اخبار عاجلة
الرئيسية / أضواء على / الوجه الآخر لآينشتاين… “عاشق النساء وأب مهمل”؟

الوجه الآخر لآينشتاين… “عاشق النساء وأب مهمل”؟

روزيت فاضل
النهار
27072018

الصفحة الأولى ” لنويورك وارلد تيليغرام” عن وفاة النابغة ألبرت آينشتاين.( الانترنيت)

على أن اسم ألبرت آينشتاين يرادف حتماً مكانة نابغة، وهو العالم الكبير الذي تصدّرت صوره الصفوف المدرسية والجامعية على امتداد العالم كله. اعتبرته مجلة “التايمس” الأميركية، في تصنيف قامت به العام 1999، أنه شخصية القرن العشرين من دون منازع.

رسائل الشوق من البرت الى ميلفا ماريك. ( من كتاب السيرة الذاتية لميلفا ماريك).

لكن آينشتاين العالم الكبير، لم يختلف عن كثيرين من الرجال في علاقاته مع الجنس الآخر. ولا شك في أن بحوثاً عدة وأقلاماً صحافية عدة حاولت تسليط الضوء على تغييب دور ميلفا ماريك زوجة أينشتاين، إحدى أهم عالمات الفيزياء، التي لعبت دوراً أساسياً في نجاح زوجها وانتشار اكتشافه نظرية النسبية.

إمراة “الظل”

البرت برفقة ميلفا بعد مرور أعوام على زواجهما.( الانترنيت).

في الإعلام المكتوب، خصت الصحافية ربيكا بانوفيك في جريدة “الانتدبندت” البريطانية (الاربعاء 13 حزيران 2018) مقالاً طرحت فيه مدى الغبن، الذي لحق ميلفا ماريك، وضرورة ان يُنسب لها جزء – لا يستهان به ــ من عبقرية آينشتاين وانتشار نظرية النسبية في العالم كله.

كشفت بانوفيك أن ماريك لم تكن شريكة آينشتاين في الحياة الزوجية، بل تمكنت بجدارة أن تتعاون معه في اكتشافاته العلمية، وواكبت شغفه الكبير في علم الرياضيات. واستندت ايضاً على مضمون كتاب عن الرسائل الغرامية بين الثنائي ألبرت آينشتاين وميلفا ماريك، والذي كشف الرابط القوي بينهما، واعتماد آينشتاين على دور زوجته في تجسيد اختراعه.

صورة لميلفا ميريك في صباها.( الانترنيت).

لا شك في ان لجوء آينشتاين الى كتابة الرسائل لزوجته ميلفا ولحبيباته، شكلت بحد ذاتها، مادة دسمة كشفت من خلالها خفايا حياته العاطفية، وهي باتت سوء طالعه في بعض الأحيان، لأن بعض العظماء كانوا يتواصلون مع عشيقاتهم عبر الهاتف، ما قلّل من فرص معرفة تفاصيل علاقاتهم الحميمة مع الجنس الآخر.

قبل عرض أهمية ميلفا في حياة آينشتاين، لا بد من الوقوف عند دور هيلين دوكاس، سكرتيرته الخاصة وكاتمة أسراره، حيث عمدت الى كشف هذه الرسائل لأنها كانت متيّمة به، ودفعتها غيرتها العمياء الى تمرير مضمون هذه الرسائل إلى العلن، علها تنتقم من كل امرأة أحبها رب عملها. وكانت السبب المباشر لابتعاده عنها. وتحولت الشكوك في هذه العلاقة بينه وبين دوكاس الى يقين، عندما بادر هانس ألبرت، ابنه البكر، الى اتهامها مباشرة بأنها متيّمة بوالده، وهي محاولة اعتمدها للدفاع عن والدته ميلفا ماريك، التي غرقت في حالة من الضيق والضغط المفرط نفسيًا، جراء تعدد عشيقات زوجها.

إيلين دوكاس ( على الشمال) مع آنشتاين.( الانترنيت)

من هي ميلفا ماريك؟  

في كتابة السيرة الذاتية لميلفا ماريك لزفتلانا آلتر، تختصر الكاتبة ميلفا بأنها نابغة وعالمة فيزياء من أصول صربية. فتاة سمراء وقليلة الجمال تمكنت بطموحها أن تلتحق وبجدارة في جامعة “زوريخ للعلوم التطبيقية”، وشاء القدر أن تكون من المنتسبين الى دورة إعداد معلمين لتعليم الفيزياء والرياضيات في المدارس الثانوية. كانت ميلفا المرأة الوحيدة في مجموعة من ستة طلاب، وكان واحد منهم ألبرت، الشاب الجامعي الذي يكبرها بنحو أربع سنوات، ورفيقها في الصف نفسه.

