10-05-2022 | 00:20 المصدر: “النهار


تعبيرية (أ ف ب).
إذا انتقلتْ إسرائيل من القومية الدينية إلى الوطنية التكنولوجية ماذا يفعل العرب بقوميتهم الحالية؟
***
بينما كنتُ أقرأ تقريرا لاقتصادي أميركي عن مدى حقيقة التقدم الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي ومدى صحة الأفكار الرائجة عن قدرة الصين على التنافس مع الولايات المتحدة الأميركية في هذا المجال، الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الابتكاري والتصدير المبني عليه وهو تقريرصادر عام 2020 لاقتصادي أميركي متخصّص في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هو ديتر إرنست، وقعتُ على تعبير أقرؤه للمرة الأولى هو : “الوطنية التكنولوجية”. هو في الحقيقة يقول “الوطنية التكنولوجية الخام”.
الدول والمجتمعات التي لا تملك أو لا تختزن خبرة وذخيرة تكنولوجية لا تستطيع أن تكون وطنية تكنولوجياً. ومع أن تعبير الوطنية الاقتصاديةالذي نشأ في الزمن اللاأيديولوجي الذي نتج عن نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي من حيث هو سقوط الأيديولوجيا الشيوعية الذي عنى في البداية سقوط كل أيديولوجيا توتاليتارية، مع أن هذا التعبير، الوطنية الاقتصادية، حمل معه انتقال السياسة إلى مرحلة أولويةالاقتصاد و”انتقال” الجيوسياسة إلى الجيواقتصاد، فقد بدا تطور العالم ولاسيما عبر الثورة التكنولوجية في حقبتها الديجيتالية أنه يتجه للانقسام بين دول منتجة للتكنولوجيا العالية ودول مستوردة وفي هذا نوع من تجديد الانقسام بين دول إمبريالية “تكنولوجياً” ودول مستوردة للتكنولوجيا العالية، مستوردة للذكاء الاصطناعي.
تنضم إسرائيل إلى النادي الأول من دون شك. لا نجزم عربيا حتى اليوم أيَ تجربة وأي بلد سيحقق هذا الانتقال رغم التقدم الذي أحدثته دبي في مجال إنتاج الثروة من الخدمات التكنولوجية وليس من النفط والمصادر الطبيعية وحدها. الرئيس باراك أوباما قال في مجال دفاعه عن ضرورة الاتفاق النووي مع إيران، ما معناه أن الخبرة النووية لا يمكن قصفها عسكريا لأنها صارت في عقول جيل من النخبة الإيرانية.
معضلة هذه الخبرة الإيرانية أنها محصورة جوهرياً في المجال العسكري فيما هي متخلفة في الاقتصاد التكنولوجي، وهذا تقدم -عسكري – لم يحمِ الاقتصاد السوفياتي من التخلف والأهم أنه لم يحْمِ الاتحاد السوفياتي من السقوط.
قصور الوطنية التكنولوجية في العالم العربي لا يعني عدم ضرورة الانتقال إلى الوطنية الاقتصادية. هذا الانتقال في منطقة هي أسيرةتصوراتها عن الماضي وتخلفها في الحاضر، سيعني التخلي عن النزوعات الأيديولوجية التي باتت مضيعة للوقت وهدرا للمستقبل. العائق الرئيسي أمام هذا التحول هو حالة الاضطهاد الذي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني على يد دولة إسرائيل. وليس أمام المنطقة في وهدتها الحالية والصعبة سوى الرهان على ضغط غربي وعالمي على إسرائيل للقبول بحل عادل لهذا الاضطهاد العنصري. كان يمكن القول أن المطلوب أيضا انتظار تطور رأي عام داخلي في إسرائيل يُحْدِث تحولا في موقف الدولة الإسرائيلية نحو هذا الحل اللاعنصري أو على اساس الدولتين. ولكن مع الأسف أجهض التطرف في المجتمع الإسرائيلي واليمين الإسرائيلي في التسعينات من القرن المنصرم أي رهان في هذا الاتجاه. ليس أمامنا، أو لم يبق أمامنا إلا الرهان على الضغط الغربي والدولي، ومن ضمنه النخب الغربية غير الحكومية الدياسبورا النخبوية العربية، ويكون مستنداً إلى حركة مقاومة مدنية عربية داخل إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة عادت بوادرها العام المنصرم-داخل إسرائيل – إلى الظهور.
