عقل العويط
النهار
04122018
معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الثانية والستّين، يفتح أبوابه ابتداءً من 6 كانون الأول الجاري ويستمرّ إلى 17 منه، في مركز واجهة بيروت البحرية، البيال سابقاً. هذه مناسبةٌ تشبه سكبَ نقطةٍ ماء على حوضٍ من زهورٍ موجوعة. كتبٌ خلاّقة سيطلقها المعرض، في الشعر والرواية والأدب والفنّ والفلسفة والفكر والتأريخ والنقد والبحث والسؤال. سندين لهذا الكتب ولأصحابها بالكثير، لأننا سنزداد بها، وسنتعلّم منها الكثير. ولأنها – وهذا هو الأهمّ – ستمنحنا مناعةً وعزاءً لا يُقدَّران بثمن، ولا يُقارَنان بشيء، ولا يوازيهما أيّ مناعةٍ وعزاءٍ في هذه الأزمنة اللبنانية والعربية والكونية التي نكاد نفقد فيها كلّ مناعةٍ وكلّ عزاء.
شخصياً، لا أتحمّل المناسبات والتظاهرات الثقافية الموسمية وغير الموسمية. أفضّل مليون مرّة أن أذهب بمفردي إلى مكتبة (أو أتسلّل إلى مسرح وسينما بعد انطفاء الأضواء، أو إلى معرض فنّي بعد الافتتاح)، لأتأمّل الكتب المعروضة على الطاولات، وتلك المرصوفة على الرفوف، وحيداً صحبةَ روحي وعينيَّ ويديَّ هاتين، لأجل أن أنخرط انخراطاً كاملاً في فلسفة التواصل هذه، التي قد لا يعرف أحدٌ على الإطلاق – ولا أنا ربّما – معناها لديَّ، وقيمتها عندي.
على كلّ حال، إنّي، لمناسبة هذا المعرض بالذات، و”انتقاماً” مما آلت إليه حياتنا على أيدي سارقيها اللبنانيين وغير اللبنانيين، أقف من على منصة هذا المقال، لأقبّل أرواح هؤلاء الذين لا يزالون يبذلون من أرواحهم وعقولهم وأجسادهم وأعمارهم لأجل صناعة هذا النوع من الكتب، بل لأجل صناعة الكتاب مطلقاً، والذين ينصرفون بكِبَرٍ مهيب عن جحيم الترّهات والابتذالات والسخافات والتصحّرات والوضاعات والحقارات والانحطاطات السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية والأمنية الماحقة التي تقضّ عيشنا، وتستبدّ بنا، وتحاصرنا، معتبرين (أي هؤلاء الصنّاع) أن الكتاب هو الدستور، وهو الدولة، وهو أعظم من كلّ رئاسة، ومن كلّ حكومة ونيابة ووزارة، وأنه هو المعيار، وهو المقياس، وهو القيمة، وهو “الأخلاق”، وهو البيت، وهو السقف، وهو الوطن، وهو المستقبل، وهو الخلاص، وهو هو الحرية.
أـيها الناس؛ خذوا الكتاب اعتقاداً. وخذوه انتقاماً!
akl.awit@annahar.com.lb