البرت و ميلفا.( الانترنيت)

وأكمل المصدر نفسه بأن ميلفا وقعت في غرام ألبرت وبادلها الحب نفسه. تروي التفاصيل أنها عرفت معه حبها الأول، فيما كان يخوض تجربته الثانية، لأن ألبرت كان يعاشر ماري ويتلير، فتاة جميلة جداً اثارت انتباهه في فترة تحضيره امتحانات الدخول الى الجامعة. في إحدى رسائله، روى ألبرت لقاءه بماري، والذي جرى في آرو عاصمة كانتون أرجاو في ميتلاند السويسرية، مشيراً الى أنه ” تعرف إليها بعد انتقال عائلتها للعيش في أرو”. ولم يتوقف عن مراسلتها بعد عودته الى زوريخ حيث عبّر عن حبه الكبير لها، وامتنانه الكبير لاهتمامها بغسل ثيابه وتنظيفها وكيّها بشكل دائم خلال إقامته في أرو”.

عائلته… منسية  

ميلفا وولديها هانس البرت ( على اليمين) وإدوارد ( على الشمال). ( الانترنيت).

في أرشيف جريدة الاكسبرس الفرنسية، مقالات عدة عن حب آينشتاين للنساء. وفي التفاصيل أن مراسلاته لماري لم تمنعه من متابعة علاقته الغرامية مع ميلفا، والتي اكتشفت حملها المفاجئ. وهو خبر تلقاه ألبرت في العام 1901 بفرح كبير لأنه عاش على أمل كبير في أن يرزق بذكر. لكن العلاقة غير الشرعية بين الثنائي فرضت عليها السفر الى صربيا حيث أنجبت فتاة في العام 1902. أطلقت ميلفا اسم “ليسيرل” على مولودتها، ولكن ألبرت لم يكتب عنها في أي من رسائله. وأحاط الغموض مصير الصغيرة، والتي ذكرتها أمها بخجل في ذكرياتها المنشورة حديثاً من دون التطرق الى مصيرها. ولكن بعض المعلومات رجحت وفاتها في أواخر صيف عام 1903 بالحمى القرمزية، أو أُعطيت للتبني.

كان لولادة “ليسيريل” أثر سلبي على الثنائي ألبرت وميلفا، اللذين تزوجا في كانون الأول 1903 في مدينة برن السويسرية. رزق الزوجان بابنهما البكر في أيار 1904، في حين واكبا معاً ولادة علمية لنظام النسبية في العام 1905. كيف ساهمت في نجاحه؟ أجبر الزواج ميلفا على التوقف عند دراسة الطب، وإنكبّت على مساعدة زوجها في بحوثه. وقد نشر آينشتاين في المجلة العلمية للفيزياء عام 1905 بعض التفاصيل عن مساهمتها، مشيراً الى أنها كانت تلازمه يومياً في مختبره حتى ساعات الفجر، إضافة الى ان البعض ألمح إلى أنها قد تكون ساعدته مادياً في بحوثه”.

مكتبه بقي كما تركه بعد موته.( الانترنيت).

في العام 1910، ولد إبنهما الثاني إدوارد، واستمرت علاقة الزوجين الى العام 1919. نقلت الباحثة كلارا موسكوتيز في أحد مقالاتها المنشورة في مجلة العلوم الأميركية (2 حزيران 2014) بعض السطور من رسالة وجهتها ميلفا الى إحدى صديقاتها شكت فيها من إدمان ألبرت على العمل متناسياً عائلته بعض الشىء”. ولم يتردد ألبرت، وفقاً للمصدر نفسه، في فرض نظام قاس جداً لمتابعة حياته، فارضاً عليها الاهتمام به فضلاً عن عدم التطفل عليه بأي سؤال عن حياته الخاصة مع نساء أخريات. لم تكن ميلفا على مستوى شروطه، فقدم لها بعض المال من المبلغ المرصود لجائزة نوبل، التي منحت له في العام 1921.

جواز سفره.

 أما في العام 1912، فقد صادف آينشتاين في رحلته الى برلين إلسا، إبنة عمه، الشقراء الجميلة التي تشارك معها اللعب في صغره . وطورت هذه الاستراحة العلاقة بينهما، وساهم بشكل أو بآخر في عودة الحوار بينه وبين أفراد من عائلته. حاولت إلسا، التي كانت تفتقر الى الثقافة، أن تستميله عبر إرسالها بعض الأطعمة اللذيذة المفضلة لديه عبر البريد، إضافة الى اهتمامها الأنثوي برجلها”.

