تنشغل الأوساط السياسية بترقب حصيلة ما ستحمله الاتصالات والمشاورات الجارية حول الاستحقاق الانتخابي، وسط توقعات وسيناريوات متفاوتة حول آفاق الجلسة التشريعية المقررة في 15 أيار المقبل، فيما البلاد تخوض جملة من الاستحقاقات والتحديات المقلقة على مختلف المستويات، وليس في الافق ما يشي بأن أي مسؤول يعي خطورتها ومحاذيرها.
بات الملف الانتخابي بمثابة ملهاة للبنانيين، بعدما تزايدت الطروحات والاقتراحات لمشاريع لا تعكس مشروعاً حقيقياً يعبر عن طموحات اللبنانيين ويعكس حسن تمثيلهم في الندوة البرلمانية. وعليه، يبقى موعد الجلسة التشريعية منتصف الشهر المقبل جاثماً على صدور غالبية القوى السياسية، تخوفا مما ستحمله تلك الجلسة من تداعيات على صورة أكثر من مسؤول، خصوصا أن السيناريو الذي يجري التفاهم عليه، من أجل الخروج من مأزق “تمديد الضرورة” وبما يحفظ صورة العهد والتزام سيده، يقضي بإقرار مشروع قانون يعتمد النسبية من حيث المبدأ، على أن ينظر في توزع الدوائر عند وضع الآليات التطبيقية للقانون.
وهكذا يذهب النواب إلى جلسة التشريع لإقرار تمديد “تقني” لستة أشهر في الحد الأدنى، تنصرف خلالها الكتل النيابية إلى وضع الآليات المطلوبة لتحويل الاطار العام للمشروع إلى قانون قابل للتطبيق. ويمكن ان تكون مدة التمديد قابلة لتمديد جديد لستة أشهر أخرى إذا إحتاج المشروع الى مزيد من الوقت لإنجازه!
هي إذا عملية إلهاء بامتياز للبنانيين، لكن المكونات السياسية لن تكون بمعزل عن تداعياتها السلبية.
فإذا كانت جلسة 15 أيار ستتناول في الحيز الاهم منها موضوع الانتخاب، قانونا أو تمديدا، فهي تلامس كذلك ملفا أساسيا يدخل في صلب أولويات اللبنانيين، بعدما أدرج رئيس المجلس ضمن جدول أعمال الجلسة ملف سلسلة الرتب والرواتب.
والمعلوم أن الجلسة التشريعية الاخيرة التي كانت خصصت للبحث في السلسلة وجدول تمويلها، كانت أقرت غالبية الاجراءات الضريبية المقترحة من الحكومة. لكن تلك الاجراءات لم تدخل حيز التنفيذ بعدما عُلقت الجلسة بسبب فقدان النصاب، وبقي محضرها مفتوحا.
والسؤال، هل يحتم انعقاد جلسة 15 أيار قفل محضر الجلسة السابقة، بحيث تنشر قراراتها في الجريدة الرسمية وتصبح نافذة؟ أو أن هذا الامر أُخذ في الاعتبار، بحيث ترفع الجلسة بعد إنجاز بند التمديد وكل ما يتصل بقانون الانتخاب (إذا وجدت أي تعديلات أو اقتراحات جديدة)، قبل الوصول إلى بند السلسلة، بحيث تُعلق السلسلة إلى موعد جديد؟
مصادر نيابية مواكبة أفادت أن الاولوية اليوم للملف الانتخابي، وما أن ينجز، يصبح في الامكان الانتقال إلى الملفات الاخرى. وللمجلس ذريعته في تأخير بت السلسلة، التي سيتم ربطها بمشروع قانون الموازنة العامة الذي أحالته الحكومة على المجلس، وأحاله رئيسه بدوره على لجنة المال والموازنة لمباشرة درسه. لكن المصادر لم تخفِ خشيتها في الوقت عينه من ردة فعل الشارع، إذا أسقط النواب النصاب وامتنعوا عن التصويت للسلسلة، علما ان العودة إلى الشارع خيار قائم، إن لم يكن بسبب السلسلة، فبسبب رفض التمديد، وهو ما كان سببا رئيسيا وراء ترحيل جلسة التشريع من الخميس الماضي إلى 15 أيار!
وثمة استحقاقات أخرى تلقي بثقلها على المشهد الداخلي ولا تقل أهمية وخطورة عن الملف الانتخابي، رغم الاستخفاف الرسمي الحاصل حيالها.
وإذا كان ملف العقوبات الاميركية الآتي لا محالة خلال فترة وجيزة على “حزب الله” ومن يدور في فلكه، يشغل الاوساط المالية والمصرفية بشكل أساسي، فإن التعامل الرسمي مع هذا الملف لا يزال دون التوقعات. والسبب أن السلطات اللبنانية لم تتبلغ إلى الآن أي معلومات رسمية في هذا الشأن، باعتبار أن الموضوع لا يزال ضمن المناقشات الجارية داخل الكونغرس الاميركي ولم يتحول المشروع الى قانون نافذ. ولكن هذا الامر لا يعفي السلطات المحلية من واجب التحرك والجهوزية لمواكبة التداعيات المرتقبة، ولا سيما أن المعلومات الواردة من واشنطن تؤكد التوجه الاميركي الحازم نحو تبني المشروع الجديد وتطبيق كل مندرجاته في إطار التضييق والتشدد في القيود على “حزب الله” وبيئته الحاضنة في الدرجة الاولى.
والتراخي الرسمي في هذا المجال ينسحب كذلك على الملفات الحياتية الأخرى في ظل السقف العالي الذي وضعه قبل يومين رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، وكان سبقه اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عندما طالب رئيس الحكومة بالتريث في عقد جلسة لمجلس الوزراء للبحث في جدول اعمال عادي، وكأن البلاد تسير طبيعيا. أما باسيل فهدد من جهته، بأن لا تمديد ولا تشريع ولا عمل حكوميا قبل بت قانون الانتخاب.
فهل يتكرر مشهد التعطيل في الفترة الفاصلة عن الخامس عشر من أيار، موعد الجلسة التشريعية؟
sabine.oueiss@annahar.com.lb