الرئيسية / home slide / المال للشيعة: تعديل “دستوري” بضمانة فرنسية؟

المال للشيعة: تعديل “دستوري” بضمانة فرنسية؟

14-09-2020 | 00:12 المصدر: النهار

روزانا بومنصف

وزارة المالية

ساد في الساعات الاخيرة وعلى ضوء اعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري تمسك الطائفة الشيعية بحقيبة وزارة المال انه اذا استطاع تحصيلها من الفرنسيين الرعاة لتأليف الحكومة العتيدة، فانه يكون انجز “تعديلا دستوريا” غير مباشر من خلال موافقة دولية على “ميثاقية” يتذرع بها الثنائي الشيعي بتثبيت وزارة المال له وفق ما يعتقد مراقبون سياسيون. ولذلك تنطوي المرونة الفرنسية في هذا الاطار على خطورة كبيرة قد تقلب المبادرة الفرنسية الجيدة والمفيدة لانقاذ لبنان الى امر سلبي من المتوقع ان يثير انزعاجا ورفضا قويا من الطوائف الاخرى. فان تكون المساومات الداخلية التي تؤدي عادة الى تأليف الحكومات الى حصول الطائفة الشيعية على وزارة المال هو امر مقبول ولكن حصوله على مباركة فرنسية سيكون له تداعيات خطيرة. ويعتقد هؤلاء المراقبون ان الرئيس بري الذي يعتبر براغماتيا الى حد بعيد سعى الى لي ذراع الفرنسيين الحريصين على نجاحهم في شكل عام كما على نجاح رئيسهم في شكل خاص باعتبار انهم وامام هذا التحدي كما تحدي اعلان الحكومة من ضمن المهلة التي حددها الرئيس ماكرون بالاتفاق معهم سيكونون ملزمين للتجاوب مع تمسكه بوزارة المال للطائفة الشيعية. وفي اي حال سادت انطباعات قوية ان التجاوب الفرنسي مع هذا الضغط سيشكل نكسة كبيرة لهم اولا لان اي مرونة في شروطهم انما يعني تأكيد ما ذهب اليه كثر من غرق محتمل للرئيس الفرنسي في الوحول او الرمال المتحركة اللبنانية وثانيا لان ذلك سيؤكد ما يذهب اليه الاميركيون من ان التساهل مع الطرف الشيعي المتمثل في “حزب الله” لن يتم تقديره وفق ما يجب وسيؤدي الى تنازلات لمصلحته وثالثا لان الحكومة التي يريدها الفرنسيون قادرة على استعادة ثقة اللبنانيين من خلال حكومة لا تشبه الحكومات السابقة ستسقط حكما وعلى نحو مسبق اذا تم التساهل في اي معيار من معاييرها. وقد دخل بقوة على هذا الخط موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي اعتبر انه ” لا يمكن بعد الان القبول بحكومة على شاكلة سابقاتها والتي اوصلت الدولة الى ما هي عليه من انهيار، حكومة فيها استملاك لحقائب وزارية لاي طائفة باسم الميثاقية وما هي هذه الميثاقية سوى المناصفة بتوزيع الحقائب بين المسلمين والمسيحيين”.
المعطيات التي تحدثت عن مرونة الثنائي الشيعي لجهة القبول بالمداورة قبل اعلان العقوبات الاميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس تفيد بان التصلب من الثنائي الشيعي ارتبط باستياء بري من استهدافه من خلال استهداف معاونه السياسي فيما انه يسهل عملية ترسيم الحدود بوساطة اميركية في شكل خاص. الا ان هناك خشية من ان يكون الامر بمثابة رسالة ترتبط بتطورات الوضع في المنطقة التي لا يغفل المراقبون وصول المسؤول في حركة “حماس” اسماعيل هنية الى لبنان تحت عنوان التنسيق الفلسطيني في “مقاومة التطبيع” من ضمنها وكذلك التطورات المتسارعة المتمثلة بالانفتاح التطبيعي من دول خليجية