رغم رفض ميليفا انتقاله إلى العمل في برلين، توجه آينشتاين إلى هناك، ورافقته زوجته وولداه للاستقرار فيها في نيسان 1914. ضاق ذرع ميليفا في الصيف التالي، فقررت مغادرة برلين مع ولديها لتستقر بعيدة عن زوجها في سويسرا. عانت شحاً كبيراً في المال. ونسي آينشتاين وجود زوجته وولديه، ما اضطر ميليفا إلى العمل، ودفع هانس ألبرت الى إنكار وجود والده، فيما غرق إدوارد في اكتئاب حاد. حصل الزوجان على الطلاق في شباط 1919، ليتزوج آينشتاين من إبنة عمه إلسا في حزيران، أي بعد اشهر قليلة.

مجموعة رسائل لآينشتاين كتبها لحبيباته ومنهم زوجته ميلفا ماريك.( الانترنيت).

غيرة إلسا والأب المهمل     

آينشتاين وزوجته الاثنية إلسا.( الانترنيت).

في العام 1919، أثبت كسوف نظرية النسبية، وذاع إسم البرت آينشتاين في ربوع العالم كلها. اضطر أن يلبي دعوات عدة، وكان محبوه يلاحقونه في لقاءاته، وسجلت حوادث طريقة منها إغماء إبنة لورد إنكليزي عند رؤيته أو ملاحقته من مكان الى آخر بهدف سرقة شعرة من رأسه. في حياته الخاصة، عاش آينشتاين مع السا وابنتيها إيلس ومارغو من زواجها الأول. ساهمت الشهرة في توفير مبلغ مهم لبناء بيت ريفي خاص به، كان يقصده واصدقاؤه للراحة. و عمل جاهداً على شراء باخرة صغيرة يبحر بها مع المعجبات في النهر القريب من بيته ، ما أثار غيرة إلسا من دعوات فراد ميندل، أرملة ثرية جداً، لحضور استعراض. كما أبدت امتعاضها من فتاة نمسوية جميلة لازمته بدءاً من العام 1931.

أجبر ألبرت وإلسا على مغادرة برلين في كانون الأول 1932 ليستقرا معاً في الولايات المتحدة. وكان تولّي النازيين الحكم في ألمانيا السبب الأساسي لبقائه في أميركا، مع العلم أنه تابع مع زوجته الأولى ميلفا تربية ولديه عبر رسائل مشتركة. لم ينجح في إقناع هانس البرت بمتابعة دراسته وعارض زواجه من فتاة تدعى فريدا. أما ادوارد فحاول في العام 1929 الالتحاق بكلية الطب رغم معارضة والده. لكنه فشل كلياً في دراسته وغرق في اكتئاب حاد، وبات عنيفاً جداً ، وهذا ما دفع الأطباء الى تشخيص حال من الفصام لديه.

حب روسي من نوع آخر! 

ألبت آينشتاين و حبيبته الروسية مارغريتا كوننكوف.( الانترنيت).

بقي إدوارد اسير المرض في مستشفى للأمراض العقلية في زوريخ، التي تحمّل أعباءه والده وواكبته ميليفا بألم كبير حتى توفيت وحيدة في إحدى غرف المستشفى في العام 1948. بين عامي 1945 و 1946، دفعه شغفه الكبير أن يرتمي في أحضان جاسوسة روسية. وقد كشفت تفاصيل هذه العلاقة شركة سوزيبيه للمزاد العلني عنما طرحت بيع تسع رسائل حب بين آينشتاين ومارغريتا كوننكوف، المرأة الغامضة المتزوجة من النحات الروسي يرغي كوننكوف. كانت مهمتها معرفة ما يدور في رأس النابغة البرت آينشتاين، ونقل تفاصيل هذه المعلومات إلى الاتحاد السوفياتي. بعد ذلك، غاب ألبرت آينشتاين عن مساندة زوجته إلسا، التي اضطرّت الى الحضور على عجل الى فرنسا لمتابعة وضع إبنتها إيلس، التي توفيت بداء السل. في هذا الوقت، عاش ألبرت مع شقيقته الكبرى ماجا وإبنة إلسا مارغو متناسياً أفراد عائلته. لكن سكرتيرته هيلين دوكا بقيت  الشخص الأقرب اليه، وتابعت يومياته بإخلاص حتى وفاته في العام 1955.

rosette.fadel@annahar.com.lb

اضف رد