اخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار المصارف / المصارف المراسلة شريان حياة القطاع المصرفي… و”الامتثال” خطّها الأحمر

المصارف المراسلة شريان حياة القطاع المصرفي… و”الامتثال” خطّها الأحمر

 

خصص وفد جمعية مصارف لبنان جزءاً كبيراً من زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة للقاء كبار المسؤولين في البنوك المراسلة للبنوك اللبنانية، ضمن مساعي الجمعية إلى تأكيد أهمية هذه العلاقات وضرورة تطويرها أكثر بالنسبة للقطاع المصرفي اللبناني الممتثل لكل التشريعات والقوانين المصرفية والمالية الدولية.

وسمع الوفد المصرفي إشادات بأداء القطاع وخاصة من قبل إدارات المصارف المراسلة لجهة الالتزام الكامل والدقيق بأصول العمل المصرفي السليم وبآليات الامتثال وتطبيق القواعد والعقوبات المتعلّقة بمكافحة تبييض الأموال والإرهاب والتهرّب الضريبي.

تقوم العلاقة بين المصارف على الثقة، وأكثر تحديداً، في ما خصّ علاقة المصارف المحليّة بالمصارف الدولية المراسلة، حيث تفترض هذه الأخيرة قيام “شراكة” امتثال في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب خصوصاً في ميدان التحويلات المجراة في ما بينها بحسب رئيس مؤسسة جوستيسيا الدكتور بول مرقص، لكن العلاقة بين المصارف المراسلة والمصارف المحلية تشوبها أيضاً هواجس متبادلة راهناً: فبينما تخشى المصارف الدولية المراسلة قيام عملاء المصارف المحلية بعمليات تبييض الأموال، تخشى هذه الأخيرة قطع المصارف المراسلة علاقتها معها سواءٌ لأسباب تتعلّق بمخاطر الامتثال المرتفعة في البلاد حيث المصارف المحلية، أو بسبب مخاطر التعامل مع المصرف المحليّ بعينه.

وتتحسّب المصارف المراسلة للأمور، ومنها مخاطر البلد التي تأخذها هذه المصارف في الاعتبار لاتخاذ قرار مغادرة السوق المحلي أو البقاء فيه، ومنها المخاطر السيادية للدولة ومخاطر تصنيف العملاء والأسواق المصرفية التي تتعامل معها المصارف المحلية. وأيضاً تعمل المصارف المراسلة، بحسب مرقص، على تحديد درجة النظام الرقابي وفاعليته الذي يخضع له المصرف، بما في ذلك الاطلاع على مضمون التقارير التي يصدرها البنك الدولي، صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية مثل FATF-GAFI حول مدى التزام الدول وقوانينها بالمعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. كذلك تسعى لمراقبة ما إذا كانت مخاطر التجارة الدولية تفوق مخاطر المدفوعات، لذلك تتشدّد المصارف المراسلة في ميدان التحويلات التجارية trade transactions أكثر في ميدان المدفوعات payments؛ فمبيّضو الأموال غالباً ما يتوخّون إمرار عملياتهم في الأولى أكثر من الثانية، وذلك عن طريق وثائق شحن بضاعة وهمية وفواتير مزوّرة falsifiedinvoices ومُبالغ بها. كذلك تنظر المصارف، وبمعزل عن قيمة المبالغ، التي يمكن أن تكون أقل من 10 أو 15 ألف دولار، في مدى “الملاءمة”، أي تناسب التحويل المالي إلى بلد معيّن مع التجارة التي يتقنها أهل البلد. كذلك، تشدّد المصارف المراسلة في علاقتها بالمصارف المحلية، على الوجهة الأخيرة للعملية لمعرفة ما إذا كانت إلى بلد تحت العقوبات، كما تشدد على أن لا يكون مصدر الحوالة أو غايتها بلداً تحت العقوبات كالسودان مثلاً. وبحسب مرقص، تعتمد المصارف المراسلة على معرفة المصارف المحلية لعملائها حقّ المعرفة استناداً إلى بطاقة مفصّلة لاستمارة “إعرف عميلك”، ومطابقتها مع مقتضيات التحويلات المصرفية وبيان العلاقة بين الآمر بالتحويل والمستفيد، وتحديثها دورياً، أي كلما لزم الأمر وعلى الأقل سنوياً للعملاء عالي المخاطر/ سنتان للعملاء متوسّطي المخاطر/ و3 سنوات للعملاء مخفوضي المخاطر. وتمنح بعض المصارف عملاءها خدمات مصرفية خاصة تتيح لهم إجراء معاملاتهم الخاصة مباشرة، بما في ذلك إرسال التحويلات البرقية، إيداع وسحب الودائع، من خلال حساب المصرف المحلي لدى المصرف المراسل. وبذلك يصبح لدى عملاء المصرف المحلي القدرة على التحكّم مباشرةً بالأموال المودعة لدى المصرف المراسل. في هذه الحالات، قد تمتنع المصارف المراسلة عن القيام بأي تحاويل مرتبطة بالمصارف التي تمنح عملاءها هذا النوع من الخدمات.

