رضوان عقيل
النهار
30032018
بعدما انهت القوى السياسية والحزبية مهمة تسجيل لوائحها الـ77 في وزارة الداخلية، بدأت التفكير ليس في ما يمكن ان تحصده في الانتخابات، انما ما يمكن ان يتحقق بعد 6 أيار المقبل، وما ستحمله نتائج الاستحقاق المنتظر للمباشرة في رسم خريطة الطريق الى العهد المقبل واسم سيده. ويفكر كثيرون بهذه النقطة بدءا من اليوم، وهي لا تفارق حسابات ثلاث شخصيات: جبران باسيل وسمير جعجع وسليمان فرنجيه، وان كانت هذه العملية لا تنحصر في ايديهم، علماً ان باسيل يستبسل ليل نهار لجمع اكبر كتلة مسيحية تحت شعار “لبنان القوي” ليقول للبنانيين ويثبت لكل من يعنيه الامر “انا المستحق”، مستفيدا من علاقته الممتازة بالزعيم السني الاول الرئيس سعد الحريري وبـ”حزب الله” نتيجة ورقة تفاهمه و”التيار الوطني الحر”. ولذلك لم يكن مستغرباً لدى التدقيق في خريطة التحالفات غياب البرامج بسبب قانون الانتخاب الجديد حيث انهمكت سائر القوى في الركض نحو “لعبة العدد” وتأمين الحاصل بسبب هذا القانون “العفريت”.
واذا كانت الانتخابات في الاصل ظاهرة من الظواهر الرئيسية للديموقراطية، إلا ان التحالفات في تشكيل اللوائح المفخخة في اكثر من دائرة تحولت مادة للتندر عند المواطنين وحتى عند الحزبيين الملتزمين الذين لا يخالفون عادة ما يطلبه الزعماء منهم على قاعدة “لبيك” ! وهذا ما ثبت على ارض الواقع من جراء فوضى التحالفات في اكثر من دائرة حيث انقلب السحر على الساحر، والذي لم يسلم المسيحيون منه اولاً ولا السنّة. وحافظ الشيعة على برنامجهم المعروف لاسباب عدة تحكم طائفتهم التي تتماهى في تطلعاتها مع الثنائي “أمل” و”حزب الله”.
وتبين ان قلة تصفق لهذا القانون الذي حرم وجوهاً عدة الترشح ومنعها من استمرار العيش في المناخ البرلماني. ولا يتوانى الرئيس فؤاد السنيورة في مجالسه ان يردد في هذا الشأن ان قانون الانتخاب اول ما خدم باسيل ليصبح نائباً و”لاقصائي أنا”. لذا كان من الواضح عدم تلمّس تحالفات ثابتة عند الافرقاء المسيحيين الذين انقسموا على انفسهم ولم تتلقَ قواعدهم البرامج السياسية التي كانت تطلق سابقا، وان الهم الاساسي الذي سيطر على سائر القوى هو الحصول على اكبر عدد من المقاعد. ومن هنا لم يتعاطَ باسيل بسياسة العواطف وكانت القاعدة الحسابية الاساس عنده. واتّبع جعجع الطريقة نفسها وإن كانت الطريق امام الاول معبدة اكثر بجملة من الخيارات والعناصر المساعدة، ولا سيما ان العدد يشكل المادة الاولى في النجاح بينما التحالفات المدروسة تكون عاملا رئيسيا في القانون الاكثري.
ومن هنا أيضا لم يجتمع “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” في دائرة واحدة. ووصلت خلافاتهما الى السطح، ولا سيما ان قواعدهما لم تكن مقتنعة حتى عند توقيع “اعلان النيات” بينهما وقبل ولادة القانون الجديد بانهما سيكونان في لوائح انتخابية مشتركة على غرار النموذج الشيعي. ويرجع السبب الى الخلافات القديمة بين الطرفين، وان الأمر الذي جمعهما او أجبرهما على التلاقي كان انتخابات رئاسة الجمهورية. ولم يفتح جعجع بساط كفيه لعون لولا دخول فرنجيه على خط الرئاسة. وجاء التفاف “القوات” ردة فعل وليس فعل ايمان مطلق بمشروع عون او تثبيت مصالحة حقيقية تقوم على اقتناعات ثابتة وإن طوت صفحات طويلة من الخلافات والتراشق الاعلامي بين الطرفين، لكن اجواء التعبئة بين جمهورهما عادت الى الظهور مع اقتراب الانتخابات، لكنها تبقى في حدود السيطرة. وابلغ دليل على خلافاتهما هو انقسامهما في الحكومة وعدم وصولهما الى رؤية مشتركة، من الكهرباء الى التعيينات وصولا الى “الاستراتيجية الدفاعية”. وستظهر الانتخابات ونتائجها والتنافس المفتوح في الصحن المسيحي مساحة هذا الشرخ، وان “ورقة التفاهم” بينهما انتهى مفعولها وإن حافظا عليها في الشكل وامام اللبنانيين. ويشبّه وزير مسيحي حالهما كحال رجل وزوجته يقطنان في بيت واحد لكنهما لا ينامان في غرفة واحدة، اي بمعنى ان الطلاق حصل بينهما وإن بقيت علاقتهما على الورق. ولم يكن تعاون “القوات” وحزب الكتائب في بيروت الاولى وزحلة، الا من باب المصلحة الانتخابية، والدليل على ذلك انهما يتواجهان في المتن، اي في معقل”البشيريين” ومواجهة كل فريق منهما لائحة تحالف “التيار الوطني الحر” و”الطاشناق” والحزب القومي ورجل الاعمال سركيس سركيس.
يبقى من المبكر الحكم على القانون الجديد اذا ما خدم المسيحيين، وما يمكن ان يحصّلوه من مقاعدهم الـ 64 في انتظار ما ستفرزه صناديق الاقتراع في دوائر مساحة انتشار ناخبيهم.
radwan.aakil@annahar.com.lb