العالم الارثوذكسي ضمن القواعد التي ترعى العلاقات”، على ما يؤكد الخبير. وتبقى هناك “اسئلة عملية يجب طرحها”. “هل تعترف الكنائس الارثوذكسية بالكيانات المنشقة التي اعترفت بها البطريركية المسكونية؟” والمتوقع، وفقا لما ينبىء به بيان المجمع، ان “كنيسة انطاكية لن تعترف بهذه الكيانات، لانها لم تعترف بها من قبل. ومن يقاربون الفكر الانطاكي يفهمون بالتالي انه سيكون هناك استمرار للفكر الاساسي الذي يرعى العلاقات الارثوذكسية، وهو عدم الموافقة على تكريس الانشقاق. الانشقاق لا يُكرَّس، ويحتاج الى توبة”.
في وقت تظهر الكنيسة الانطاكية “تماسكا في الموقف” من هذه التطورات، يلوح “خطر كبير” يهدّد العالم الارثوذكسي، ويتمثل في “تعطّل العلاقات بين الكنائس، بحيث تستوجب التطورات ان تقول الكنيسة الانطاكية وغيرها من الكنائس انه لم يعد من الممكن حاليا القيام باي شيء على الصعيد الارثوذكسي المشترك ما لم تشارك كل الكنائس، احتراما لمبدأ الاجماع، وانه في غياب كنيسة روسيا، سيكون من الصعب ان يتم اي عمل ارثوذكسي مشترك”.
وساطة الاسكندرية
نعم، هناك حلول، “ولا بد من ان تكون هناك حلول”، على قول الخبير. الموقف الانطاكي يدعو الى “اجتماع عاجل لرؤساء الكنائس الارثوذكسية المستقلة لتداول التطورات التي يشهدها العالم الأرثوذكسي بشأن مسألة منح الاستقلال الذاتي لكنائس جديدة…”، وفقا لبيان المجمع الانطاكي. هذا الاجتماع ملحّ وضروري. “الخطر داهم”، وفق الخبير، “خصوصا مع تجذّر هذا الانقسام الارثوذكسي اكثر فاكثر. ولن تقف الكنائس الارثوذكسية موقف المتفرج على هذا الانقسام”.
في الاجواء، مبادرة بدأها بطريرك الاسكندرية الذي “يأتي في المرتبة الثانية بعد البطريرك المسكوني”. وفقا للخبير، “ثمة كلام على وساطة باشرها. ويُنتَظر ان يؤدي دورا في هذا المجال، لا سيما بعدما فقد البطريرك المسكوني دوره كضامن للوحدة الارثوذكسية. ولا يمكنه ان يكون طرفا وحكما في الوقت نفسه”.
Hala.homsi@annahar.com.lb