22-03-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”
“الفلسفة الرواقية من زينون إلى سعادة”.
محمود شريح
الدكتور #إدمون ملحم رئيس الندوة الثقافية المركزية في #الحزب السوري القومي الاجتماعي ونائب الرئيس في مؤسسة سعادة للثقافة، في جديده، حيث هو في ملبورن في أستراليا، الفلسفة الرواقية من زينون إلى سعادة [عن دار أبعاد، 2022، في240 صفحة من القطع الوسط، مع مراجع وفهرس] وصلٌ لما انقطع مع الفكر اليوناني وردُّ اعتبار الى ريادة أنطون سعادة في مكانته النهضوية في بلاد الشام، فكما كان سعادة وافداً من جبل لبنان كان زينون ناشئاً عند ساحل صور الكنعانية، وكما أسّس سعادة فكراً أرساه على المناقبيّة، عمد زينون إلى نشر مبادئ الرواقيّة المنادية بالفضيلة والحياة الروحيةِ الأخلاقية. وإن كان زينون وُلِدَ في صُور وتثقّف في أثينا، فإن سعادة غرفَ من مفكّري النهضة في جبل لبنان، وفي مقدّمتهم جبران، أحد الآحاد في تطويع المفردة العربية، ثمّ لقّح فكره بنبوغ ذاتي ودراسته فلاسفة الغرب وهو في مهجره في الأميركيتيْن، فعادَ من منفاه بمدفعيّة ثقيلة كان لها فعلُ دكِّ أنظمة الأحزاب الدينية على مدى ثلاثة أرباع قرن حتى الآن، رغم إقامته عامين فقط في موطنه.
في تقديمه الفلسفة الرواقيّة من زينون إلى سعادة يرى د. علي حميّة أن د. ملحم أسهمَ في وصف زينون ابن الثقافة السورية مُبدعاً، علماً وفكراً، في إشادة فلسفة تعبّرُ عن خطط النفسيّة السوريّة، وتندرجُ في مسار الفكر السوريّ المستقلّ عن المقاربات الإغريقية والرومانيّة، فأسّسَ د. ملحم بالتالي موقفَه على مقاربة سعادة لشقّ طريق فكر سوري جديد.
في مجال الأخلاق مجّد زينون الأخلاقية الفاضلة، كما شكّل سعادة عقيدتَه على مدماك المناقبيّة، أي القِيم الروحية ومناقب جمال الحياة وبقاء الأُمم. هنا بيتُ القصيد في مؤلّف د. ملحم، أي إن الأخلاق في عُرف مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي هي جوهرُ عقيدته القائمة على المحبّة والتسامح والعطاء والمسؤولية الأخلاقية والالتزام المناقبي.
يربطُ د. ملحم بين المبدأ الأساسي الأول من مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي القائل: “سورية للسوريين والسوريّون أمّة تامّة”، ما يجسّد فكرة المساواة بين أبناء الوطن، واعتبار فلسفة زينون المستندة إلى أنّ الناس جميعاً مُتساوون ويؤلّفون في ما بينهم “مملكة العقل”.
وفي باب الواجب يجدُ المؤلِّفُ أنّ زينون وسعاده قدّسا هذا المبدأ، ففي خطابه المنهاجي الأول في الأول من حزيران 1935 أعلن سعادة: “غَدوْنا دولة تقوم على أربع دعائم: الحريّة، الواجب، النظام، القوة، التي ترمزُ إليها أربعة أطراف الزوبعة المتمثِّلة في علَم الحزب السوري القومي الاجتماعي”. وكان زينون ألحّ في فلسفته على إعلاء مكانة الواجب، فعلاً وجوديّاً أخلاقيّاً.
وكما عزّز الرواقيّون من شأن الإرادة المعتمِدة على العقل والمُنتِجة للفضيلة والخير، رأى د. ملحم أن سعادة وجدَ في الإرادة العامّة وحدة وجود الأمّة؛ وفيما ارتأى زينون أنّ “الفكر هو جوهر الطبيعة وميزة الإنسان”، آمنَ سعادة “أنّ العقل في الإنسان هو نفسه الشّرعُ والشرع الأساسيّ”. ومن هنا تجسّدت الطبقة المتنوّرة في صفوف القوميين الاجتماعيين، أي كما رأى سعادة أنه بفضل مبادئ القومية الاجتماعية تحرّر القوميون من الأوهام التي قعدت بهم عن طلب ما هو جدير بهم.
على هذا النحو من مقاربة فكر الزعيم برواقيّة زينون أفلح د. إدمون ملحم في توثيق عُرى فلسفتيْن سوريتيْن نشأتا من خطط بلاد الشام.