حاورته: رلى موفّق
Jun 09, 2018
القدس العربي

شغل المحامي رشيد درباس منصب وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الرئيس تمّام سلام بين شباط/فبراير 2014 ونهاية 2016، في وقت كانت سوريا تشهد فصولاً جديدة من أزمتها، ومزيداً من تدفق النازحين السوريين إلى لبنان. درباس، ابن مدينة طرابلس، ذهب إلى التعامل بـ «واقعية» مع ملف اللجوء متجاوزاً موقفه السلبي من النظام السوري، فكان أن رفع الصوت أن لبنان لم يعد يحتمل، ووضع «سياسة وقف اللجوء» رغم عدم شعبية هذا القرار، خصوصاً في البيئة السنيّة، التي كانت آنذاك متعاطفة كل التعاطف مع الثورة السورية.
اليوم يرى أن «أزمة اللاجئين السوريين تقتضي إعلان حالة طوارئ سياسية ووطنية» بسبب المخاطر الناجمة عنها، ذلك أن «السوريين في لبنان لم ينظموا أنفسهم اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً حتى الآن، لأنهم يُمنّون النفس بالعودة، ولكن إذا طالت إقامتهم سيصبحون مضطرين لتنظيم أنفسهم، ويوجد بين اللاجئين، على الأقل، 100 ألف شاب منهم قاموا بالخدمة العسكرية الإلزامية، ولا تنقصهم سوى 100 ألف بندقية حتى يتحوّلوا إلى جيش».
ينظر نقيب محامي الشمال سابقاً إلى أن القانون «رقم 10» لا يُعبّر إطلاقاً عن نيّة لدى الحكومة السورية لوضع خطة لاسترجاع هؤلاء اللاجئين، بل يؤشر إلى أن النظام ربما يتوجّه إلى إنشاء حالة عقارية جديدة تستتبعها حالة ديموغرافية، معتبراً أن «الترجمة الحقيقية لكلام دمشق عن التوازن الديموغرافي المقبول سورياً هي إخلال فادح بالتوازن الديموغرافي اللبناني».
يراقب خطاب «حزب الله» راهناً، فيرى موجته منخفضة. هو متيقن من إدراك «حزب الله» أن لبنان لا يحتمل أي انخراط في المحور الإيراني، وإذا تخلخلت بنية الدولة، وكان المهيمن عليها، تنتفي قيمتها، ومصلحته تالياً في بقائها، ذلك أن لبنان «حاجة لأبنائه، وللمحاربين من أبنائه وللمتحاربين من خارجه».
على أن درباس، الذي اختبر أن «القرار ليس في الحكومة ولا في مجلس النواب بل مرهون بالتوازن الداخلي الدقيق وقدرة البلد على الاحتمال ومرهون كذلك بمدى ارتباطنا بالسياسة الإقليمية والدولية التي تُرسم»، يرى أنه «لا يمكن الاستهانة بما يملكه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري من أوراق، وعلى رأسها أنه لا يمكن الاستغناء عنه ولا بديل له، وأن الريح الخليجية داعمة له، كما لم يكن من قبل»، داعياً الفريق الآخر إلى «عدم المغالاة بشروطه لأن هناك حدوداً لِما يمكن للحريري أن يعطيه».
وهنا نص الحوار:
○ كونك كنت معنياً بملف اللاجئين في لبنان كوزير سابق للشؤون الاجتماعية وكنقيب سابق للمحامين في الشمال، كيف تنظر إلى المخاطر التي يحملها القانون رقم 10 الذي صدر في سوريا مؤخراً، ومدى تأثيره على لبنان؟
• أنا لا أنظر إلى القانون رقم 10 من زاوية حرمان اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان من حقوقهم العقارية في سوريا، ذلك أن الأكثرية الساحقة من هؤلاء هُم من الفقراء والمعدمين الذين لا يملكون عقارات. من لديه أملاك في سوريا لا يعيش هذه الحياة البائسة هنا. مثل هذا القانون لا يُعبّر إطلاقاً عن نية لدى الحكومة السورية لوضع خطة لاسترجاع هؤلاء اللاجئين. هذا القانون يُؤشر إلى أن النظام ربما يتوجّه إلى إنشاء حالة عقارية جديدة تستتبعها حالة ديموغرافية.
