سابين عويس
26072017
النهار
فيما كانت لجنة المال والموازنة توصي بضرورة تفعيل عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي واعطائه الدور المنصوص عنه في عقد الشركة الوطنية، اي اتفاق الطائف، من دون أي تأخير، كان المجلس يستضيف في مقره طاولة حوار عن “أزمة الاقتصاد والاصلاحات العاجلة” في اطار برنامج يموّله الاتحاد الاوروبي، وبرعاية وزارتي الاقتصاد والتجارة والعمل. وقد أراد رئيس المجلس روجيه نسناس من هذه الورشة أن تكون “جامعة للعبور الى النهوض لأن النهوض ليس مسؤولية الدولة وحدها، أو القطاع الخاص بمفرده، بل هو ثمرة تعاون وتضامن وتكامل بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني”، على ما قال في جلسة الافتتاح، مضيفاً “اننا اعتبرنا نهوض لبنان ورقة حوار مع الجميع لبلورة هذه الرؤية تعديلاً أو تطويراً من أجل الوصول الى رؤية مشتركة”.
ينجح نسناس دائماً في جمع كل الاضداد وكل المتناقضات تحت قبّة المجلس في اطار فتح الحوار الاقتصادي والاجتماعي الذي يشكل المهمة الاساسية للمجلس، رغم التعطيل الذي تتعرض له هذه المؤسسة الدستورية التي نص عليها الطائف، والتي تسعى بعض القوى السياسية الى تفعيلها اليوم ليس بهدف التفعيل فحسب بل من أجل الافادة من تعيين جديد في اطار المحاصصة الجارية، بغض النظر عن الانجازات التي يضعها نسناس في رصيده، وقد انتخب اخيراً رئيساً لرابطة المجالس العربية.
في الشكل جمع المجلس أمس تحت قبته اركان الانتاج الثلاثة: الدولة بسلطتيها التنفيذية والتشريعية، وأصحاب العمل والعمال، لكن لوقت قصير جداً. اذ بعد القاء وزير الاقتصاد والتجارة كلمته واجابته عن بضعة أسئلة من المشاركين، لم يبق من ممثلي الدولة من يمثلها لارتباطات سابقة، فيما استمر النقاش عالياً وعميقاً بين طرفي الانتاج، في استماع الى مداخلتين قيّمتين للخبيرين الاقتصاديين الدكتور توفيق كسبار وسمير نصر اللذين شاركا في اعداد خطة “نهوض لبنان نحو دولة الانماء” بادارة كميل منسى، ليفتح بعدها النقاش بين المشاركين بحيث بدت الهواجس مشتركة بين أصحاب العمل والعمال حيال التحديات الكبيرة التي تثقل كاهل الاقتصاد وتجعل الاصلاح الجذري حاجة ملحة لمواجهة الازمة البنيوية للاقتصاد.
ويرى وزير الاقتصاد، “ان الاقتصاد يتعرض لتحديات خارجية تفرض عليه العمل المكثف والسريع لزيادة قدرته التنافسية في الأسواق الداخلية والخارجية. ويبدأ الاصلاح الاقتصادي من رؤية مستقبلية واضحة تقوم على محاور استراتيجية تتناول المعوقات الهيكلية وتطرح حلولاً واصلاحات ضرورية لمعالجتها”.
ويعترف أن “الاقتصاد لا ينمو، وان الضرائب في هذا الوقت غير مناسبة، لكنها ضرورية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب التي تمثل حقوق الناس”.
على المستوى الوطني يقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان بنشاط فعّال بهدف تأدية دوره الدستوري.
واكتفى النائب ياسين جابر بالاستناد الى دراسة للبنك الدولي بتعداد الاصلاحات الاساسية المطلوب السير بها لمعالجة الازمة الاقتصادية في لبنان، والتي ترتكز على اقرار مجموعة من القوانين. اما رئيس قسم العمليات لدى بعثة الاتحاد الأوروبي ألكسيس لوبر، فجدد التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي دعم الحوار الاجتماعي الثلاثي في لبنان كجزء من الجهود من أجل خلق الظروف المواتية لحوار اجتماعي شامل ومنصف، بالشراكة مع القطاع الخاص والنفط والغاز والموازنة ومعالجة النفايات الصلبة وتحسين بيئة الاعمال، ليخلص الى ما انتهت اليه الدراسة بالقول ان التزام المجتمع الدولي مساعدة لبنان يجب ان يقترن بقرار لبنان مساعدة نفسه.
واذا كان رأي الخبير سمير نصر بـأن اطلاق اشارات الاصلاح المالي والاداري يتطلب خطة واضحة طويلة المدى، فهو مقتنع بان “تراكم المعضلات وتفاقم العجز وعدم مواجهة الانزلاقات في الانفاق والهدر والفساد، يجعل من الصعب لا بل من المستحيل اقتراح اجراءات سريعة المفعول، فالمهم الآن أن ننتقل الى التنفيذ لأن البديل هو الافقار”.
أما كسبار فكانت نظرته قاتمة أكثر ولكن واقعية، اذ سلط الضوء على مكامن الخلل البنيوي في الاقتصاد والمتمثلة بضعف الانتاجية الاقتصادية التي توازي اليوم 60 في المئة عما كانت عليه قبل الحرب. ولم يخف قلقه من الخطر المالي الذي يتمثّل في ارتفاع عجز الموازنة والدَين الحكومي. ويصاحبه خطر نقدي مصدره عجز متواصل في ميزان المدفوعات منذ عام 2011، و”هندسات مالية” لمصرف لبنان مكلفة جداً. من نتائج هذا الواقع تطور غير صحي لوضع المصارف التي غدا أكثر من 60 في المئة من أصولها لصالح القطاع العام”.
واقترح أن يكون “احتواء الخطر المالي الداهم باتفاق الرؤساء الثلاثة على الالتزام الصارم بخفض عجز الموازنة لاعطاء الثقة والجدية للأسواق”.