التقدم الإسرائيلي في أحد تجلّياته السياسية يجعل من إسرائيل حاليا العضو الشرق أوسطي الوحيد في مجموعة T12 التي تضم “التكنوديموقراطيات” وهي مجموعة من 12 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تجمع بالإضافة إلى الدول الست من مجموعة ال G7 الصناعيةالكبرى( الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، اليابان، كندا، بريطانيا) خمس دول هي أوستراليا وكوريا الجنوبية وفنلندا والسويد والهند واسرائيل ( عضو واحد من G7 غير عضو في T12 هو إيطاليا! ).
تطرح إسرائيل التحدّي الداخلي على العالم العربي بينما تطرح الصين أحد التحديات الخارجية الكبرى. لكن كل تحدٍّ له طبيعة مختلفة عن الآخر. فبينما السؤال العربي ماذا نفعل بالعلاقة مع إسرائيل إلى حين حل عادل للقضية الفلسطينية، وقد اختار جزء متزايد من العرب إنهاءحالة العداء معها قبل إنجاز التسوية حول الفلسطينيين بسبب ضغط التأزمات الإقليمية الأخرى وعلى رأسها التوسع الإيراني، بينما السؤال العربي حول الصين يتعلق بمصير الصداقة لا العداء. وجوهر السؤال، لاسيما في الخليج، كيف نبني علاقاتنا مع الصين وهل نحن قادرون على موازنة هذه العلاقة مع علاقتنا بحليفنا الاستراتيجي وهو الولايات المتحدة الأميركية التي تربطها بالبنية السياسية المعاصرة لمنطقة شبه الجزيرة العربية علاقة تأسيسية ربما أقوى من تحالفية؟
لكن ما يشغل الخليج والعالم العربي هو نفسه ما يُشغل العالمَ برمته:
هل التقدم الصيني مستدام وهل تستطيع الصين تجاوز التقدم الأميركي عليها وهل ستتحول إلى قوة عسكرية عالمية، وكلها في النتيجةأسئلة مترابطة حين يطرحها صنّاع القرار في الدول التي عليها أن تتخذ قرارات استراتيجية في مجال التحالفات وهو أمر مختلف عن مسؤولية (أو لا مسؤولية) الخبراء والمثقفين في طرح هذه الأسئلة نفسها لأن الأخيرين ولو كانت مسؤوليتهم فكرية وعلمية إلا أنها غير ملزَمةولا ملزِمة بأخذ القرار الذي يتعلق بمستقبل بلد ومجتمع.
ما هو أصعب من أخذ القرار الخليجي حول طبيعة العلاقة مع الصين هو في تقديري تحديد ما إذا كانت مكانتهم الاستراتيجية في واشنطن قد تعرضت لتغيير ما وأسباب ذلك؟ والجواب ليس سهلا على الإطلاق من ناحية تحديد مضمون وماهية المنحى التخفّفي الذي تريده الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.
أما في ما يتعلّق بالعالم العربي ككل فإن منطقة كمنطقتنا متخمة بالسلطوية ماذا لو تحوّلت إلى سلطوية ديجيتالية؟ وتعبير “السلطويةالديجيتالية” استخدمه جوناثان إي. هيلمان في كتابه عن الصين: “طريق الحرير الديجيتالي” وسنعود إلى هذا الكتاب لاحقاً لنعالج في الحلقة المقبلة هل التقدم الصيني حقيقة أم مبالغة وأين هي الحقائق والأوهام حوله من وجهة نظر خبراء غربيين مرموقين ولاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي..
j.elzein@hotmail.com
Twitter: @ j_elzein