مجد بو ماجد
النهار
01052018
شعارات إنتخابية.
لا شك في أن حملة سنة 2009 الإعلانية الإنتخابية أقوى وأكثر فعالية من حملة انتخابات 2018 لاعتبارات عديدة. انتهى زمن الانقسام السياسي بين 8 و14 آذار وانحسرت المواقف السياسية الحادة بين الطرفين والتي كانت تسمح للجمهور بأن يتفاعل. واقتصر الانقسام اليوم على موضوع السياسة الخارجية وموقف لبنان من التطورات الإقليمية على الصعيد العسكري والأمني والسياسي.
وقد نشأت تحالفات انتخابية جديدة نسبة إلى مشهد 2009 الانتخابي، ما انعكس تهدئةً في الخطاب الانتخابي وتالياً الحملة الإعلانية منها والإعلامية. ذلك أنه لا يمكن تبني الموقف ونقيضه في ظلّ التحالفات المتشابكة التي جمعت أخصام الأمس. ولا يعتبر ذلك استثناءً، اذ يعتمد القانون النسبي في العادة للتخفيف من حدة الخطاب السياسي والاحتكام الى خطابٍ وطني (مسيطر اليوم)، ما يساهم تلقائياً في تراجع حدّة الخطابات الرنانة. فماذا في التفاصيل؟
الشعارات
لا يتأثر اللبناني بالشعارات. عبارة تختصر من خلالها الخبيرة في التواصل السياسي الدكتورة ميرنا أبو زيد لـ”النهار” الطريق أمام جدواها. وتقتصر الشعارات المصنفة في خانة الخارقة والمتجددة، في رأيها، على “الخرزة الزرقاء”، شعارٌ اعتمده “تيار المستقبل” في حملته الانتخابية، وحملة “نبض التغيير” التي اعتمدها حزب الكتائب. واذا كان شعار “الخرزة الزرقاء” خارقاً، الا أنه “ليس عملياً بكونه قائماً على خرافة لا يمكن طرح مشروع سياسي من منطلقها. ولا شك في أن من بلور فكرة الشعار مبتكرٌ وخلّاق لكنه لم يكن موفقاً من الناحية السياسية”. وبعبارة أخرى، تقول: “يعبّر الشعار عن توجه سياسي أساسي. إنه شعار جديد، ولكن لا يمكن اعتبار أي جديد ناجحاً”.
وقد جدّدت حملة حزب الكتائب الانتخابية في الهوية السياسية للحزب، إذ إن الحملة ليست وحدها المتجددة، بل تم تجديد الحزب أيضاً. ويلحظ جلياً غياب الشعار الأساسي للكتائب في الحملة وتغيير الألوان والشعارات لتمثل نبض الشباب والحياة. ورغم أن الشعار حمل تجديداً ولكنه ليس بالشعار الفعال. مع العلم أن الحملة تبقى أفضل من الحملات الأخرى”.
وتعتبر حملة “القوات” تقليدية بمعنى طرح شعار التغيير، ودائماً من وجهة نظر أبو زيد، مشيرة ًالى أن “الشعار ناجح من ناحية التناقضات التي يطرحها، لكنه ليس جديدا. ويطرح كلّ لاعب في السياسة موضوع التغيير تحت شعار “أنا أفضل ممن سبقني الذي لم يكن جيداً”. وبعبارة أخرى، صحيح أن شعار “القوات” ليس بجديد ولكن له معناه.
وفي المقابل، تضع أبو زيد شعار “التيار الوطني الحرّ” في “خانة التقليدي في ظلّ اختيار عبارة لبنان القوي المستخدمة على نطاق واسع سابقا”.
