الرئيسية / home slide / القداس الجنائزي لإله الموسيقى موزار يجدّد الحياة في بيروت المغلوب على أمرها

القداس الجنائزي لإله الموسيقى موزار يجدّد الحياة في بيروت المغلوب على أمرها

23-03-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”

روزيت فاضل @rosettefadel

تصوير نبيل إسماعيل.

تصوير نبيل إسماعيل.

تردد أول من أمس صدى القداس الجنائزي لموزار في #كنيسة مار يوسف للآباء اليسوعيين في شارع مونو – #الأشرفية مع محتوى المشاعر المشبعة بتجدد الحياة إيماناً منا بأن المسيح يمنح الحياة لا بل هو نفسه الحياة، والذي نتشارك معه يومياً إنتصاره على الموت من خلال قيامته المجيدة…

يواكب مهرجان “#بيروت ترنّم” النمط المضطرب لحياتنا في لبنان ومحيطه المتأرجح بين غضب الطبيعة وواقعه السياسي المأزوم من خلال الموسيقى، وتحديداً القداس الجنائزي لموزار.

“المحطة الموسيقية هي تحية للموجوعين والمنسيين في محيطنا، بدءاً من ضحايا انفجار مرفأ بيروت وصولاً الى ضحايا الزلزال المفجع في كل من سوريا وتركيا”، وفقاً لما ذكرت رئيسة المهرجان ميشلين أبي سمرا في كلمتها، مشيرة الى دور الموسيقى وتحديداً في هذا القداس الجنائزي في تقريب المسافات بين الناس من خلال تنظيم المهرجان بالتعاون الحثيث مع أوركسترا العازفين الاوروبيين الشباب بقيادة المايسترو باولو أولمي ومشاركة مرنّمين ومرنّمات من جوقة الجامعة الأنطونية يغامرون بحبهم للبنان وبقائهم فيه، مع تسجيل محطات متفرقة في هذا العمل لأصوات أوبرالية جاءت كمدخل الى الإنسانية لكل من السوبرانو ميرا عقيقي، الميزو سوبرانوغريس مدور، التينور شارل عيد والباس باريتون سيزار ناسي.

بالنسبة إلينا، هي محاولة للتذكير بالتنوع الثقافي المهدد في لبنان من خلال جمع جنسيات متعددة في الفرقة الموسيقية الشبابية الأوروبية وجوقة مرنمين لبنانيين وأصوات أوبرالية لبنانية من خلال رسالة إنقاذية تحمل الكثير من الحيوية والنشاط المفعم بالصمود في وجه اللون الواحد والثقافة المتحجرة.

القداس الجنائزي، الذي أنسانا مأساتنا التراجيدية في وطن يرزح تحت وطأة طبقة حاكمة هي “خارج الخدمة”، هو في الحقيقة ساعة أمضيناها مع ذاتنا في مواكبة تفاصيل هذا القداس، الذي أيقظ، رغم حتمية فكرة الموت فيه، في داخلنا صوراً مطعّمة بالخيال الإبداعي لموزار…

المهم أننا تورطنا في “قداس” لموزار الذي يخفي عملاً موسيقياً إبداعياً، لم يتمكن هذا العبقري من إكماله بسبب موته، ما دفع زوجته كونستانس الى متابعة المساعي لإكمال هذا العمل، الذي يطوف العالم كله، وهو من أشهر أعمال إله الموسيقى، اي موزار نفسه، كما يلقّبه كثيرون…

العمل من أجزاء متعددة تحكم إنطلاقته موسيقى بطيئة تمهيدية بنمط حزين مرتبك لتتداخل بعدها أصوات الكورال بشكل تصاعدي تخلله إبداع فردي لأحد مغنّي الأوبرا، الذين رووا على مسامعنا واقع اليأس المحتوم…

تتوالى الفرقة الموسيقية في أداء إيقاعي يعكس مشاعر الخوف، الإرباك، مع ما يرافقه من تصوير العذاب المتملك بالإنسان من فكرة حتمية الموت، التي تقابلها مناجاة ليسوع المسيح في محطات عدة. هذا المسار هو الزاد الأساسي في إيماننا المطلق بالمسيح الذي وطىء الموت بالموت ووهب الحياة لسكان الأرض من خلال عذاباته.

أعطى هذا القداس الجنائزي، الذي حاول كسر الظلمة الحالكة في بيروت وشوارعها، بُعدا إيمانياً بالقيامة، بالنور الساطع بقيامة يسوع، بعيد الأم رمز الولادة والمرادف للتضحية، وبمجيء ربيع بيروت الذي لم يزهر بعد…

هذا القداس هو محطة تعني موزار إله الموسيقى نفسه، الذي ما زال البعض يشكك في ظروف وفاته… لكن ما هو يقين أن هذا العبقري، الذي لن يتكرر بسهولة في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية، لم يمشِ في جنازته سوى خمسة أشخاص فقط، والمبرِّر أن الجو البارد جداً منع الكثيرين من الانضمام الى وداع أحد أشهر المبدعين في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية.

إمتلأت مقاعد الكنيسة بالمستمعين، الذين جاؤوا الى هذه الحفلة الموسيقية التي تليق بلبنان الموجوع ولبنان الحقيقي، ليجددوا قوتهم بأن لبنان المحكوم بالأمل المناهض للإحباط وللإنزلاق المقلق نحو درجات سفلية لجهنم، لن تقوى عليه أبواب الحجيم التي صنعتها الطبقة الحاكمة الأنانية والمستسلمة لأهوائها وأطماعها وجشعها…