على اسرائيل. فهذا “التضييق” الذي يواجه ايران يخشى انه سيجد ترجمته في امكنة عدة ولا سيما لبنان حيث قدرتها على التأثير كبيرة عبر الحزب في شكل خاص. ولا يهم في ذلك مصلحة لبنان او مصلحة اللبنانيين قياسا الى مصلحة العراقيين او اليمنيين او السوريين ايضا وهي لم تؤخذ في الاعتبار في الصراع الاقليمي بما يثير اسئلة لماذا قد يختلف الامر بالنسبة الى لبنان المنهار وتوشك مؤسساته على الاندثار. وهو ما ربطه المراقبون بالتصلب الشيعي على رغم ان بري تحديدا يتولاه بديلا من الحزب او بالنيابة عنه ايضا. واذا اخذت الامور ببساطة وقيل ان الاميركيين رغبوا في عرقلة المبادرة الفرنسية نظرا الى المقاربة المختلفة لفرنسا مع الحزب، فلا يمكن فهم التذرع الشيعي بالعقوبات من اجل تعطيل هذه المبادرة او تفشيلها في ظل تساؤل عن البدائل منها، ما يخدم الاميركيين اذا صحت النظرية التي يتمسك بها البعض عن رغبة اميركية في افشال ماكرون. 
مساء السبت وفيما شاع ان الاتصال الذي اجراه الرئيس الفرنسي برئيس مجلس النواب كان سلبيا كما زار الرئيس سعد الحريري الرئيس بري للغاية نفسها، سادت تأكيدات ان الامور عادت الى نقطة الصفر وان السيناريوات السلبية والقاتمة باتت الاكثر ترجيحا. لم يكن بري قد حدد موقفه الجديد القائم على عدم المشاركة في الحكومة وفق البيان الذي اصدره مكتبه.  
يعتقد البعض ان هناك مخاوف من تسلم خبراء اختصاصيين الوزارات الاساسية لانهم سيكشفون على الارجح على اي مغارات علي بابا يستند الافرقاء السياسيون واقتطاعاتهم في تغذية احزابهم ومصالحهم منها. وهذا مصدر رزقهم ونقاط قوة زعاماتهم التي ستكون مهددة على كل المستويات حتى لو قيل ان الحكومة هي حكومة مهمة ويعني انها لمدة محددة. ولعل هؤلاء الافرقاء يحتاجون من وراء تصعيدهم الى ضمانات بعدم كشف اسرارهم وفضح خفاياهم ايضا. وهذا جزء مهم سيما اذا اخذ في الاعتبار اعتراضين اساسيين من جانب رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي نظرا لوضع اليد الذي يمارسه هذا التحالف على مقدرات البلد وما يبدو توزيعا للادوار بينهما في التعاطي مع رئيس الحكومة المكلف.. 
في اثناء رعايته وصول دفعة من المساعدات الاوروبية للبنان يوم السبت المنصرم، دعا مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارزيتش إلى تشكيل حكومة “ذات صدقية” في لبنان بشكل عاجل قبل اطلاق مرحلة ثانية من الدعم المالي للبلاد الغارقة في ازماتها معتبرا ان ” الدفعة التالية من التمويل ستكون لإعادة الإعمار، لكنه حذر من أنه يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع الإصلاحات لأن المجتمع الدولي ليس على استعداد  لدعم الممارسات “التي أدت إلى انهيار مالي وأزمة اقتصادية”. وهذا موقف تذكيري للافرقاء السياسيين بان فرنسا ليست وحدها بل ان الاتحاد الاوروبي معها ايضا في ربط المرحلة المقبلة بحكومة مختلفة واصلاحات جدية وبان المساعدات الاخرى الاضافية لن تكون مجانية. فبين التجاوب الذي ابداه الافرقاء امام ماكرون والشروع في تأليف الحكومة تبدلت اولوياتهم من انهم لا يريدون شيئا في الحكومة المقبلة الى التشدد في مطابهم المعهودة مجددا. 

rosana.boumonsef@annahar.com.lb