-
نبيل بو منصف
النهار
28052018كان مفترضا ان تكون تداعيات الانتخابات النيابية قد وضعت قيد الطي والاتجاه نحو الاستحقاق الحكومي على قاعدة هذه النتائج وليس على قواعد معاكسة لما احدثته في الواقع الداخلي. وبمعزل عن موقفنا الشديد السلبية مما شاب الانتخابات من عيوب بالولادة وبالقانون وبالممارسة اي بالإجراءات الانتخابية الرسمية والسياسية والشعبية سواء بسواء، لم تذهب تقديراتنا ولا تقديرات معظم الآخرين الى حدود توقع صدام او تفتق سريع ومباغت كذاك الذي تذر به راهنا مجريات شد الحبال بين “التيار الوطني الحر ” و”القوات اللبنانية” بما يتجاوز أسوأ التوقعات المسبقة او المواكبة للانتخابات. فان تندلع معركة سجالية واعلامية بين الطرفين حول مجريات ملف الكهرباء والتلزيمات او حول التحجير على التعيينات التي منع منها وزير الاعلام طوال عمر الحكومة الحالية او حول ملفات أخرى شيء، وان تشتعل المواجهة علنا وفي الكواليس السياسية شيء آخر وأخطر مختلف تماما. والحال ان خطورة الامر لا تقف عند توقيت اشتعال الاشتباك عشية انطلاق عملية تشكيل الحكومة وبعد ثلاثة أسابيع فقط من الانتخابات. فالأمر الذي يستدعي اسقاط كل عوامل التخفيف او التبرئة او التبرير في هذا الاشتباك يتصل في المقام الاول بدوافع الهجمة التي يتولاها رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل على “القوات اللبنانية” والتي لا يمكن موضوعيا تجاهل انها هي التي تسعر التوتر وتتقاطع مع خطاب العائدين من حلفاء النظام السوري الى المشهد الداخلي. لم يعد هذا التطور محصورا بتفسير تبسيطي يقول بان العداء بين التيار العوني والتيار القواتي استفاق على وقع التنافس الحاد في الانتخابات والحجم الكبير الذي ظفرت به القوات. ثمة في الاشتباك الطالع ما ينبئ باتجاه الى تغيير قسري في قواعد الحكم من خلال الخلط المنهجي بين العهد وتياره وكذلك تغيير قواعد التمثيل الحكومي. ولنقل انها محاولات متقدمة جدا في انتظار بلورة مواقف اللاعبين الذين سيكونون واقعيا الاكثر تضررا من هذه الاتجاهات في حال لم يجر وضع حد حاسم لها قبل ترسيخها كأمر واقع استقوائي. والمعني بذلك بوضوح رئيس حكومة تصريف الاعمال المكلف تأليف الحكومة “التوافقية العريضة” الجديدة التي باتت مواصفاتها المعروفة تسابق استشارات التأليف سلفا فيما هناك من يعزف على ألحان وأنغام فردية خاصة من شأنها ان سلكت طريق “القادومية” الى حيث يخطط لها المخططون ان تدخل البلاد في متاهات لا يعرف احد مدى خطورتها. الامر بهذا الحجم وليس اقل دقة لان الاستفراد بلحظة استقواء سياسية لن يبقى في إطاره الداخلي الصرف. الحكومة العتيدة التي سيشرع الرئيس سعد الحريري في تشكيلها ستكون تحت رصد خارجي غير مسبوق في حقبة احتدام الصراع الاميركي – الايراني الى ذروات بالغة الخطورة. وهو امر لا يحتمل تذاكيا ومناورات ومؤامرات لقصقصة اجنحة افرقاء وإضعافهم لمصالح محض شخصية وسياسية وحزبية لان التعطيل لمصلحة الوكيل والأصيل واللعب بصلاحيات الغير سيغدو سلاحا مدمرا هذه المرة بكل المعايير. فاحذروا متاهة تجريب المجرب المجهول المعلوم!