دول تحت العقوبات

بحسب ما تعتمده المصارف المراسلة الدول التي ما زالت تحت العقوبات هي ميانمار – بورما (باستثناء العمليات المجازة من الحكومة)، كوبا، إيران، كوريا الشمالية، السودان (لا جنوب السودان، كما يلتبس على البعض) بالإضافة إلى سوريا. أما بلاد أخرى، مثل لادفيا، فالتحاويل منها وإليها غالباً ما ترجعها المصارف المراسلة. أما سياسة المصارف المراسلة فلا تزال نفسها بالنسبة لكوبا وإيران: وذلك ما لم ترفع العقوبات الأساسية وأتت التسوية جزئية. فبعد رفع العقوبات الدولية رسمياً عن إيران (باستثناء ما يتّصل بدعم “الإرهاب” و”انتهاك” حقوق الإنسان) وبعد أن كان الإيرانيون قد أعربوا عن حاجاتهم إلى الخبرات المحلية، أصبح بإمكان المصارف المحلية اليوم الاستفادة من الأسواق الناشئة والخبرات الإيرانية في مجال الطاقة والزراعة واستخدام التكنولوجيا. وقد عانت المصارف الإيرانية الحصار سنين طويلة، وهي تالياً بحاجة إلى خبرات المصارف المحلية. فهل بوسع هذه الأخيرة التعاون من منظور الامتثال القانوني؟

لا عوائق قانونية أمام المصارف المحلية ولا حاجة لتشريعات جديدة بحسب مرقص، وإنما لدراسة جادّة للمصارف المحلية لإمكانات التمويل والتحويلات المصرفية دون إقلاق المصارف الأميركية والغربية المراسلة لهذه المصارف. ذلك أن تعليمات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية لا زالت تنصّ على استمرار المؤسسات المالية الأجنبية في عدم التعامل بعمليات متعلّقة بإيران بالدولار عبر المؤسسات الأميركية، على اعتبار أن الأشخاص الأميركيين لا يزالون ممنوعين من تصدير السلع والخدمات أو التكنولوجيا إلى إيران مباشرةً أو غير مباشرة، بما فيها الخدمات المالية بالدولار الأميركي أو حتى بسواه من العملات، باستثناء العمليات المعفاة أو المرخّصة.

كذلك تمسك المصارف المراسلة، نتيجة تجميع معلومات من مصادر مختلفة، بلوائح خاصة بعشرات آلاف الأسماء من المتعثّرين والمعلن إفلاسهم وذوي المخاطر العالية.

وتعزّز هذه اللوائح تبادل المعلومات بين المصارف المراسلة، إلا أن المصارف المراسلة تمتنع عن توزيع اللوائح الداخلية التي تعتمدها إلى المصارف المحلية، لخشيتها من تسرّبها لعملاء هذه المصارف الأخيرة الذين يمكن أن يكونوا مدرجين عليها، لتفادي أي مراجعة قانونية بوجهها من قبل العملاء المذكورين.

لا تُحسد المصارف المراسلة على وضعها. فهي تخشى العقوبات الدولية وخصوصاً الأميركية، شأنها شأن المصارف المحلية. لا يعفيها من ذلك قيامها راهناً بمحاولة توحيد نماذج الأسئلة التي تتوجّه بها إلى المصارف المحلية بموجب نموذج يصدر عن مجموعة وولسبرغ. حتى إن بعض هذه المصارف الدولية المراسلة من التي تعرّضت لعقوبات سابقة، يمكث المحقّقون في مكاتبها للتحقّق من حسن أدائها العمل! أما في بيروت، التي تعتبرها المصارف المراسلة عالية المخاطر، فالمصارف اللبنانية تمتثل بالكامل وربّما هي الأكثر امتثالاً في الشرق الأوسط… بشهادة المصارف المراسلة نفسها! لكن المصارف المراسلة تعتبر بيروت أيضاً سوقاً طموحاً على غِرار الأسواق البريطانية وسان فرانسيسكو وغيرها… وتالياً تتطلب إدارة مخاطره جهداً خاصاً.

اضف رد