شفيق ناظم الغبرا
May 31, 2018
القدس العربي

تورطنا في عالمنا العربي مع أنظمة سياسية تكشف لنا كل يوم مدى فساد إداراتها وضعف بصيرتها. ففي عدد كبير من البلدان العربية تنتشر في صفوف النظام روح ميليشياوية وذلك على حساب عقلية الدولة ونظام المؤسسات. بل تبدو الدولة العربية وكأنها استعارت من عالم العصابات والميليشيات غير الحكومية الكثير من الأساليب والوسائل. إختبرت شعوبنا هذا عبر طريقة الأنظمة في تصفية الخصوم واقتحام مناطق سكنهم و خطفهم بلا سند قانوني وبلا إعلان عن اماكن وجودهم، شاهدنا كيف تقوم جهات أمنية في دول عربية يفترض انها مسؤولة بتصفية معارضين ثم بالإعلان بأنهم كانوا مسلحين بينما لم يكونوا في عدد من الحالات من حملة السلاح، وشاهدنا كيف يهاجم الاعلام «والذباب الالكتروني» معارضين ونقادا ومثقفين بوسائل تتميز بالوضاعة والركاكة بل والعنصرية. لقد أصبح التشويه جزء من النظام العربي، وكأن الرسالة الموجهة للشعوب بأن النظام بشكله الراهن لم يعد يمتلك ما يسمح له بالبقاء سوى آلة القمع والتشويه والخوف؟. النظام العربي في معظم حالاته فقد الحد الادنى من المصداقية بسبب هذه التصرفات. هذا بالتحديد هو احد اهم اسباب بروز»الميليشياوية» التي حولت الدول لشبه دول.
لنأخذ بعض الأمثلة: شكل استبداد الدولة في سوريا في ظل نظام الاسد وطبيعة تعامله العنيف مع الثورة السورية الاساس الذي أنتج تسلح الثورة وبداية المجموعات المكونة من الميليشيات المسلحة. ولو درسنا ذات الوضع في العراق، سنجد ان النظام السابق في العراق احتوى على ميليشياوية في التفكير والتطبيق تجاه كل الطوائف والقوميات العراقية، وهذا أدى لبروز ميليشيات معارضة دعمتها إيران في مرحلة لاحقة. أما النظام الجديد بعد 2003 فبفضل سياسات العزل الموجهة لقطاع كبير من السنة العراقيين نشأت ميليشيا الدولة الاسلامية و الحروب التي إرتبطت بصعودها وتراجعها، كما ونشأت ميليشيات تابعة للنظام. إن الدولة التي تسلك سلوكا ميليشياويا ستنتج ما يشبهها في صفوفها وبين معارضيها.
ولو درسنا حالة حزب الله بصفته ميليشيا متقدمة التنظيم والادارة، لوجدنا ان نشوء الحزب لم يكن خارج السياق. فبالاساس كانت عقلية الدولة اللبنانية تستثني الشيعة بصورة اساسية ثم كانت تستثني المسلمين السنة بصورة ثانية. هذا الوضع تفاقم بسبب حرب 1967 التي شنتها اسرائيل والتي نتج عنها هزيمة الدول العربية و نشوء المقاومة الفلسطينية. المقاومة الفلسطينية كانت بالاساس نتاج السياسات الاسرائيلية في اقتلاع الشعب الفلسطيني من الارض. لكن تحالف المقاومة مع الشارع اللبناني او اجزاء أساسية منه وعلى الاخص المسلمين في الجنوب غير التوازنات اللبنانية الداخلية. هذا الوضع خلق الاحتقان اللبناني اللبناني الذي ادى للحرب الاهلية المندلعة عام 1975.
وقد استغلت اسرائيل اجواء الحرب الاهلية اللبنانية والخلاف العميق اللبناني اللبناني فوجهت ضربتها لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عام 1982. لكن اقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان وبيروت أدى لفراغ كبير في لبنان وفي الجنوب. وقد حاولت قوى عديدة ملء هذا الفراغ. لهذا برز حزب الله من واقع الاحتلال الاسرائيلي، وأصبح دعم إيران لحزب الله نتيجة تلاقى المصالح والرؤى، فإيران التي فرض عليها الحصار بعد الثورة عام 1979 شعرت بالاختناق من قبل الولايات المتحدة ثم بشكل أكبر أثناء حرب8 سنوات(1980 ـ 1988) بين العراق وإيران.
