الرئيسية / مقالات / الطاغية محبوب وشعبه محسود

الطاغية محبوب وشعبه محسود

 


مالك التريكي
Apr 14, 2018
القدس العربي

أطرف ما رأيت من التعليقات حول نسبة 97 بالمائة التي مدّدت عمر الحاكم في مصر مقطع في برنامج منوعات على القناة الفرنسية الثانية يصور تهليل الناس وسعادتهم الغامرة بفوز محبوب الجماهير. ولكن رغم أن اللافتات مكتوبة بالعربية ورغم أن المستجوبين في الشوارع هم من المصريين، فإن الصور التي كانت تملأ كل مكان ليست صور عبد الفتاح السيسي، وإنما هي صور الممثلة النمساوية الشهيرة الراحلة رومي شنايدر!!
فما هو وجه العلاقة بين «المشير بإصبعه إلى البعيد»، كما سماه أحد التويتريّين، وبين الممثلة النادرة المثال والفائقة الجمال؟ القصة أن رومي شنايدر تقمصت دور البطولة من عام 1955 حتى 1957 في ثلاثية سينمائية تروي سيرة الامبراطورة النمساوية اليزابيث التي توجت عام 1854، وأن «سيسي» هو عنوان الفيلم الأول في الثلاثية. ذلك أن «سيسي» هي كنية التحبّب التي كانت تنادى بها اليزابيث، وهي بعد أميرة يافعة.
ويتمثل المقطع الطريف ـ الذي تصدرته عبارة:»هذه باروديا: محاكاة تهكّمية ساخرة» ـ في مونتاج ركّبت فيه صور من الشارع المصري مع لقطات من الفيلم النمساوي، بحيث بدا كأن المصريين لا يهللون لفوز السيسي، وإنما لتتويج سيسي (رومي شنايدر) حاكمة بأمر الحق الإلهي. وتظهر في المقطع صاحبة محل تجاري في القاهرة تقول إن الطلب على صور السيسي مستمر منذ 30 حزيران/يونيو 2013، وإنه قد نفد كل ما لديها من قمصان تحمل صوره. وبالطبع كانت الصور المعروضة هي صور سيسي النمساوية! وقد بث المقطع في شكل تقرير إخباري جاد، قدم له المذيع بالقول إن النتيجة كانت «مدوخة»، ولكنها تثبت أن «الطغاة محبوبون جدا في بلدانهم». أما التقرير فقد ذكر أن تمكّن السيسي من الفوز أمام «منافس» من أتباعه (!) قد لاقى استحسانا واسعا، بل إنه أبهر أساتذة العلوم السياسية! وترافقت هذه الفقرة مع لقطات من الفيلم تصور أفرادا من الطبقة الأرستقراطية النمساوية يهتفون وينزعون قبعاتهم إجلالا للامبراطورة اليزابيث وهي تطوف، بعد حفل التتويج، على متن عربة مذهبة في شوارع فيينا.
ولو كان منتجو البرنامج التلفزيوني الفرنسي يعرفون إسمهان وشدوها عن «ليالي الأنس في فيينا» لربما كانوا اهتدوا إلى أنسب شبه عربي برومي شنايدر. ولكنّ لعدم التخصص طرائفه أيضا: إذ لمّا كان المطلوب هو تركيب لقطات من الفيلم على صور من الشارع المصري تتضمن كتابات عربية، فقد تمثلت اللقطة الختامية في صورة ضخمة لرومي شنايدر/السيسي تعلوها عبارة: «تجار الأدوات الكهربائية بالأوبرا»….!
ومن عجب أن المذيع قال في التقديم إن النسبة التي فاز بها السيسي «نسبة بوتينية». وهذا، كما ترون، تجنّ سافر على بوتين المسكين. فالحكام عندنا أرسخ منه في نسب الفوز الفلكية لأنهم لم يكتسبوا هذا الفن بالتعلّم بل أوتوه بمحض السليقة. ولكن القضية الأعم التي اهتم بها الإعلام الغربي أخيرا هي الأهم: إنها قضية تصاعد أنظمة الحكم اللاّ ـ ليبرالية التي تحب «اللعب الديمقراطي» طالما أنه يضفي شرعية شكلية على اعتباطية التسلط الفردي. والأمثلة كثيرة من قلب أوروبا: فوز فيكتور أوربان الأسبوع الماضي في المجر بفضل حملة انتخابية ذات قضية وحيدة: التخويف من جحافل اللاجئين والمهاجرين في بلاد يكاد ينعدم فيها اللاجئون والمهاجرون!؛ وتفاقم النزعة التسلطية لدى حكومة «حزب القانون والعدالة» اليمينية المتطرفة في بولندا؛ وفوز حزب الوسط الموالي لروسيا في انتخابات أستونيا؛ وفوز الرئيسين إيغور دودون في مولدافيا ورومن راديف في بلغاريا، وكلاهما معروفان بولائهما لروسيا.
والجميل عند أوربان، الذي تشمل إنجازاته «تطهير» المجر من وسائل الإعلام المستقلة، أنه كان مناهضا شرسا للاتحاد السوفييتي، أما اليوم فإنه لا يني يعلن إعجابه ببوتين وأسلوبه في الحكم. كما أنه حظي في الماضي بمنحة سخية من مؤسسة جورج سوروس الخيرية لمواصلة دراسته الجامعية في بريطانيا. أما اليوم فإنه يتهم سوروس (المجري الأصل) بأنه متواطىء مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بغرض تذويب هوية الأمة المجرية. كيف؟ بإغراقها في بحر بشري من الأغراب الذين لا يدينون بالمسيحية.

٭ كاتب تونسي

اضف رد