سركيس نعوم
3 شباط 2018
في المملكة العربيّة السعوديّة دين الدولة والشعب هو الإسلام وفق المنهج، كي لا نقول المذهب، الذي أسّسه الشيخ محمد بن عبد الوهّاب أحد أكثر العلماء المُسلمين راديكاليّة وتمسُّكاً بما يُسمّى “الإسلام النقي”. وفي دولة قطر الصغيرة حجماً وديموغرافيّاً بالمقارنة مع جارتها السعوديّة الإسلام الوهابيّ هو دينها ودين شعبها أيضاً. وتأكيداً لذلك أشادت مسجداً وطنيّاً مُهيباً وكبيراً اُطلقت عليه اسم مؤسِّس الوهّابيّة. وبدلاً من أن يهدّئ ذلك الفئات الأكثر تقليديّة في المجتمعين القطري والسعودي، فإنّه زاد من توتّر علاقاتهما الناتج أساساً عن اقتناع المملكة بأن “شقيقتها” الوهابيّة “الصغيرة” مُثيرة للمشكلات ومصدر إزعاج مستمرّ على حدودها، ولا سيّما بعدما تحدّت تفسيرها “التطهُّري” النقي للإسلام وسلكت نهجاً اجتماعيّاً مُنفتحاً لا يتوافق معه، وانتهجت لاحقاً سياسة مناهضة لسياسة الرياض وحليفتها أبو ظبي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كيف يُمارس القطريّون وهّابيّتهم؟
كشف التغيير الاجتماعي خلال العقدين الماضيين في قطر الفروقات الصارخة مع المملكة التي كان عاهلاها الراحلَان فهد ثم عبد الله يحاولان بقوّة إبقاء الوضع الراهن (ستاتوكو) فيها ربّما خوفاً من الذي شهدته قبل سنوات دول عدّة في المنطقة من عدم استقرار وحروب وتغييرات سياسيّة وجغرافيّة واجتماعيّة، وتحديداً خوفاً من المُطالبة بالحريّة الواسعة والشفافيّة والمحاسبة. وفي هذا المجال يقول باحث آسيوي جدّي ومُتابع أن “المحافظة” (مقاومة التجديد) القطريّة لم تكن صورة مُطابقة لـ”المحافظة” السعوديّة رغم وهّابيّتهما. فقطر لم تكن فيها مؤسّسة دينيّة قويّة قادرة على فرض تطبيق القواعد الاجتماعيّة المُحافظة جدّاً. كما أنها لم تُطبّق فصلاً بين النساء والرجال. وغير المُسلمين كانوا قادرين على مُمارسة شعائرهم الدينيّة في بيوت العبادة الخاصّة بهم، كما كانوا معفيّين من حظر الكحول. وأصبحت قطر بعد ذلك عرّابة للفنون فاستضافت مهرجانات سينمائيّة، وأسّست تلفزيون “الجزيرة” الذي شابهت برامجه وأخباره وتعليقاته واستضافاته تلفزيونات الدول الليبراليّة سواء في السياسة أو في الحياة الاجتماعيّة. ويبدو، استناداً إليه، أن جذور المقاربة المختلفة للوهابيّة موجودة عميقاً في “الحمض النووي” (” دي إن آي” ) لدولة قطر، إذ كانت مُصمَّمة منذ تأسيسها على عدم منافسة السعوديّة في تقاليدها المحافظة والانطلاق في إصلاحات مُتدرّجة مُشابهة للّتي يحاول منذ مدّة قريبة وليّ عهدها الأمير محمد بن سلمان تطبيقها في بلاده. وانطلاقاً من ذلك يَحلو للقطريّين إن يميّزوا في جلساتهم الخاصّة وعلى نحو شبه مستتر بين “وهابيّة البحر” التي يعتنقون ويُمارسون، و”وهابيّة البرّ” أو الصحراء التي تمارسها المملكة. وفي المجال نفسه يعتقد عدد من علماء السياسة وخبرائها أن لقطر طابعاً “علمانيّاً” شبيهاً إلى حدٍّ ما بتركيا ومُتناقضاً مع السعوديّة. ويعزون ذلك إلى عدم وجود سلك شرعي من علماء الدين فيها، وإلى كون الوهّابيّة في رأي قطر فرصة وتهديداً في الوقت نفسه. فرصة لممارسة إسلام نقيّ وتهديد إذا استعملته المملكة للسيطرة عليها. فضلاً عن أن إنشاء سلك كالمُشار إليه يفترض الاستعانة بالسعوديّة ومؤسّستها الدينيّة، وفي ذلك كل الخطر عليها. إلى ذلك كُلِّه ليس في قطر عائلات “تنتج” علماء دين، وهي تستعيض عنهم بالمهاجرين إليها من دول إسلاميّة وعربيّة (غير المملكة طبعاً). وليس فيها مفتٍ أكبر، واكتفت بإنشاء وزارة الشؤون الدينيّة والأوقاف بعد 22 سنة من نيلها الاستقلال. ويفترض الباحث نفسه أن حال قطر المشروحة أعلاه يُفترض أن تجعل من رئيسها تميم بن حمد آل ثاني ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان والإثنان في الثلاثينات سنّاً، حليفَيْن طبيعيَّيْن. لكنّهما ليسا كذلك بسبب الاختلافات الأساسيّة في وجهات نظرهما المتعلّقة بـ”الجغرافيا السياسيّة” ومكانة دولة كل منهما في الاقليم والعالم. والأكثر خطورة في هذا المجال هو تحوّلهما عدوَّين وخصوصاً بعدما قادت المملكة ودولة الامارات العربيّة المتّحدة حملة مطالبة قطر بتنفيذ شروط عدّة اعتبرتها ماسّة بسيادتها، تحوّلت لاحقاً حملة مقاطعة لها بعد رفضها التنفيذ. ودافعها إلى ذلك كان اقتناعها بأن التجاوب والاستجابة هما إذعان، إذ يضعانها تحت الوصاية الثنائيّة للرياض وأبو ظبي. ورغم ذلك فإن الجهود التي يبذلها وليّ العهد بن سلمان لإصلاح بلاده بخطّته الرامية إلى صدّ أو تخفيف القيود عن الناس ترمي عمليّاً إلى أن تكون نسخة قريبة من “الوهابيّة القطريّة”، علماً أنه من المُستبعد أن يعترف بذلك.