سابين عويس
النهار
12052018
مع عودة الرئيس نجيب ميقاتي على رأس كتلة نيابية طرابلسية، ودخول كل من فؤاد مخزومي وفيصل كرامي وجهاد الصمد وعبد الرحيم مراد واسامة سعد وعدنان طرابلسي الى الندوة البرلمانية من باب القانون النسبي، تعالت الاصوات في صفوف خصوم زعيم “المستقبل” سعد الحريري، مشككة في زعامة الرجل، بعدما اعتبر اصحاب تلك الاصوات ان الانتخابات النيابية الاخيرة ابرزت تراجعا في شعبية الحريري تمثلت بنسبة الاقبال الضعيفة في الاقلام السنية عموما، ما اسهم في دخول منافسين اقوياء على خط نزع حصرية الزعامة من يده وتقاسم الصحن السني مع النواب الجدد، فضلا عن منازعته على رئاسة الحكومة.
يبني خصوم الحريري حملتهم على اساس ان الرجل لم يعد يملك ربما حصرية التمثيل السني للطائفة بعد دخول ميقاتي بكتلة نيابية الى المجلس، او بفعل دخول مخزومي او مراد او حتى الرئيس تمام سلام او النائب نهاد المشنوق.
ولكن هل حملة هؤلاء في محلها؟ وهل تصيب من الحريري مقتلا فتبعده عن رئاسة الحكومة، طبقا لما دأبت عليه الحملات التي كانت بدأت حتى قبل الانتخابات على لسان نائب الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم؟
ثمة أكثر من عامل يدحض تلك الحملات ولا يعطيها اي حظوظ لتتحول الى أمر واقع، على ما تقول مصادر سياسية مراقبة.
– اول هذه العوامل يكمن في ان الحريري، وإن عاد بكتلة أصغر من كتلته السابقة، فهو عاد بكتلة وازنة جدا يفوق عددها العشرين نائبا. وهذا أمر يحمل دلالات في ظل “العشرينات” التي تحدد أحجام الكتل النيابية في البرلمان. حتى كتلتا “حزب الله” او “امل” لا تصلان منفردتين الى هذا الحجم.
– صحيح أن الحريري لم يعد يتربع وحيدا على عرش الطائفة بعدما تشاركت معه بعض الشخصيات في صحن الطائفة، لكنه يبقى الزعيم الاقوى، باعتبار ان كتلته تمثل نحو 62 في المئة من نواب الطائفة (17 نائبا سنيا للمستقبل من اصل 27). وهذا كفيل في رأي المصادر بأن يضعه في مقدم المرشحين المؤهلين لتبوؤ المنصب الحكومي.
– ستكون الحكومة العتيدة محكومة بالتسوية السياسية الاساسية التي أفضت أساسا الى انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية والحريري رئيسا للحكومة. ومفاعيل هذه التسوية ستستمر بحسب المصادر، لأن أسبابها وظروفها وحيثياتها لا تزال قائمة ولم تتغير. ولا يمكن ان تنسحب على رئيس الجمهورية المستمر في منصبه او على رئيس المجلس الذي سينتخب للمرة السادسة رئيسا للمجلس، ولا تنسحب على الحريري. والسبب الوحيد الذي يمكن أن يوقف مفاعيل هذه التسوية في ما يتعلق بموقع رئاسة الحكومة يتمثل في قرار الحريري شخصيا التنحي لمصلحة شخصية قريبة، إذا رأى ان الظروف المحلية المتأثرة بالظروف الاقليمية يمكن ان ترتب الحاجة الى مثل هذا القرار.
– يحظى الحريري بدعم كتلتة النيابية اضافة الى دعم كتلة “التيار الوطني الحر”، فضلا عن دعم كتلة الرئيس نبيه بري الذي سبق أن أعلن قبل الانتخابات حتى، انه سيسمي الحريري لرئاسة الحكومة، حرصا منه على تأكيد عدم تأثر خياره هذا بنتائج الانتخابات. وعليه، فإن مجموع الاصوات التي ستشكل القاعدة التي يستند اليها الحريري ليبلغ رئاسة الحكومة، سيكون نحو 66 نائبا (28 نائبا من كتلة التيار الوطني الحر يضاف اليها 21 نائبا من كتلة المستقبل و17 نائبا من كتلة بري)، من دون احتساب اي اصوات حزبية او مستقلة اخرى، علما ان هناك عددا لا بأس به سيسميه من هؤلاء.
وبقطع النظر عن هذه العوامل التي ستحكم ظروف عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، فإن هذه العودة ستكون في كل حال محكومة بنتائج الانتخابات، والحملات التي ترمي الى عدم تسهيلها، وإفراغها من كل مقومات القوة والزعامة.
لن يكون الامر سهلا على رئيس التيار الازرق، وإن لم يكن مفاجئا. فظروف توليه حكومة العهد الاولى لم تكن افضل حتى في ظل ترؤسه لكتلة نيابية يتجاوز عدد اعضائها الـثلاثين. فهو، باستثناء حصته من الوزراء في الحكومة الثلاثينية، وعددها ستة، لم يحظ بالأكثرية او حتى بالثلث الضامن، كما انه نادرا ما ترأس جلسة لمجلس الوزراء في ظل ترؤس رئيس الجمهورية غالبية الجلسات.
لن تكون حال حكومة الحريري الثانية افضل من حال حكومته الاولى. ولعل أكثر ما سيعطل هذه الحكومة يتمثل بقرارها السياسي والاقتصادي والامني، بعدما اسقط “حزب الله” معادلة “الامن لي والاقتصاد لكم”، ليحولها الى “الامن والسياسة والاقتصاد لي، وما عليكم الا الانصياع!”
sabine.oueiss@annahar.com.lb