الرئيسية / مقالات / الكوريتان، الصين والهند

الكوريتان، الصين والهند


سمير عطاالله
النهار
04052018

تسارع خطوات تعزيز التعاون بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وتوجه البلدين الى حظر استعمال السلاح النووي في محيطهما، أمر ذو أهمية كبيرة لكليهما، وخصوصاً لكوريا الشمالية التي برهنت عن قدرات صناعية متطورة من غير ان تتمكن من تحقيق ازدهار اقتصادي.

في المقابل، حقّقت كوريا الجنوبية نجاحات بالغة الأهمية على صعيد التصنيع، سواء تصنيع السفن والناقلات الضخمة، أو أجهزة الهاتف النقالة وشاشات التلفزيون، والسيارات والشاحنات، وأصبحت سيول من عواصم المال العالمية. لكن نجاحات كوريا الجنوبية تحققت تحت مظلة الحماية الاميركية، سواء بالعقود الدفاعية والامنية القائمة بين البلدين، أو الوجود العسكري الاميركي ومحطات التنصت، خصوصاً على الطرف الحدودي مع كوريا الشمالية.

بالنسبة الى كوريا الشمالية، كانت الصين لحكامها ما كان الأميركيون ولا يزالون بالنسبة الى قيادة كوريا الجنوبية، والصين منذ سنوات قليلة أصبحت أكبر مصدر في العالم، وطورت صناعات الكترونية متقدمة، وسهلت التعامل بعملتها المحلية للمستوردين. وكانت الصين المصدر الأول لكوريا الشمالية، خصوصاً بالنسبة الى حاجات تطوير الصواريخ العابرة للقارات أو المفاعلات النووية.

قبل تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وفي مواجهة تصريحاته المتعلقة بعجز الميزان التجاري الاميركي مع الصين وضرورة تصحيحه، كان الصينيون، الذين هم عقلانيّون الى ابعد حد، يقبلون على استثمار 400 مليون دولار في شركة تخص والد صهر ترامب، كما ان رئيس شركة علي بابا، إخدى كبرى الشركات العالمية لتسويق المنتجات الكترونيًا، عرض على ترامب تسهيل استيراد منتجات من ولايات الوسط الاميركي بقيمة 200 مليار دولار سنويًا. واظهرت دراسة لـ”الايكونوميست” عن فوائد تصنيع الهواتف النقالة من نوع “آي فون” في الصين، ان ما يحوزه الصينيون من منفعة لا يتجاوز 7-8 دولارات عن الجهاز الواحد، وبقية سعر المبيع تتوزع على شركات النقل والتأمين والترويج والتسويق، وهذه كلها، أي أكثر من 92 في المئة من السعر، تذهب الى جيوب الاميركيين.

الفائدة من ضبط العجز التجاري مع الصين بدأت تظهر كأنها مضرة بالاقتصاد الاميركي، واقتصادات جنوب شرق آسيا، ومن هذه الهند، وكوريا، وسنغافورة وتايلاند وماليزيا وأندونيسيا وأوستراليا الخ.

ان هذه المعطيات الواقعية دفعت القيادة الصينية الى مهادنة الادارة الاميركية، وقد ارتأى رئيس الوزراء الصيني ان أفضل خدمة يوفرها للأميركيين تتجلى في تهدئة حماسة رئيس كوريا الشمالية لتملك السلاح النووي، وكان علماء كوريا الشمالية يحتاجون إلى مشورة زملائهم الصينيين، كما ربما أهم الى المنتجات الصناعية التي تتيح تصنيع مفاعلات نووية وصواريخ عابرة للقارات.

لقد قرأنا وشاهدنا اخبار الصدام مع كوريا الشمالية في موضوع القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات، وقد بلغت المواجهة الكلامية ذروتها عندما صرح زعيم كوريا الشمالية بان صواريخه يمكن ان تدرك المدن الاميركية، وكانت اجابة ترامب ان الزر النووي في متناوله في أي وقت وان الولايات المتحدة يمكن ان تمحو كوريا الشمالية عن سطح الارض.

