اخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / المرأة والفكر الذكوري في المغرب

المرأة والفكر الذكوري في المغرب

 

أمينة شرادي
Feb 27, 2018

منذ الاستقلال والمرأة المغربية تقاوم كل أشكال التمييز والتهميش الممنهج أحيانا واللاإرادي أحيانا أخرى نتيجة موروث ثقافي. شاركت قبل الاستقلال في المقاومة ضد الاستعمار بشكل تلقائي ودون أي تمييز نوعي يجبرها على البقاء في البيت بحجة الضعف وعدم القدرة. لأن هذا التمييز الجنسي هو عبارة عن لعبة ثقافية منذ الصغر تلعب بين الذكر والأنثى نتيجة تربية تمييزية تعيد إنتاج تقاليد وعادات متجذرة في الأسرة العربية، فكانت الانتفاضة الفكرية والاجتماعية والثقافية في ظل سياق عام خلال مرحلة الستينات وما بعد. خروج المرأة للشارع والعمل وتحقيق تواجدها الشرعي في ظل سيرورة اجتماعية واقتصادية وثقافية. فكانت الجمعيات النسائية التي ظهرت كمساند لنهضة المرأة في كل المجالات.
وبدأ التمرد على تلك اللعبة المترسخة في النفوس والعقول بشكل جد قوي، فاقتحمت المرأة مجالات نضالية كانت حكرا على الرجال الحاملين للتوجه الذكوري. طبيعيا أن تجد مقاومة ممن كان يحتكر الكلمة والصورة، فقاومت من جديد وبشكل آخر فهناك من استشهدت وعذبت في سبيل التغيير والعيش الكريم للفرد دون تمييز مثل سعيدة المنبهي. لكن الحصار الفكري والمجتمعي جبار وقاس جدا لدرجة أن على المرأة المناضلة المتشبعة بشكل حقيقي بالمساواة الفعلية والحقوقية تخطيها لدرجة التضحية بنفسها أو بحياتها العائلية والشخصية.
العمل السياسي أو النقابي هو عالم ذكوري بامتياز رغم الظاهر منه ورغم كل الشعارات التي يحملها الرجال داخل هذه التجمعات. وتواجد نساء مغربيات في أعلى مراكز قيادية قليل جدا ولا يترجم الخطابات الحزبية أو النقابية التي تنادي بالمساواة والمناصفة. هناك محاولات تمييزية أو ما يسمى بالتمييز الإيجابي من أجل أن تقتحم المرأة أكثر وأكثر العمل السياسي والنقابي. لكن ما يعوق هذه الفكرة هو تغلغل الفكر الذكوري داخل هذه الأحزاب والنقابات ويرفض بشكل غير مباشر منافسة المرأة له.
هذا الفكر الذي لا تهمه الكفاءة الذكورية بقدر ما يطالب بقوة بالكفاءة في صفوف النساء. مثال بسيط، من أجل أن تشارك المرأة وتحضر وتتسلق أدراج المسؤولية، لابد من مراعاة خصوصية اجتماعية وثقافية لا يمكن أن نتخلص منها بشكل سهل وسريع، وهو أوقات الاجتماعات أو أماكنها!
فرض أسلوب في التعامل مع المرأة يضطرها أحيانا إلى التخلي رغما عنها وعن طموحها وكفاءتها العلمية والمهنية. لا بد من التخلص من الأنانية الذكورية التي تجعل الأجهزة النقابية والحزبية تعرقل سير المرأة إلى الأمام وعدم الثقة في قدراتها الفكرية والقيادية. غياب الديمقراطية التي تنادي بها هذه الأجهزة داخل بنياتها. وخير دليل على ذلك، هو غياب تام للمرأة المناضلة في البرامج الحوارية التي تناقش مواضيع سياسية أو فكرية أو اقتصادية.
ألا يوجد في داخل هذه الأجهزة أطر مقتدرة من النساء لمناقشة هذه المواضيع؟ أم أننا لم نتخلص بعد من «لعبة الذكر والأنثى» ونعتبرها لا تصلح إلا لشؤون المرأة والأسرة؟ الخبرة السياسية مذكرة في كل القنوات التلفزيونية المغربية؟ وجواب القناة عن هذا الغياب تعيده إلى الأحزاب بالدرجة الأولى لأنهم يقترحون دائما أسماء رجال! وكأن المرأة ديكورا من ديكورات المشهد السياسي والنقابي نؤثثه متى احتجنا إليها في الانتخابات، في التصويت، في الحضور أمام الكاميرات…
أين هي الديمقراطية التي تنادي بها هذه الأحزاب التقدمية؟ إنْ لم تمارسها داخل أجهزتها بكل قناعة وشفافية فليس لها الحق في أن تطالب بها غيرها. والحاملين لهذه الأفكار التقدمية، كيف يمارسونها داخل بيوتهم؟ إنها معضلة أخرى تكشف عن سلوك ازدواجي يتعايشون معه لدرجة الإيمان بضرورته. كيف يمكن أن يرفع الرجل السياسي والنقابي صوته مطالبا بالمساواة والعدل والكرامة للنصف الآخر من المجتمع وفي بيته يمارس لعبته الذكورية؟
المشهد السياسي المغربي يعرف الكثير من النفاق الاجتماعي والسياسي، وتبقى ورقة المرأة، الورقة الرابحة لمن يجيد استغلالها أحسن استغلال. المرأة المناضلة داخل هذه الأجهزة التي هي عبارة عن صورة مصغرة للمجتمع الحامل للفكر الذكوري والمتشبع به، يجب عليها أن تناضل على جبهات عدة:
– تحقيق وجودها كمناضلة دون أدنى تمييز جنسي.
– احترام تواجدها داخل هذه الأجهزة الذكورية دون أي عنف رمزي أو جسدي.
– العمل أكثر وأكثر لتثبت أن لها الكفاءة والأهلية في القيادة أو الترشيح.
– محاربة المجتمع الأكبر بكل مكوناته وأطيافه الرافضة لأي تواجد نسائي داخل المشهد السياسي.
للمرأة قضية، وقضيتها أكبر من كل الاهتمامات السياسية إنْ لم نقل هي الاهتمام الأول. لأنها تعتبر من الفئات الأكثر فقرا وتهميشا واستغلالا وجهلا بحقوقها كمواطنة. هناك استثناءات نجحت وتبوأت الصدارة، لكن الاستثناء لا يخلق القاعدة. وحتى هذا الاستثناء لم يستطع الانفلات من الفكر الذكوري. لما نتحدث عنه وعن نجاحاته وقدرته على التسيير أو التأطير أو القيادة، نربط حديثنا وتحليلنا بكونها امرأة وكأنها معجزة لا تتكرر! خطابنا ملغوم ويحمل ثقافة متخلفة تجاه المرأة. إذا كنا نستعمل ورقة المرأة من أجل الوصول وتحقيق أهداف شخصية والتربع على عرش القيادة أو المسئولية، فليس لنا وجود على صعيد المجتمع ولا نساهم في أي تطور مجتمعي وتبقى توجهاتنا الكبرى المبنية على الحقوق الإنسانية والمساواة الفعلية مجرد شعارات تردد من حين إلى آخر وتدخل في إطار لعبة كبرى. المجتمع أعرج إذا مشى برجل واحدة.
والأحزاب التقدمية والباحثة عن التغيير الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لا يتأتى لها ذلك دون اشراك المرأة كفاعل حقيقي ومهم وليس وسيلة أو مكملا لحاجة في نفس يعقوب. متى نؤمن بإن قضية المرأة من القضايا الكبرى؟

المغرب

اضف رد