أما اعتماد “حزب الله” شعار الوفاء في حملته الانتخابية، فيدل سياسياً على الالتزام. ذلك أنه يعمل في أي خطابٍ، تجارياً كان أم سياسياً على عامل العاطفة. ويعتبر الوفاء جزءاً من معيار العاطفة وهو قيمة حضارية. وكأننا نضع الناخب أمام تحدٍّ: اما التصويت لي أو خيانة الذات. لكن الشعار تقليدي وسبق أن استخدمه حزب الله في اكثر من مناسبة سابقة نظرا لارتباطه بالوفاء للشهداء وبالخطاب السياسي التقليدي”.
واذا كانت لوائح “كلنا وطني” قد احتكمت الى اللون التوركوازي، فإنه بمثابة خيار موفق. ويجذب اللون الأزرق الذي يجسد البحر أو الأفق الناخب ويمثل الانفتاح ويساعد في إضفاء نظرة ايجابية لكل من ينظر اليه. ويعتبر شعار “كلنا وطني” تقليدياً لكن الطوبوغرافيا المستخدمة خيار موفّق أيضاً.
ولا شك في أن المجتمع المدني فعّل مبادرة جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر فتح مجال التبرعات. وهو عنصر جديد يدخل في العملية الانتخابية، وفق أبو زيد، ذلك أن المرشح في العادة هو من يدفع للناخب رشاوى انتخابية وليس الناخب من يساهم في تمويله. ويرجع ذلك الى الهيكلية غير المتينة لمرشحي المجتمع المدني في مصادر تمويلهم كما التيارات السياسية، ولذلك يلجأون الى حملات التبرع، العامل الجديد واللافت في الانتخابات.
وفي الخلاصة، يبقى إمكان التجديد والابتكار في الحملات الانتخابية صعبا، وفق منطق عملية الاقتراع القائمة على اساس استمرارية مفهوم ناجح او تغيير مفهوم فاشل في أي مكان في العالم. وليست الشعارات المحلية وحدها تقليدية، بل العالمية منها أيضاً، ومنها شعار رئيس الولايات المتحدة الأسبق باراك أوباما الذي استخدم شعار “نعم نستطيع” المعتمد مرات عديدة من قبل. ويعتبر هامش التغيير ضيقاً في الشعارات الانتخابية، لأن الفكرة السياسية التي يسوق لها هي نفسها.
مواقع التواصل
تدخل مواقع التواصل الاجتماعي في صلب المعركة الانتخابية، بعد أن فرضت نفسها كواقع لا يمكن صرف النظر عنه. وقد لجأ المرشحون في غالبيتهم الى إنشاء الصفحات الخاصة بهم. أي فعالية لمواقع التواصل في استقطاب الأصوات؟ ام أن المسألة تقتصر على حشد الإعجاب. وبعبارة أخرى، هل يترجم الإعجاب أصواتا في الصناديق؟
“أثبتت التجربة اللبنانية أن الشعب لا يستجيب لنداءات مواقع التواصل، بل يفضل رؤية المرشح والتحدث اليه مباشرة”، يجيب الخبير في مواقع التواصل فيليب أبو زيد، مشيراً الى أنه “يحبّذ المرشح نشر فيديو عبر مواقع التواصل، ولكن ذلك لا يساهم في حشد الأصوات. ويمكن لمواقع التواصل أن تخدم المرشح في تعريف الناس إليه ولكن تأثيرها لا يزيد عن 15%”.
وفي تقييم أداء مرشحي الأحزاب على مواقع التواصل، يقول: “إن الاحزاب في كليتها من دون استثناء فشلت في فتح حلقات حوار بناءة”.
ويبقى مرشحو المجتمع المدني الأكثر احتكاماً الى مواقع التواصل في حملاتهم الانتخابية. جاء ذلك نتيجة كلفتها الزهيدة مقارنة، وفق أبو زيد، إذ إنها أقل كلفة من التلفزيونات. ولم يكن أمام المرشحين من فرصة متاحة للتعريف عن أنفسهم سوى من خلال مواقع التواصل.