كانت هذه التصريحات مخيفة للغاية، وتبعتها زيارة افترض ان تكون سرية لزعيم كوريا الشمالية للصين واستمرّت زيارته أسبوعين، التقى خلالها كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والفنيين وعاد مقتنعًا برؤية الرئيس الصيني بان تهدئة المناخ مع كوريا الجنوبية وتالياً مع الولايات المتحدة امر بالغ الاهمية.

هكذا بدأت مسيرة التفاهم، والعالم بأجمعه يتمنى ان تتحقق الاهداف المعلن عنها، علمًا بان الوقت المطلوب لانجاز التفاهمات ووضعها موضع التنفيذ يستغرق بضعة أشهر، لكن المحادثات المتوقع ان تبدأ هذا الشهر بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية ستفيد الطرفين الى حد بعيد، والافادة الكبرى ستكون لترامب.

يواجه الرئيس الاميركي مشاكل عدة تتآكل مسيرة عهده سواء من حيث عدم تحقيقه إلغاء قانون الضمانات الصحية الذي أنجزه سلفه أوباما، أو موضوع العلاقات مع الديبلوماسيين ورجال الأعمال الروس لأعضاء من فريقه بمن فيهم صهره المكلف قضايا الشرق الاوسط دونما خبرة. لذا فإن انفراج اجواء الشحن النووي مع كوريا الشمالية يعتبر انجازاً كبيراً لترامب وقد يخدمه هذا التطور سواء في انتخابات الكونغرس التي تجرى قريبًا، أو لإنهاء فترة حكمه وقد انقضى منها نحو سنة ونصف سنة من أربع سنوات وتوقع كثيرون انقطاعها نتيجة مشاكله المتنوعة.

الصينيون هم الاكثر ربحًا بعد ترامب. فلولا تحركهم مع زعيم كوريا الشمالية وجذبهم إيّاه الى مشاريع تطوير منطقة جنوب شرق آسيا، لما كان ثمّة مجال لبدء محادثات جدية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وهذا النجاح للرئيس الصيني ينعكس أيضًا على علاقاته الفاترة مع اليابان، ذلك أن رئيس الوزراء الياباني اعتبر التقارب الاميركي – الكوري الشمالي انجازًا للصين في المقام الأول، وعلينا ان ننظر الى مشاريع الصين المستقبلية وتأثيرها على العالم. فهي الدولة المالكة لثاني اكبر احتياط ذهبي، وهي الدولة ذات الانتاج القومي الأكبر قياساً بالقدرة الشرائية.

النشاط الصيني الذي لا يكل، انصب على تحسين العلاقات مع الهند، وكما هو معروف تتمتع الهند بطاقات تقنية ممتازة، خصوصاً في مجال البرامج الالكترونية، وصناعة الصلب، وقد بدأت تتّجه الى توسيع نشاطات الخدمات المالية، وعدد سكان الهند اضافة الى عدد سكان الصين يمثل 30 في المئة من مجموع سكان في العالم.

اذا تحققت علاقات جيدة بين الصين والهند كما اعلن رئيس وزراء الهند بعد زيارته الاخيرة للصين، ستصبح الهند من مرتكزات طريق الحرير، المشروع الاقتصادي التجاري والسياحي الذي تعمل على تحقيقه الصين والذي خصصت له تريليون دولار آملة في تنفيذه خلال عشر سنين.

ارتباط الهند بمشروع طريق الحرير يعني ان المجموعة المفترض تآزرها على تحقيق هذا المشروع، وغالبية اعضائها يحققون نموًا ملحوظًا، ستشمل تعاون دول تغطي نسبة 45 في المئة من الدخل العالمي. ومن نتائج تحقيق هذا المشروع تكريس الصين دولة محورية في الاقتصاد العالمي واعطاء دول شرق المتوسط دورًا أكبر في التواصل والتعاون مع دول منطقة الشرق الأقصى، والنتيجة تراجع الدور الأميركي في التأثير الاقتصادي والمالي عالميًا. وقد تصبح أهمية العملة الصينية في التعامل الدولي، وأهمية الأورو، مساوية أو متجاوزة لأهمية الدولار، الدور الذي أعطى الولايات المتحدة سلطة التحكم بتوجهات التجارة الدولية وتجارة العملات والأسواق المالية حتى تاريخه.

العالم مقبل على تغيرات بالغة الأهمية، ولبنان يغوص في أعماق الرمال المتحركة.

اضف رد