غسان الحجار
النهار
10072018
تنذر المرحلة التي بلغتها العلاقة ما بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” بحرب إلغاء جديدة، ليست مستغربة ولا مستبعدة مع الطرفين النقيضين منذ أمد بعيد، واللذين لم تنجُ معهما اتفاقات وتفاهمات إلا لمدة محددة في الزمان والمكان.
واذا كانت الحرب الكلامية، مع ما يرافقها من بث أحقاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعيدنا بالذكرى الى فترة الحكومة العسكرية برئاسة العماد ميشال عون، وإعلانه حرب إلغاء على الميليشيات، لم تكن في حقيقتها إلا محاولة إلغاء لـ”القوات”، فإن بحثاً في العمق يعيدنا الى تاريخ الموارنة الذين عاشوا في المغاور والجبال والوديان هرباً من حياة الاضطهاد. تلك التي أكسبت الموارنة مناعة وقوّة، وقسوة وصلابة. وهذه مجتمعة ساهمت في المحافظة على الوجود المسيحي ربما في الأزمنة الصعبة. لكن تلك القسوة، والصلابة، استعملها أيضاً الموارنة في صراعاتهم، القديمة والحديثة، وتذكر صفحات الحرب اللبنانية فصولاً من التقاتل الأخوي أقسى من كل المعارك التي خاضوها مع الغير. والواقع أن موارنة لبنان هم بأكثرهم أبناء قرى جبلية وعرة حملوا خصالهم الى المدن الحضرية، والى السياسة فتخاصموا وتقاتلوا وسفكوا الدماء. ولم يتعلموا من تجاربهم المريرة. حالياً لا تسمح الظروف بالقتال، والتقاتل المسلح، وقد وجدوا مساحات أخرى لهذا التقاتل عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. والمتابع يقرأ ويشاهد ما يندى له الجبين.
يستشهد الاب ميشال العويط السكرتير الخاص للبطريرك التاريخي نصرالله بطرس صفير في كتابه “وصيتي الى الموارنة” بمقاطع من “شرعة العمل السياسي في ضوء تعاليم الكنيسة وخصوصية لبنان”، ان “ما يريده الموارنة في بعض ما يعتري الشأن الزمني من شؤون وطنية يتلخص في اعتماد آليات تحول دون تعطيل المؤسسات الدستورية والابتعاد عن سياسة المحاور الاقليمية والدولية وتنفيذ ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني… ما يريده الموارنة هو عدم تكبيل المؤسسات الدستورية ورهنها بخيارات الذين يدّعي كل منهم ان خياراته هي المنجّية. فليس من المنطق ان يتغنى اللبنانيون بأن لديهم ديموقراطية ودستوراً ومؤسسات، وهم في معظمهم يناقضون الديموقراطية لصالح الاستقواء، ويعلّقون الدستور رهناً بحسابات ذاتية او فئوية، ويعطلون المؤسسات باستغلالها كل على هواه”.
فهل يقرأ زعماء الموارنة تصرفاتهم السياسية الحالية في ضوء تعاليم كنيستهم ووثائقهم التي وضعت الاصبع على جرح نازف؟ وهل هم في ما يقومون به من تعطيل وخلاف وبث احقاد، يعملون على استرداد المسيحيين حقوقهم ودورهم الفاعل في الدولة ومؤسساتها؟ الا تؤدي بهم هذه الصراعات المتفاقمة الى التحول أدوات سهلة في أيدي الآخرين يتلاعبون بها كيفما يشاؤون؟ ألا تولّد تلك الخلافات إحباطاً لدى عموم المسيحيين وتدفع الى هجرة مَن تبقّى من الشباب؟ ما نشاهده ونشهد عليه اليوم يؤكد أن الذين يقودون المجتمع المسيحي لا يستحقون هذا الشرف، وأن “اللي استحوا ماتوا”.
ghassan.hajjar@annahar.com.lb / Twitter:@ghassanhajjar