○ في رأيك، هدف القانون 10 عقاري ـ ديموغرافي، أم أنه يحمل أهدافاً سياسية؟
• أنا أراه مؤشراً على عدم اهتمام الدولة السورية باللاجئين، لأنه قبل ترتيب الوضع العقاري، يجب ترتيب الوضع البشري والإنساني. على الدولة أن تُسهّل وتُهيّئ أمور العودة من خلال إصدار قرار كبير بالعفو العام، كما يحدث بعد كل حرب، وعليها إقامة أماكن إيواء وتدريس مؤقتة.
من اللافت أنه بينما هناك في لبنان وزيران مولجان بمسألة اللجوء السوري هما وزير الشؤون الاجتماعية ووزير شؤون اللاجئين، لا توجد في سوريا أي جهة أو حتى مديرية عامة لمتابعة هذه المسألة. كانوا يسألونني دائماً لماذا لا أقيم اتصالاً مع الحكومة السورية بشأن اللجوء، وكنت أجيب بأنه إذا كانت لدى الحكومة السورية أي خطة لاسترجاع مَن يرغب من اللاجئين السوريين، فستجد من الحكومة اللبنانية كل التسهيل اللوجستي. لم يُرسل النظام السوري موفداً إلى لبنان لمقابلة مدير الأمن العام، أو للتكلم مع رئيس الجمهورية ووزير الخارجية اللذين على علاقة جيدة به.
أنا لا ألوم فقط الدولة السورية، بل أضع المسؤولية أيضاً على القوى المؤثرة مثل روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران، فهم يقولون أن هناك مناطق منخفضة التوتر، لذا من الأجدر أن يتم تجهيز هذه المناطق، وأن يكون إنفاق المجتمع الدولي لاسترجاع نسبة كبيرة منهم بدلاً من الإنفاق غير المجدي الذي يحدث حالياً. حوالي 43٪ من لاجئي لبنان هُم من هذه المناطق، كما أن منطقة القلمون المحاذية للبنان هادئة وخالية من السكان.
○ ولكن النظام لا يرغب بعودة اللاجئين بهدف خلق توازن ديموغرافي في الداخل السوري؟
• سمعنا كلاماً سورياً أنه أصبح هناك توازن ديموغرافي مقبول فيها. بغض النظر عن اعتراضي على هذه الفكرة، ولكن إذا أخذنا الموضوع من وجهة نظر لبنانية وكمسؤول سابق، أقول أن الكلام عن التوازن الديموغرافي المقبول سورياً ترجمته الحقيقية هي إخلال فادح بالتوازن الديموغرافي اللبناني، مع علمي أن كل الطوائف اللبنانية، لا سيما الطائفة السنية، ترفض الإخلال بهذا التوازن، ولا يُعقل أن تتخلى دولة عن الملايين من مواطنيها بذريعة خلق توازن ديموغرافي! في رأيي أن تشريد ملايين الناس يماثل قتلهم وهذا ما فعله نظام بول بوت في كمبوديا. هذا لا يدخل ضمن شرعة حقوق الإنسان. عندما يزدري القيّم على الهوية مَن يحملونها إلى هذه الدرجة، معناه أنه يحوّلهم إلى قنابل موقوتة داخل سوريا وفي أماكن وجودهم.
أنا لا أهوّل ولكن ضمن المليون و300 ألف لاجئ سوري عندنا، يوجد على الأقل مئة ألف شاب قاموا بالخدمة العسكرية الإلزامية، وهؤلاء لا تنقصهم سوى مئة ألف بندقية حتى يتحوّلوا إلى جيش. السوريون في لبنان لم ينظموا أنفسهم لا اجتماعياً ولا سياسياً ولا عسكرياً حتى الآن، لأنهم يُمنّون النفس بالعودة، ولكن إذا طالت إقامتهم فسيصبحون مضطرين لتنظيم أنفسهم. الأمر يقتضي إعلان حالة طوارئ سياسية ووطنية.
