وجدي العريضي
النهار
17012019

من حفل تكريمي في دار الطائفة الدرزية. (تصوير مروان عساف)
“اكتمل النقل بالزعرور” بعد زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل لبيروت، من خلال ارتفاع منسوب التصعيد السياسي من فريق الممانعة معتبرين أن هيل جاء إلى لبنان حاملاً الأجندة الأميركية ليسوّقها عبر فريق سياسي، كما كانت الحال إبان زيارات ديفيد ساترفيلد وكونداليزا رايس وسواهما من الموفدين الأميركيين، ما يؤشر إلى أن مرحلة الاصطفافات السياسية “عائدة” إلى البلد ما تبدى بوضوح عبر سلسلة محطات شهدتها الساحة اللبنانية، وتحديداً في الآونة الأخيرة بعدما اعتبر الفريق الحليف لدمشق أنه انتصر وحان وقت القطاف لبنانياً وهذا الصراخ علا في بلدة الجاهلية عندما قال النائب طلال أرسلان أن بشار الأسد وحسن نصرالله انتصرا لتعود الساحة الدرزية إلى التصعيد السياسي. من الطبيعي ان ينسحب ذلك على مستوى البلد بشكل عام في ظل هذه التشنجات والخطابات والصخب السياسي الذي يطل برأسه من جديد على إيقاع هذا الخطاب وذاك.
فعلى صعيد ما يشهده الواقع الدرزي المأزوم منذ ما قبل الانتخابات النيابية وخلالها وبعدها، وانتهاك كل المحرمات من القضاء إلى القوى الأمنية وما هبّ ودبّ فان ذلك يطرح سؤالاً إلى أين، خصوصاً أنه ومنذ ما بعد منتصف السبعينات لم يسبق أن شهدت طائفة الموحدين الدروز أي انقسامات سياسية أو خلافات وتماسكت في مراحل الحرب بشكل حديدي، حيث يقول أحد النواب الدروز لـ”النهار” اسأل عن بشار الأسد ونظامه ورسائله التي يترجمها البعض في لبنان من خلال التصعيد السياسي وعلى خلفية عناوين كثيرة ولا سيما الواقع الدرزي المؤسساتي الذي لم يسبق أن انتظم كما هي الحال اليوم من المجلس المذهبي إلى الأوقاف وتوحيد مشيخة العقل، لما لذلك من دلالة على وحدة الصف الدرزي واندثار ما كان يسمى القيسية واليمنية وغيرها. فهناك شيخ عقل شرعي ومؤسسات تعمل لكل الدروز وليس لفريق معين، كاشفاً بأن لقاء الخميس المرتقب في دار الطائفة الدرزية في بيروت سيكون حاشداً بمشاركة كل الوزراء والنواب الدروز بما في ذلك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ومن الطبيعي رئيس اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط. هذا الاجتماع للمجلس المدني الدرزي هو بمثابة دعم للمجلس وللأوقاف ولمشيخة العقل وللعمل المؤسساتي حيث هناك عمل في هذه المؤسسات، في حين ان البعض الذي يصرخ باستمرار، نسأله ماذا فعلت ولماذا طالبت بتنظيم هذه المؤسسات ولم تشارك فيها على طريقة “عنزة ولو طارت”. فهل نحن نريد مؤسسات درزية بحياكة بشار الأسد أم ماذا، مؤكداً أن الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديموقراطي لن يدخلا في أي مساجلات ومهاترات وخلافات مع أي مكوّن درزي، وبالتالي الاجتماع الذي سيعقد في دار الطائفة ليس موجهاً ضد اي طرف أو جهة معينة أو أنه رد على هذا المهرجان وذاك بل للتأكيد والحرص على المؤسسات الدرزية الشرعية والمنتخبة ودعمها وتفعيلها لما فيه خير كل الدروز.
على خط مواز، ما انسحب على الساحة الدرزية من تصعيد سياسي من قبل حلفاء دمشق رافعين بيارق بشار الأسد وحزب الله ومهللين بانتصار النظام السوري، فذلك بدأ أيضاً يترجم في كل لبنان من القوى والأحزاب الحليفة لهذا النظام وعلى ذات الخلفية خصوصاً أن زيارة هيل شكلت لهم مادة دسمة للعودة إلى معزوفة ونغمة الأجندة الأميركية. وهنا يقول نائب وقيادي سابق في قوى الرابع عشر من آذار لـ”النهار” عن أي انتصار يتحدثون؟. بالأمس قامت الطائرات الإسرائيلية بضرب إيران في دمشق وقبلها “حزب الله” والجيش السوري ولم نسمع بياناً أو استنكاراً لهذه الاعتداءات، كاشفاً عن معلومات ومن خلال الديبلوماسية الروسية بأن موسكو وفي الغارة الأخيرة التي قامت بها إسرائيل مستهدفة قواعد إيرانية في العاصمة السورية، أرادت توجيه رسالة واضحة لإيران عبر إسرائيل من دون أن تستعمل الـ “S-300” التي قدمتها روسيا الى سوريا، على اعتبار موسكو ومنذ فترة طويلة تسعى الى ابعاد طهران عن سوريا لا سيما وأنها الآمر الناهي في سوريا ومن كان لها الفضل في بقاء هذا النظام، ولولاها كما قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف، لكان سقط هذا النظام في غضون أسابيع. وتوقع أن يصعّد حلفاء دمشق بشكل جنوني في الأيام المقبلة متهمين واشنطن بأنها تسعى الى الخربطة في لبنان وعدم تأليف الحكومة، وسوى ذلك من العناوين التي سبق واستهلكت في مراحل كثيرة بينما هو واضح من ينقل الرسائل السورية إلى الساحة الدرزية وعلى المستوى الوطني العام.
ويبقى أخيراً، وفق المتابعين والمواكبين لمسار الأوضاع المحلية والإقليمية، أن لبنان بات كما المراحل والمفاصل السابقة ساحة ومنصة لتبادل الرسائل الإقليمية، وصولاً إلى أن المواقف السياسية الأخيرة تحمل نكهات ومواقف ومحطات من حقبات السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات من استعمال لغة الحروب والتهديدات، وإن كان قرار المجتمع الدولي حتى اليوم يقضي بتحييد لبنان عن حروب المنطقة لجملة اعتبارات لبنانية وإقليمية ولا سيما ملف النازحين السوريين. لكن المرحلة الراهنة لن تكون عابرة، بل ستشهد كباشاً وأزمات سياسية واقتصادية لا حلول لها في المدى المنظور في ظل هذا الانقسام العمودي بين المكونات السياسية اللبنانية.