
أن تحاول استعادة الزمن فعلياً، فهذا أمر مخالف للواقع والمنطق ولن يحدث إلا في الخيال، ولكن في مقدورك أن تحتفظ بعبق الماضي إذا تجسد في شيء مادي. كذلك فعل صاحب المحل الأقدم والأخير لصناعة الطرابيش في مصر أحمد الطرابيشي، حين سعى جاهداً إلى الحفاظ على طقس اعتمار الطرابيش وما زال يقاوم محاولات اندثار المهنة التي شهدت أزهى عصورها في العهد الملكي.
في أحد أحياء منطقة الغورية الأثرية في وسط القاهرة الفاطمية، يقع محل الطرابيشي الذي تعود شهرته إلى العام 1835، إذ كانت تتردد إليه الشخصيات المهمة في الدولة من الطبقات الاجتماعية المختلفة لشراء غطاء الرأس الأحمر باعتباره من أساسيات الزي في تلك الفترة ورمزاً للوقار والمكانة الاجتماعية.
«الحياة» زارت ورشة أحمد الطرابيشي التي لا تتجاوز مساحتها أمتاراً قليلة، واطلعت على مراحل صناعة الطربوش المعروف بلونه الأحمر وسط حركة بهلونية للعاملين على ماكينات معدنية بدائية تمتاز بالخفة وسرعة الإنجاز للموروث التاريخي الذي أوشك على الاندثار.
يقول حفيد مؤسس صناعة الطرابيش عماد الطرابيشي إن المحل من أقدم محلات صناعة الطرابيش في مصر والعالم العربي منذ أن نقل أحد أجداده المهنة عن العثمانيين بعد عودته من تركيا قبل 190 سنة وكان للمحل فروع عدة في كل المحافظات المصرية، وكان مقصد الملوك في الفترة الملكية وتردد عليه الملك فاروق والنقراشي باشا وأحمد ماهر باشا «وما زلنا محتفظين بالصندوق الملكي لطربوش الملك فاروق وبداخله طربوشه الأخير محتفظاً بمظهره الجديد اللامع دون تـأثيره بعوامل الزمن». ويضيف: «استمرار العمل في هذه المهنة يرجع إلى تردد الدعاة والأئمة إلى شراء الطربوش والعمة وأيضاً حاجة المسلسلات التاريخية إلى ذلك النوع من الأغطية التي تدل على الحقبة التي كانت تلتزمه كمكون أساسي للزي، مثل مسلسلات الجماعة وواحة الغروب والضاحك الباكي وباب الحارة». ويشير إلى «أن الخامات التي يصنع منها الطربوش يجري استيرادها من بلدان».