ويمكن القول ايضا بأنه كان من الطبيعي ان تؤدي طبيعة الدولة اليمنية القبلية وحروبها مع المختلفين معها واستبدادها خاصة مع نظام علي صالح لنشوء ميليشيا الحوثيين. فبغياب التغير الديمقراطي الوطني الذي يساوي بين المواطنين على أرضية الحقوق نشأت جماعات مسلحة معارضة تتصرف وكأنها دولة، في هذا نشأت ظاهرة الحوثيين.
من جهة أخرى تتكرر ذات الابعاد في مصر. فطالما أن النظام في مصر قادر على عزل فئات كبرى في المجتمع المصري ستبقى الحرب في سيناء وسيبقى التفكك في المجتمع وستظل فئة لا تقل عن ثلث المجتمع المصري تريد الإنتقام من كل ما وقع في مصر منذ 2013. يجب عدم التقليل من حجم الاحقاد المدفونة تحت سجادة القمع والعنف في مصر.
في المشهد العربي الذي يتطور منذ عقد، نجد بأن النظام العربي يعيش حالة عداء مزمنة مع المواطن، بل ربما يعتبر النظام المواطن عدوه الاول. فالمواطن محب للحرية و يريد تعليما مفيدا ويبحث عن حياة متوازنة ويريد نظاما عادلا، وقادة يمثلونه. لكن عجز الدول وضعف مسـؤوليتها الاجتماعية والسياسية تجاه مواطنيها وضعها في حرب مع المواطن. هذا أساس تطور الأسلوب الميليشياوي في النظام العربي. فهي تشك في ولاء المواطن، وتسعى لتحويله لتابع لا حول له ولا قوة.
في هذه الحرب تقع عملية تهميش المواطن وتجهيله، بل وجعله بلا مياه نظيفة وبلا بيئة صحية وبلا تعليم نوعي وبلا حقوق. بعد نصف قرن على التنمية والتطوير والتعليم تجد الشعوب العربية( مع استثناءات محدودة) انها وصلت لحافة الهاوية: فهي بلا حقوق وبلا دساتير وبلا حماية من قوة الأجهزة وسلطة ميليشيا الدولة.
إن اتهامات النخب المرتبطة بالانظمة بأن الشعب جاهل وغير مستعد للممارسة الديمقراطية والحقوق يعكس مدى جهل الدولة بمقتضيات العصر و التعليم الحديث والبناء. لقد امتص النظام عافية المجتمع وافقد الناس والأفراد حس الانجاز، بل قامت الدولة بكل ما تستطيع لمنع الخيار الديمقراطي ولمنع تعلم الناس لأسس الديمقراطية. لقد استمر فساد الدولة من خلال تشجيعها على الطائفية والقبلية، فبالنسبة اليها كل هذه الابعاد ادوات تستخدم للحفاظ على السلطة.
لقد تحالفت الدولة العربية مع الخارج على حساب الداخل، واعتمدت على شراء الأسلحة كوسيلة للحماية، وهي بنفس الوقت تعاملت مع المواطن صاحب المصلحة الحقيقية في تطور الدولة كمنافس لها بل وكعدو. لهذا انتهت الدولة ضعيفة أمام الخارج لأنها عزلت جزءا كبيرا من مجتمعها.
بل امنت الدولة العربية بأن القوة والقمع وأسلوب الميليشيا يمكن أن يحل كل المشكلات مما ساهم في زيارة عدد المعارضين وحول الشعب لمشروع للهجرة، لقد إجتثت الدولة المعارضين المدنيين لتصطدم بصعود الإسلاميين، وإجتثت الإسلاميين لتصدم بأن المشكلات تفاقمت والفساد انتشر في كل مكان والمجتمع إنهار. لمنع مزيد من التدهور على الدولة العربية إعادة النظر بجميع سياساتها مع المختلفين معها ومع المواطنين. للآن لم يبدأ مشروع الدولة القائم على البنيان الحقوقي والمواطنة المكتملة الأبعاد. في البلدان العربية: استثمرنا عقودا في مشروع الاستبداد والحكم و مشاريع الميليشيا التي لا علاقة لها ببناء الدول والمجتمعات الحية. في 2018 لازلنا نبحث عن طريق يخرجنا من هاوية.
٭ استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت