أرشيف النهار
02112017
ليس في تاريخ المملكة العربية السعودية محطات لبطاركة مسيحيين، باستثناء زيارة يتيمة قام بها بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس الياس الرابع (معوض) عام 1975 لتهنئة الملك خالد وولي عهده الامير فهد. وفي أوقات لاحقة، زار عدد من المطارنة المملكة في إطار تقديم واجب التعازي والتهانئ، وكان آخرها للتعزية بالملك عبدالله بن عبد العزيز وتهنئة الملك سلمان، وذلك من ضمن وفد رسمي ضم رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس والحكومة، الى سياسيين واعلاميين ورجال دين ورجال اعمال. وضم الوفد مطارنة بيروت من مختلف الطوائف، او من يمثلهم. وإذ وجد الوزير المفوض وليد بخاري امس الدعوة الى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي وعد بتلبيتها بعد اسبوعين او ثلاثة لارتباطه باجتماع في الفاتيكان الاسبوع المقبل، فلأن الزيارة ستكون الاولى لبطريرك ماروني للمملكة. وتكمن اهميتها في كونها تخرج من اطار الواجبات الرسمية، بل تشكل بداية حوار بين الديانات والثقافات، وانفتاحا على المسيحية التي يدين بها مئات الآلاف من الوافدين الى العمل في السعودية.
“النهار” استعادت من أرشيفها تغطية لزيارة الوفد البطريركي في 8 أيار 1975، وكتبه الزميل (في النهار آنذاك) رياض نجيب الريس:
للمرة الأولى في التاريخ يقوم بطريرك بزيارة الجزيرة العربية. وللمرة الأولى منذ الاسلام يصل أحد أكبر المسيحيين العرب الى المملكة العربية السعودية حاملاً صليبه. أما البطريرك فهو الياس الرابع بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس، وأما الصليب فهو قضية القدس. وقد مدت القدس، في كونها ملتقى الديانتين، جسراً بين المسيحية والاسلام في أرض الدعوة الاسلامية وعلى بعد أميال معدودة من مكة المكرمة.
وقد وصل الى جدة في العاشرة والربع من صباح أمس البطريرك الياس الرابع على رأس وفد يمثل الكنيسة الارثك خالد
وذكسية في لبنان وسوريا في زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية لتهنئة الملك خالد وولي عده الامير فهد، وقد ضم الوفد المطران اغناطيوس هزيم مطران اللاذقية، والمطران خضر مطران جبل لبنان والمطران غفرائيل الصليبي معاون متروبوليت بيروت والدكتور قسطنطين زريق والدكتور جورج طعمة والدكتور نجيب أبو حيدر وغسان تويني.
وكان في استقبال الوفد الارثوذكسي في مطار جدة ثلة من الحرس الجوي والأمير فواز بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة والفريق منصور الشعبي قائد منطقة جدة العسكرية والعميد علي مشغوف مدير شرطة جدة والسيد سالم سنبل رئيس المراسم في وزارة الخارجية والسيد محمد ناظر مندوبا عن المراسم الملكية والسيد رشيد فاخوري سفير لبنان في السعودية وأركان السفارة والجالية اللبنانية.
“حدث عظيم”
وانتقل الوفد الى قاعة الشرف في المطار حيث قال الامير فواز للبطريرك “ان قدوم غبطتكم الى أرضنا لهو حدث عظيم جداً في تاريخ هذا البلد وفي تاريخ علاقاتنا الروحية”. وأضاف: “في هذه المرحلة التاريخية حيث ينسلخ العالم عن الايمان، أصبح من مسؤولياتنا المشتركة أن نسعى الى ترسيخ الايمان بالله في كل أقطار الارض”. ورد البطريرك الياس الرابع على الامير فواز بقوله: “يبقى العالم فارغاً ما دام الله لا يملأ قلب الانسان. فالعلم والخبرات لا تعني شيئاً اذا لم يكن وراءهما قلب انساني مؤمن حساس”.
وسأل الامير فواز البطريرك: كيف حال فخامة الرئيس؟ فأجابه البطريرك: انني انقل لكم تحيات سيادة الرئيس حافظ الاسد كما انقل لكم تحيات فخامة الرئيس سليمان فرنجيه. وعندما جرى الحديث في الاوضاع العامة عقب الامير فواز بقوله “ان كل صادق لعروبته يتمنى الاستقرار للبنان، لانه كان دائماً منطلق الفكر والحرية، ونحن نشعر بأننا ولبنان بلد واحد”.
وانتقل الوفد لاستراحة قصيرة في فندق قصر الكندرة، ومن ثم الى لقاء الملك خالد والامير فهد النائب الاول والامير عبدالله النائب الثاني ورئيس الحرس الوطني في قصر الحمرا، الذي استمر ساعة كاملة وبعدما تم الترحيب والتعريف بالوفد، جلس الملك خالد الى جانب البطريرك، وقد أحاط به مستشارو الملك، الدكتور رشاد فرعون والسيد كمال ادهم والدكتور معروف الدواليبي.
القدس
وقال البطريرك: “إنني سعيد لوجودي في بلد مبني على محبة الله تعالى لان ايماني هو انه من دون الله ليس من شيء وان الله وحده هو الذي يوجه وهو الذي يوفق. لقد تعاضد العرب مسيحيوهم ومسلموهم في السراء والضراء وناضلوا يداً واحدة في سبيل الكرامة العربية. يطيب لي أن أشيد بذكرى الراحل العظيم المغفور له جلالة الملك فيصل الذي اجتمعت به في لاهور وكانت القدس محور اهتمامنا. وكان رحمه الله ينظر الى القدس نظرة الى قلب القضية الفلسطينية العربية. وكان المغفور له اول المحبذين لان يسهم وفد مسيحي في طرح قضية القدس كي تأخذ وجهها المتكامل من حيث انها قلعة للايمان ضد الكفر والالحاد”.
واضاف البطريرك: “نحن كمسيحيين عرب نعتبر ان خسارة القدس هي خسارة لكل القضية العربية. ونحن مؤمنون ان اجتماعنا اليوم يؤكد وحدانية هدفنا، فمن جهة جلالتكم القدس عزيزة على قلبكم كما كانت عزيزة على قلب المغفور له جلالة الملك فيصل الذي نصب شعار الامل في قلب الامة العربية حين قال اننا نرجو ان نحج معاً الى القدس الشريف حيث العرب المسيحيون والمسلمون يلتقون معاً في عملية صلاة وابتهال”.
واكد البطريرك: “ولا حاجة للتذكير بأن القدس ليست القيامة فقط ولكنها مكان الاسراء والمعراج ولذلك فهي صلة وصل عميقة بين اصحاب الايمان بالله الواحد الاحد. ان كل من هم سوانا ضيوف علينا في تلك المدينة المقدسة ليس الا اننا نضع يداً بيد للعمل ما استطعنا في سبيل ابقاء القدس مدينة عربية قبلة لجميع المؤمنين بالله وباباً وحياً منفتحاً على العالم بأسره”.
ورد الملك خالد على البطريرك مشيداً بعروبته وايمانه قائلاً اننا “نحن عرب قبل ان نكون مسلمين” مستشهداً باقوال ومواقف للملك فيصل، كما اعاد تأكيد
سياسة المملكة بالنسبة الى القدس والدور الذي يمكن ان يلعبه الحوار الاسلامي – المسيحي في تحقيق عروبة هذا البلد المقدس.