○ ماذا يجب أن يحصل في إعلان حالة الطوارئ هذه؟
• يجب سحب ملف اللاجئين السوريين من التجاذب السياسي والطائفي والمذهبي، بعدما استُعمل كثيراً خلال الانتخابات الأخيرة. يجب أيضاً أن يكون للبنان موقف موحّد غير قابل للتمايز، ووضع خطاب واحد نخاطب به دول العالم، ونحدد كيفية تعاطينا مع سوريا بحث لا تنحصر بين إما أن نحاربها أو نلتحق بها، هناك حل وسط بين هذين الحدّين. ليس لنا حدود برية غير الحدود السورية، والمنطق يقتضي أن نتعاطى مع الموضوع بعقلانية.
ازدواجية المواقف تصبّ في مصلحة الموفدين الدوليين الذين يحاولون التملّص من الشروط. أنا وضعت سياسة وقف اللجوء التي وصلت في مطلع العام 2015 إلى صفر. كانت وجهة نظري تقضي بجمع اللاجئين السوريين في مخيمات متوسطة الحجم قريبة من الحدود السورية وبعيدة عن المجتمع اللبناني، وكنت قادراً على تأمين التمويل اللازم، بشكل يجعلها تحت الرقابة.
○ الاعتقاد بأن ملف النزوح سيكون الملف رقم 1 على طاولة مجلس الوزراء حين تتشكل الحكومة الجديدة إنما من زاوية جرّ لبنان إلى علاقات سياسية تمهيداً للاعتراف بالنظام والدخول في المحور الإيراني؟
• الزمن لا يمشي باتجاه زيادة الدول التي تدخل في المحور الإيراني. ورغم المتغيّرات التي حدثت وسمحت للنظام بفرض قبضته على معظم سوريا، ونتائج الانتخابات النيابية عندنا التي أعطت الغلبة للقوة الصديقة لسوريا، رغم هذا لا يستطيعون أخذ هذا القرار، لأن الموضوع غير مرهون بالرغبات الذاتية والتوجهات السياسية، هو مرهون بقدرة البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على تحمّل مثل هذا القرار ونتائجه.
المشكلة سابقاً أن طرح ملف عودة النازحين كان من أجل إنشاء محور سياسي يكون لبنان جزءاً منه. لبنان لا يستطيع الانخراط بمثل هذا المحور، وبنيته الاقتصادية لا تسمح أيضاً بذلك، لأن هذا معناه أن لبنان سيقع تحت مقصلة العقوبات، فضلاً عن الرفض الشعبي لهذا الانخراط، بحيث نكون كمن يُحضّر الوضع في لبنان لاشتباك جديد.
الوضع الآن في الإقليم قيد البحث، وفي هذه الحالة لا تستطيعين استباق الأمور، نحن دولة بلا موارد، ذات تركيبة معقدة، متينة ولكن فيها نقاط ضعف، إذا تمّ ضربها يحدث الانهيار ونصبح «زبائن جدداً» عند المفوضية العامة لشؤون اللاجئين. الدول التي كانت ثابتة انهارت ونحن ما زلنا صامدين.
○ كيف يمكن تجنب الوقوع في المحظور؟
• عندما رسمت سياسة وقف اللجوء جميع المسؤولين وافقوني الرأي، لأنها استلهمت الواقعية. اعتقادي أنه يمكن الوصول لبنانياً إلى موقف موحد من زاوية المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية وليس من زاوية الاتجاهات السياسية. لبنان حاجة لأبنائه، وحاجة للمحاربين من أبنائه وحاجة للمتحاربين من خارجه. «حزب الله» يدرك أنه إذا تخلخلت بنية الدولة، وكان المهيمن عليها، تنتفي قيمتها. هو لا يستطيع أن يُحكِم هيمنته بواسطة القوى المسلحة، بل يستطيع أن يُحكِم «الهيمنة النسبية» بواسطة التركيبة الموجودة حالياً. إذاً لـ «حزب الله» مصلحة في بقاء هيكلية الدولة، ولكي تبقى، يجب أن تحافظ على إمكانية مرونتها الاقتصادية والمالية، وذلك مرهون بألا نكون محط عقوبات توضع علينا من الخارج. ولذلك هناك هذا التوجّس من الدخول في هذا المحور.