اختيار قوى المجتمع المدني مواقع التواصل الاجتماعي يعود إلى أنها أرخص من التلفزيونات وهي لا تملك التمويل الحزبي، ولم يكن أمامها حل سوى التعريف بنفسها من خلال مواقع التواصل. ويطرح أبو زيد مجموعة أسئلة، قبل أن يجيب عنها بنفسه: هل يصيبون الشريحة الصحيحة المخولة انتخابهم؟ وهل يسوقون حملتهم ضمن النطاق الجغرافي الصحيح؟ وما نسبة الأشخاص الذين يشاهدونهم عبر مواقع التواصل ويصوتون لهم. وعند وصولهم الى الشريحة المستهدفة، كيف يحاولون التفاعل معها؟ لا شك في أن التجربة ساهمت في ايصال صورة عن المرشح وأصابت شريحة شبابية، ولكن مواقع التواصل لا تساهم في حشد الأصوات الناخبة، الا إذا وجدت صيغة في تحويل الإعجابات الى أصوات في الصناديق. ولكن تبقى النيابة في لبنان مرتبطة بالخدمات وليس بالفيسبوك. ولو أن المسألة مرتبطة بانتخابات نقابية على سبيل المثال، لاضطلعت مواقع التواصل بدورٍ أكبر”.
المهرجانات الانتخابية
تبقى المهرجانات الانتخابية العامل الأكثر تأثيراً جماهيرياً، والذي يؤمن التواصل المباشر بين المرشح والجمهور. وقد برز “تيار المستقبل” الأكثر نشاطاً في هذا الإطار، وقد يرجع السبب في ذلك الى انتشار القاعدة الجماهيرية في غالبية الدوائر. وتنشط على خط الندوات والمهرجانات الانتخابية المستمرة حركة أمل بشكلٍ خاص في الجنوب، وينضم الى الأحزاب الأكثر نشاطا ًعلى هذا الصعيد “التيار الوطني الحرّ” وحزب الكتائب والحزب التقدمي الإشتراكي و”القوات اللبنانية”.
تسأل “النهار” خبيرتان في التواصل والإعلام حول أهمية اللقاءات الانتخابية في تحفيز الناخبين على الاقتراع وتعود بالأجوبة.
تقول الدكتورة هلا الزعيم الأستاذة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية في هذا الإطار، إن “المهرجانات الانتخابية عملية تجييش – أكثر منها خطاباً سياسياً – والغرض منها حشد الأصوات بأي شكل من الأشكال. ويفتقد البعض قي خطابه البرنامج الانتخابي. ويتركز الخطاب في أغلب الأوقات على شخصية المرشح ومحاولة فرض وجوده وفق منطق الاستعراض الكلامي”.
وكان لا بد للناخب، في رأيها، ان يتبع البرنامج الانتخابي، ولكن الحياة السياسية في لبنان أضحت مرتبطة بالرموز. ولا تفهم شريحة واسعة من الناخبين في لبنان ماهية العملية الانتخابية ولا تهتم بالبرنامج الانتخابي بقدر ما تهتم بشخص الزعيم. ويبقى تأثر المواطن اللبناني بالاعلام الخطابي بسبب التأثر بعامل الطائفية”.
ومن جهتها، تقول أبو زيد إن “المهرجانات الانتخابية طبيعية في التواصل السياسي. ويحتاج الناخبون الى تواصل مباشر مع المرشحين وهي عملية موسمية تحصل مرة كل أربع سنوات عند تجديد الثقة بالنائب. يأتي ذلك في ظل تراجع العمل الحزبي، والاستعاضة عن اللقاءات المباشرة مع القاعدة الجماهيرية بوسائل الإعلام الاجتماعية الأسهل للتواصل مع الجمهور، ما أدى الى تراجع التواصل السياسي بين الجمهور والزعيم. وتساهم المهرجانات الانتخابية في بثّ الحيوية والنشاط في نفوس المؤيدين..