عبد الرحمن مظهر الهلوش
القدس العربي
Apr 28, 2018

يجيب جورج لاذقاني وهو أحد الماسونيين السوريين على سؤال للمؤلف، إذا كان الماسونيون شرفاء حقا، فلماذا كل هذا التهجم عليهم؟ ولماذا لا يدافعون عن أنفسهم؟ ضحك لاذقاني رحمه الله وقال: «عليك أن تقرأ أكثر يا بني لكي تعرف الحقيقة». يُؤرخ الباحث «سامي مروان مبيض» في كتابه «شرق الجامع الأموي/الماسونية الدمشقية 1868- 1965» ــ دار الريّس، بيروت- 2017، 270 صفحة ــ لتاريخ الماسونية في إحدى أقدم العواصم العربية. يحمل الكتاب الكثير من الفاجآت الخاصة بالأسماء الواردة به، من حيث تبوئها مناصب هامة في المنطقة العربية، ومدى ارتباطها بالمحافل الماسونية العالمية.
البدايات
وصلت الماسونية العالمية إلى مدينة دمشق في أبريل/نيسان 1868 عبر ماسوني أمريكي يدعى «روبرت موريس»، جاء إلى سوريا العثمانية لإنشاء أول محفل في عاصمة الأمويين، حيث عُقد اجتماع الماسون في فندق ديمتري (شيده اليوناني ديمتري كاراه سنة 1850)، المطل على نهر بردى في ساحة المرجة، الذي كان المكان المفضل يومها لدى نخبة دمشق، كان الماسون الدمشقيون من خلفيات متنوعة علميا وعائليا، عملوا معا على وضع رسالة موجهة إلى المحفل الأعظم الإنكليزي، طالبين صك براءة لتشغيل محفلهم المحلي الأول، بدون ذكر اسم له. ولكن هل غررت الماسونية بأعضائها الذين انتسبوا إليها في دمشق؟ فقد كانت البداية مع القاضي أحمد عزت، ورئيس مجلس الشورى عبد الرحمن باشا اليوسف، كأحد الأعضاء الفاعلين في «العشيرة السريّة»، فهل حقا كانا من الوطنيين؟ أم أنهما خائنان لارتباطهما بالماسونية؟ يتساءل المؤلف. ولكن يصرح أحد الماسونيين الأحياء بِأَنَّ الماسونيين الدمشقيين هم من أعلن استقلال سورية مرتين: الأولى عن الدولة العثمانية عام 1918، والثانية عن الانتداب الفرنسي عام 1946.
المحافل الماسونية
تتبع المحافل الدمشيقة للماسونية في مصر ومن ثم لندن، أو إلى محافل غير نظامية تركية، لم تكن تلك المحافل المحلية، من أمثال (قاسيون) و(سورية) و(نور دمشق) مرتبطة بـ (الحكومة العالمية في الظل) كما يعتقد الكثيرون، لأنّ عددا من أعضائها الذين تولوا مهام رسمية خلعوا من الحكم مرارا، كما هو الحال بالنسبة لعبد الرحمن الشهبندر الذي قُتل برصاص الغدر عام 1948، ولم تستطع الماسونية حمايته على الرغم من انتسابه إلى (العشيرة السريّة) للماسونية، وكذلك الأمر مع رئيس الوزراء حقي العظم، حيث كان من أعيان عصره، وسليل أسرة عريقة حكمت دمشق مع العثمانيين، وقد خسر انتخابات الرئاسة مرتين، على الرغم من نشاطه الماسوني العلني في (محفل دمشق)، والقانوني الشهير ورئيس الحكومة في عهد الاستقلال سعيد بك غزي، الذي شغل منصب وزير العدل مرارا في عهد الانتداب. بشكل عام كان الدمشقيون يفضلون الانتساب إلى محافل إسكتلندية وعربية، بسبب إرثها المناهض للاستعمار الأوروبي في الشرق الأوسط.
الخراب
بناء على تعاليم البنائين الأحرار وأعرافهم، فإن جميع المحافل في العالم يجب أن تقع شرق المدينة الحاضنة لها، لأن الشمس تشرق من الشرق لتضيء النهار، ورئيس المحفل يجلس في الشرق لتشغيل المحفل وإدارة رعيته. فقد اتهمت معظم الإصدارات الحديثة الماسونية بأنّها وراء الدمار والفوضى في العالم، والعالم العربي خصوصا، حتى نال «الربيع العربي» نصيبه من أن الماسونية تقف وراءه، لتقول إن أساطينها كانوا وراء سقوط أنظمة الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وإنهم مهندسو الحرب الطاحنة الدائرة حاليا في سورية. ولكن على الدوام كان هناك من يُحمل الماسونية تلك الاتهامات من أجل تبرير عقود من الإخفاقات الرسمية والفشل السياسي. على الرغم من بعض الأحداث التي كان للماسونية دور مباشر بها، مثل خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن عرش السلطنة عام 1909.
