نبيل بومنصف
النهار
22012018
تبدو طلائع الانطلاقات للانتخابات النيابية شديدة التناقض بين ارباكات السلطة ومعارك اَهلها من جهة والاستعدادات الجماعية والفردية لخوض غمار الترشيحات من جهة أخرى. قبل ان تكمل السلطة عدتها الكاملة لدعوة الهيئات الناخبة سابقت طلائع تحركات ما يسمى اصطلاحا الحراك المدني كل خطوات السلطة كما كل تحالفات القوى السياسية وشرع معظم هذه الشرائح في الانخراط الفوري في الترشيحات وإعلان البرامج الانتخابية وإطلاق حملات التعبئة. هو تطور إيجابي ومتوقع اولا وأخيرا لمجموعة دوافع وأسباب بديهية ليس أقلها ان الطبقة السياسية القائمة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2009، والتي كانت آنذاك بمعظمها إمتدادا للواقع الذي سبقها بدورة انتخابية في 2005 تفرض في أقل التقديرات طفرات ترشيحات كثيفة من خارج النادي السياسي والحزبي القائم. ثم أن سلطة، بكل مؤسساتها الرسمية وهيكلها السياسي الرسمي والحزبي والطائفي وكل ما يتصل بواقعها، تأبى الا ان تقدم في الرمق الأخير من وقوفها امام استحقاق “المحاسبة” الديموقراطية الحلال الآتي في السادس من أيار أسوأ نماذج أداءاتها وسلوكياتها وسياساتها في سائر القطاعات الحيوية التي تعني الناس لا تبقي مجالا واسعا لمعارك سياسية منتظمة على إيقاع صراع تقليدي يتصل بالامور المفصلية الكبرى كتلك التي خيضت على أسسها انتخابات دورتي 2005 و 2009 واللتين طغى فيهما صوت الفرز الاساسي بين محوري 14 آذار و8 آذار وامتدادات كل منهما داخليا وإقليميا. والحال اننا ممن يخشون جفافا انتخابيا من الأبعاد السياسية والسيادية الكبرى لان هذه الأبعاد لا تزال تشكل الاولويات الملحة الحقيقية التي من دون حسمها انتخابيا وسياسيا لا حسم لها سلطويا ودستوريا بدليل التخبط الهائل الذي يسود واقع العهد والحكومة والمجلس الحالي عند مشارف الانتخابات المقبلة. ومع ذلك نجدنا ملزمين تبرير ظواهر سيرى اللبنانيون موجاتها تباعا لانها تشكل إنعكاسا لسياسات الإقصاء المجتمعي الذي طبع واقعا سياسيا تناوبت فيه الطبقة السياسية القائمة على فرض تسويات او صراعات لم يكن للكثير من الرأي العام الداخلي ما يعنيه منها. حتما يغدو نوعا من الغنائيات الشعرية والوجدانية التحدث عن اتجاهات “مدنية” قد تغلب الاتجاهات الحزبية والطائفية او تخرقها الى حدود التغيير الكبير الثوري! ولكن ذلك لا يعني تجاهل ثورات مكبوتة منذ زمن بعيد في أركان واسعة من مجتمع لبناني طالما أهين ووصم بانه مجموعة طوائف وقبليات ممزقة ومرتهنة لزعماء واصطفافات وقواعد سياسية متكلسة. لذا فأن التصوير الأدق والأفضل للانخراط المجتمعي غير الحزبي و”المدني” في الانتخابات يجب ان يركز على السمة المستقلة المتحررة اولا وأخيرا سواء في اثبات استقلالية ستكبر الشكوك حولها تباعا في ظل تجارب سلبية خاضتها معظم شرائح جماعات “الحراك المدني” سابقا في ملفات خدماتية واقتصادية وأدت الى زرع الشكوك فيها، أو في إستقطاب فئات لبنانية سقط أملها في التغيير الى حدود الاندثار التام.
nabil.boumounsef@annahar.com.lb