○ في ظل التحوّلات التي تشهدها المنطقة، هل أنت من المنادين بالانتظار والصمود؟
• نحن في «صالون الانتظار» منذ زمن طويل، إذا عدنا إلى الماضي كان جمال عبدالناصر يُجابه الخطط التي تُرسم للمنطقة، لكن بعد حرب الـ67 ومن ثم «كامب ديفيد» فقدَ الإقليم قدرته على الإسهام في صناعة القرار، والدليل أنه في مرحلة من المراحل حاول الرئيس السوري حافظ الأسد أن يلعب دوراً إقليمياً، من خلال فرض هيمنته على الأردن ولبنان ومنظمة التحرير، ولعب أدواراً كبرى خلال الحرب العراقية – الإيرانية وخلال حرب تحرير الكويت من القوات العراقية، مُكرّساً نفسه لاعباً أساسياً في المنطقة، ولكن تبين أن هذا مجرّد «ديكور»، فعندما قرّر أصحاب القرار العبث بالحدود، سمحوا للإيرانيين بالدخول إلى العراق، ماذا كانت النتيجة؟ أكبر حرب طائفية ومذهبية لم نرَ لها مثيلاً. الذي ظن نفسه لاعباً في يوم من الأيام اكتشف أنه مَلعُوبٌ به. روسيا تحمي النظام السوري وتُسهّل مرور الطيران الإسرائيلي ليضرب عندما يشاء، لأن هناك مصالح للدول تأتي على حسابنا وندفع ثمنها غالياً.
○ في رأيك، ما هي مصلحة القوى التي تقاتل في سوريا، وفي مقدمها «حزب الله»، في خلق هذا الخلل الديموغرافي في لبنان؟
• لا أستطيع أن أفكّر بالنيابة عنهم، أنا أحاول الاستنتاج، وأشعر أن بعض النخب بدأت الإحساس بهذا الخلل والتخوّف منه. لوقف التقدّم في مجتمع ما، يجب العمل على الفوارق والإثنيات والمذاهب والطوائف. السنّة العرب، عبر تاريخهم، لم يكن لديهم مانع في أن يقودهم شخص أقلوي، إذا كان يرفع شعار الأكثرية، ومثال على ذلك فارس الخوري، اللبناني المسيحي، الذي عُيّن وزيراً للأوقاف السورية ورئيساً للحكومة ورئيساً لمجلس النواب، ومثّل سوريا في الأمم المتحدة في مفاوضات الاستقلال، وشوكت شقير اللبناني الدرزي، رئيس الأركان السوري، الذي أنهى حكم الشيشكلي وأعاد الحكم البرلماني، وجورج حبش الذي كان من مؤسسي حركة القوميين العرب. عندما تكون الأمة في حالة صعود تذوب هذه الفوارق، لكن عندما تضعف تبحث كل طائفة عن «مُتّحَد» خاص بها يحميها. هذه اللعبة الديموغرافية خاسرة، لكن آثارها ستبقى عشرات السنين، فالحقد بين الطوائف والمذاهب لا يُلغى بهذه السهولة.
○ ثمة توجّس لدى «حزب الله» والمسيحيين بشكل خاص من أعداد اللاجئين؟
• عندما قلت أن الحديث عن التوازن الديموغرافي المقبول في سوريا ترجمته خللاً ديموغرافياً في لبنان كنت أقصد بالدرجة الأولى الشيعة والمسيحيين، لكن لحسن الحظ أن المسلمين السنّة شاركوهم هذا التوجّس وإن بدرجة أقل، لأن وطأة اللاجئين أكثر على المناطق السنية. أسوأ شيء أن يكون السياسي فاقداً للبصيرة، لم يقبلوا على الإطلاق فكرة وجود مخيمات لأن هذا في رأيهم يؤدي إلى إعادة إنتاج للمخيمات الفلسطينية، وعندما قلنا لهم أن هناك فارقاً بين الحالتين لم يقتنعوا. اقترحت عليهم أن تكون المخيمات بين منطقتي المصنع وجديدة يابوس، أي في المنطقة المحايدة، لكن «حزب الله» اعتبر أن في ذلك استهدافاً لقواته لأنها تصبح مُجبرة على التنقل عبر ممر تعتبره غير آمن، فاقترحت أن نستأجر مئة هكتار في عكار على بعد 30 كيلومتراً، لكن مندوب الأمم المتحدة قال أنه لا يقبل موقعاً يكون أقل من 70 كيلومتراً بُعداً عن الحدود، فقلت له: «هل تريدني أن أجعلهم في طرابلس!»، وكانت النتيجة انتشار اللاجئين السوريين على كل الأراضي اللبنانية.