الأسوار القديمة
كان معظم سياسي سوريا في النصف الأول من القرن العشرين أعضاء في الماسونية، بعضهم كان محسوبا على فرنسا والآخر على الوطنيين. خمسة من أصل ستة وزراء عام 1918 على سبيل المثال كانوا ماسونيين، وكذلك جميع أعضاء حكومة الرئيس صبحي بركات عام 1924، بعدها بعام يصل الماسوني الكبير أحمد نامي بك، المعروف بلقبه التركي (الداماد) ويعني (صهر السلطان)، إلى كرسي الرئاسة السورية. يُذكر أن (الداماد) كان شركسيا من وجهاء بيروت، وكذلك كان للزعيم محمود البارودي علاقات بالعشيرة الماسونية، حيث كان من أوائل مؤسسي أول محفل دمشقي بالتعاون مع الأمريكي روبرت موريس عام 1868. والبارودي من وجهاء دمشق المعروفين كان يُقيم في حي القنوات الشهير. وكان البارودي ابنا لأب ثري ولأم حسناء من عائلة العلمي الفلسطينية. ومن أبرز أعضاء محفل (نور دمشق) المؤَسِسَين الطبيب عبد الرحمن الشهبندر، والمحامي فارس الخوري، وتضم القائمة كلا من السياسي عطا الله الأيوبي والوجيه المسيحي سليم مشاقة، مترجم القنصلية البريطانية في دمشق، ومحمد الكزبري من كبرى عائلات دمشق والوجيه محمود البارودي، والد الزعيم فخري البارودي. وضمّ (محفل قاسيون) في عام 1922 تزامنا مع الاحتلال الفرنسي لسورية، رئيس الوزراء الأسبق جميل الإلشي، الذي حكم البلاد لفترة وجيزة مع احتلال الفرنسيين مدينة دمشق في صيف عام 1920، والوجيه رضا مردم بيك، والتاجر زكي سكر.
من دمشق إلى بيروت
وعقب انتهاء الحرب العالمية وحصول سوريا على استقلالها، تمّ تأسيس محفل جديد تحت اسم (محفل سورية ولبنان)، ضم عددا أكبر من الأعيان من مناطق ومذاهب مختلفة، وكان أربعة من أعضاء المحفل الجديد وزراء سابقين، هم شاكر الحنبلي والأمير عادل أرسلان، وتوفيق شامية ويوسف الحكيم، وهم خليط من الموحدين الدروز والمسيحيين، وكان معهم الثري الدمشقي المسلم محمد الميداني، والصحافي وجيه الحفار، صاحب جريدة «الإنشاء» الدمشقية وابن عم رئيس الوزراء الأسبق الماسوني أيضا لطفي الحفار. والكاتب الأمير شكيب أرسلان كان هو الآخر من أعضاء (محفل سوريا ولبنان). وفي الخمسينيات انضم كلٌ من الزعيم فوزي سلو، ومعه العقيد أديب الشيشكلي، حيث كانا عضوين فاعلين في الماسونية الدمشقية. ولم تحم الماسونية أعضاءها كما هو شائع بين الناس، حيث نرى ماسونيا من الطبقة الإقطاعية يأمر بتصفية ماسوني آخر لاختلاف في التوجهات السياسية اللبنانية؟ وكيف للماسونية العالمية أن تسمح بتصفية رجل من هذا الحجم، فقد أمر رياض الصلح أحد صانعي الجمهورية اللبنانية بتصفية الزعيم انطون سعادة، وهما من الرتبة الماسونية نفسها؟
شهبندر دمشق
والاعتراف الآخر جاء على لسان رئيس غرفة تجارة دمشق الحاج بدر الدين الشلاح (1908- 1999)، الرئيس الأعظم لمحفل إبراهيم الخليل التابع لمحفل نيويورك الأكبر، حيث ضمّ داوود مارديني ومصطفى القباني وعبد الرزاق عابدين ورفيق الجلاد وعبد النبي قلعي، الذي درس في دمشق على يد بروفيسور أمريكي يعمل في بيروت يدعى والتر أدامز، وبقي الشلاح رئيسا لغرفة تجارة دمشق حتى عام 1996.
في الحقيقة لا يستطيع أحد أن يشكك في تاريخ الأسماء التي وردت في الكتاب، كأعضاء في (العشيرة الماسونية) من حيث وطنيتها. فهل نجحوا في حياتهم لأنهم ماسونيون؟ أم أن الماسونية عملت على استمالتهم إلى محافلها لأنهم أعلام في بلدانهم؟ حيث لم تستمر الماسونية بالزخم الذي بدأت فيه، فقد تمّ حظر الماسونية بعد اكتشاف أمر الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في سوريا، ومن ثم إعدامه في عهد الرئيس أمين الحافظ. وهل كانت الماسونية الدمشقية شرا في دمشق؟ أم تنظيما أهليا حمل أوزار سنوات من القهر والفشل والأحلام الضائعة؟ وهل كان الماسون رجالا أفاضل يسعون إلى تطوير مجتمعهم؟ أم أن الماسونية استخدمتهم لتحسين صورتها في المشرق العربي؟ أسئلة تبقى الإجابات عليها معلقة إلى حين.
٭ صحّافي وكاتب سوري