○ في ظل المواجهة الأمريكية لإيران والتضييق على «حزب الله»، هل ترى لبنان على مفترق طرق سياسي؟
• الأمر مرهون بسلوكنا الداخلي، كلما كنا «عاقلين» كان الضغط الأمريكي أخف وطأة. أنا أتابع الخطاب السياسي لـ «حزب الله»، وأرى أن موجته هذه الأيام منخفضة. «حزب الله» خاض الانتخابات البرلمانية على أساس القانون الذي يريده – والذي قبلنا نحن به ولا أدري لماذا قبلنا – فأعطته تفوقاً. ولكن لنكن صريحين: منذ زمن، لا مجلس النواب ولا مجلس الوزراء هما مركز القرار، لقد تحوّلا إلى جهتين لإعلان القرارات وليس لإنشائها. أنا كنت في مجلس الوزراء ولم أكن أشعر يوماً أن لديّ سلطة قرار. أحد الحواجز العسكرية منعني من الدخول إلى مخيم نهر البارد وأنا وزير الشؤون الاجتماعية المسؤول عن ملف اللاجئين رغم أن سيارتي تحمل لوحة حكومية. هذا الجندي يعتبر أن الضابط الذي يعلوه رتبة هو السلطة كلها، وهذه الذهنية اكتسبناها من فترة الوجود السوري.
القرار مرهون بالتوازن الداخلي الدقيق وقدرة البلد على الاحتمال وبمدى ارتباطنا بالسياسة الإقليمية والدولية التي تُرسم. لذلك أنا لم أعد أعطي أهمية كبيرة لنتائج الانتخابات وكيفية تشكيل الحكومة ومَن استحوذ على الأكثرية، أنا أعطي الأهمية لمدى العقلانية عند مَن يرسمون القرار، فإذا كنت عقلانياً ترتاح، ولكن عندما «يصيبك الجنون» تدفع الثمن. «حزب الله» يعمل ضمن استراتيجية معينة، ليس هناك من موقف يتّخذه صدفة. أرى اليوم أنه مجبرٌ على التعاطي بعقلانية، وأن لديه مصلحة بذلك كما لدى الأطراف الأخرى.
○ هل في رأيك ستتشكّل الحكومة قريباً في لبنان؟
• إذا تُرك تشكيل الحكومة للتجاذب الحالي، فلا يمكن أن تُبصر النور. أيام حكومة الرئيس تمّام سلام، بقي التشكيل معلقاً أحد عشر شهراً. قبل إعلان تأليفها بيوم واحد، لم يكن هناك أي مؤشر إيجابي، وفجأة تشكّلت.
○ مناهضو «حزب الله» يرون أن ليس من مصلحة لبنان اليوم تأليف حكومة فيما إيران وأذرعها في المنطقة هم في مسار انحداري. وثمّة مَن يسأل ما هي مصلحة سعد الحريري بتشكيلها اليوم؟
• الانحدار الإيراني ليس سريعاً بل بطيء لدرجة أن لبنان لا يستطيع أن يبقى من دون حكومة. أنا لا أستطيع أن ألصق بالحريري تهمة أن ليس من مصلحته تشكيل الحكومة. صحيح أن الأغلبية البرلمانية ليست معه، وأن كتلته انخفضت الثلث تقريباً، وأن رئيس الجمهورية من حلف سياسي آخر رغم توافقه معه، وأن كتلة «التيار الوطني الحر» هي الكتلة الأكبر، وصحيح أن هذه المعطيات تفرض عليه أن يُشكّل حكومة قرارها بيد خصومه السياسيين، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن الاستهانة بما يملكه من أوراق، وعلى رأسها أنه لا يمكن الاستغناء عنه ولا بديل له، وأن «الريح» الخليجية داعمة له كما لم يكن من قبل. وعلى الفريق الآخر عدم المغالاة بشروطه لأن هناك حدوداً لما يمكن للحريري أن يعطيه. العقلانية تقتضي حكومة متوازنة غير مُستفزة للرأي العام الداخلي والخارجي وهذا ما يسعى له الحريري. وأنا قلت له: عليك ألا تستهين بأوراق القوة لديك.
○ في اعتقادك، هل سيستفيد الحريري من أوراق القوة التي لديه والتي قد تسمح له باستعادة التوازن الذي فقده؟
• على الأقل يجب أن يُحسّن من شروطه، الرئيس فؤاد السنيورة قال لي يوماً: «لو معنا خيط من القطن يجب أن نشدّ به». لكن إذا عدنا إلى وجداننا سنجد أنه لو لم يمشِ الحريري بمشروع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكنا وصلنا في نهاية المطاف إلى الفراغ تمهيداً للمؤتمر التأسيسي. لذلك وتحت ذريعة «أم الصبي» ذهب إلى أهون الشرّين. لو لم يتخذ تلك الخيارات غير الشعبية في بيئته، كان بإمكانه أن يكون زعيماً شعبياً لكن «من دون بلد». خياراته كانت للحفاظ على بنية اتفاق الطائف، التي يجري استنزافها بالممارسة يومياً، إنما إذا سُئلتُ عن طريقة التنفيذ أقول لكِ بأنها نُفذت بأسوأ الطرق، كان يمكن أن تُنفّذ بأحسن من هذا. ليس قانون الانتخاب هو الوحيد الذي ساهم بإضعافه بل طريقة تشكيل اللوائح أيضاً.
○ إقليمياً، لقد أوحت التظاهرات في الأردن وكأنه لم يعد قادراً على الصمود. ثمة عامل مشترك بيننا وهو الوضع الاقتصادي الضاغط وأزمة اللاجئين، هل مِن مخاوف على استقراره؟
• الأردن دولة مستقرة بالرغم من موقعه الجغرافي الحَرج وتنوعه الديموغرافي، ويقوم بدور «الممتص للشرارات الكهربائية» بين العرب وإسرائيل، وهو على أطيب العلاقات مع دول الخليج وكذلك مع دول القرار، ويستقبل حوالي مليون سوري ورغم ذلك تهتز فكرة وجوده نتيجة قانون ضريبي، هذا معناه أن هذا البلد الذي يتحمّل كل هذا العبء لا يتمتع بالرعاية الدولية. الأمريكيون يبتزون مستقبلنا ولا يبيعونا سوى الكلام. لقد طاب لهم أن تكون إيران هي «البعبع» وأن تتراجع عداوة إسرائيل إلى المراتب الخلفية، في ظل الصواريخ الحوثية التي تصل إلى الرياض. هذا ما فعله المجتمع الدولي بنا، لقد استنزفوا ثرواتنا النقدية الضخمة. ممنوع أن تكون كتلة نقدية ضخمة بيد أي كان حتى ولو كانت الصين. يجب أن تكوني تابعة لهم وألا تعملي للتنمية، وإلا ظهر «البعبع» الموجود حالياً في إيران. يؤسفني أن تتحوّل إيران التي كانت ترفع شعار «إسرائيل هي الشيطان الأكبر»، إلى «العدو رقم 1». كانت صور الخميني داخل المنازل لأنه هزم الشاه الذي كان يرتبط بحلف مع إسرائيل، لكن الآن الناس تترحم على الشاه نتيجة الأوهام التاريخية التي لا تنفع. على كل حال أنا أعرف أن المسؤولين الأردنيين عُقلاء، ويعرفون أن الكيان الأردني ثمين وهويته ثمينة وحدوده ثمينة.
11HAW