ومع اقتراب موعد الانتخابات
الرئاسية للعام 2018 بمصر، تبدو هذه الكتلة التي تقدرها قيادات صوفية بنحو 15 مليون عضو، ينتمون لـ76 طريقة صوفية متباينة، مغرية لأي مرشح ينوي المشاركة في الاستحقاق الرئاسي الذي من المقرر أن ينطلق بداية من شهر شباط المقبل. وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، التقى مشايخ هذه الطرق خلال انتخابات العام 2014، وقد نال دعمهم وأصوات نسبة من مؤيديهم، لكن الأوضاع السياسية في 2018 تختلف كثيرا عما كان عليه الحال في 2014.
مبالغة في حجمهم
يقول الدكتور عمرو أبو الفضل، عضو المجلس التنفيذي لـ”مركز الجمهورية للدراسات السياسية والأمنية” في حديثه لـ”النهار”: “من المهم القول إن هناك مبالغات حول الصوفية، بداية من الزعم أن عدد أتباعها يتجاوز 15 مليون صوفي، فهم على أحسن تقدير بين 8 و 10 ملايين، وأيضا حول المبالغة في وزنهم وقدرتهم على التأثير والمشاركة في المشهد السياسي”.
وأوضح أنه “تاريخياً كان يتم استخدامهم بطريقة غير مباشرة في حملات التأييد في فعاليات الانتخابات المختلفة سواء الشورى أو الشعب أو الرئاسية، ولم يسمح لهم بالانخراط في السياسة، مقابل السماح لهم بالتحرك على مستوى فعاليات الموالد الشعبية، ورعاية الأضرحة وتحقيق مكاسب خاصة. ومن ناحية أخرى، كانت لبعض البيوت ومشايخ الصوفية مشاركة في الحياة السياسية، وحرص على خوض الانتخابات البرلمانية والمحليات في الصعيد والأرياف، والفوز بمقاعد البرلمان، منهم مشايخ الطريقة الهاشمية الشاذلية، والخلوتية، وشيخ الطريقة الخلوتية العيونية، وبيت الشريف وغيرهم”.
ويتذكر أبو الفضل “الإعلانات التي أطلقها بعض مشايخ الصوفية للتعبير عن تأييدهم لترشح جمال مبارك خلفا لوالده (الرئيس الأسبق حسني مبارك)، مما افقدهم الكثير من المصداقية في الشارع السياسي”. موضحا أن “هذا الدور تزايد بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وكان هناك محاولات لتشكيل أحزاب مثل تجربة الطريقة العزمية في تأسيس (حزب التحرير)، وأيضاً محاولة السادة الرفاعية لتأسيس (حزب صوت الحرية)، وانخرط بعضها في الأحزاب المختلفة”.
ويقول الباحث المتخصص في الإسلام السياسي إن الصوفيين “شكلوا ائتلافا على غرار ائتلافات شباب الثورة. وأيضاً، شاركوا في التظاهرات المليونية بميدان التحرير، وغيرها من الميادين، وكان هدفهم التأثير في المعادلة السياسية وموازين القوى، واحتلال مساحة في المشهد السياسي بجوار التيارات السلفية وجماعة (الإخوان المسلمين) وربما أرادوا إرسال رسالة مفادها أنهم يملكون القدرة على الحشد والمناورة والمشاركة ويستحقون جزء من الكعكة السياسية”.
ويضيف أبو الفضل: “نزل بعضهم على قوائم بعض الأحزاب في انتخابات مجلس الشعب، وأعلن بعضهم عن مواقف وانحيازات خلال الانتخابات الرئاسية لكن قلة خبرتهم والحسابات السياسية الخطأ، والتناحر مع السلفيين، وفيما بينهم، والاختلافات بين الطرق وتبادل الاتهامات، والتشهير والرمي بالتشيع، واشتعال أزمتهم حول تعديل القانون 118 لسنة 1976 الخاص بتنظيم الطرق الصوفية، ومطالبة بعضهم بوضع ضوابط علمية وشرعية لاختيار مشايخ الطرق الصوفية، كل هذا آثر بالسلب على مكانتهم في الشارع ودورهم الدعوي والاجتماعي”.
الصوفية والسياسة
ويقول أسامة عبد الهادي، المتخصص في شؤون الحركات الصوفية لـ”النهار”: “في الطرق الصوفية توجد علاقة ما بين المريد وشيخه، فيما يخص الأوراد والأذكار، ودور الشيخ هو أن يدل المريد على الطريق إلى الله. الأمر يتعلق بأمور دينية بحتة”. مضيفاً: “بقي هذا الوضع حتى سنة 1976 حين بدأ الرئيس المصري الراحل أنور السادات، استغلال الطرق الصوفية إلى جانب الحركات الإسلامية الأخرى في مواجهة الحركات اليسارية والشيوعية المعارضة لحكمه. وتم استغلالهم سياسيا أيضا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك لدعم مرشحي (الحزب الوطني الديمقراطي) الحاكم حينها”.
ويروي المتخصص في الحركات الصوفية أنه “في 2011 وجد الصوفيون أنفسهم بعيدين عن السياسة مقارنة بـ(الاخوان) وبعض الحركات الإسلامية الأخرى، التي أسست أحزابا سياسية بعد الثورة، وفكرت بعض القيادات الصوفية في تأسيس أحزاب تمثلهم، لكن التيار المحافظ، وهو الغالب، كان رافضا للدخول إلى عالم السياسة، لأنه يعتبرها (مفسدة)، وخلال الثورة، نزل شباب الصوفية إلى الميادين، وحينها ضغطوا على المشايخ لتأسيس حزب، وبدأ تظهر جبهة لمشايخ أطلقوا على أنفسهم جبهة إصلاح الطرق الصوفية، وتم تأسيس حزب اسمه (التحرير المصري)، وقد فشل فشلا ذريعا في الانتخابات البرلمانية للعام 2012، التي اكتسحها الإخوان وحلفائهم السلفيون، لأنه لم يكن لدى الصوفيين خبرة في خوض المعارك الانتخابية بأنفسهم”.
وأشار المهدي إلى أنه بعد بروز هذه الكتلة الضخمة: “خطب ودهم المرشحون الرئاسيون الانتخابات الرئاسية للعام 2012، وكانوا حينها: حمدين صباحي، وعبدالمنعم أبو الفتوح، وحتى مرسي -مرشح (الإخوان)- ذهب إليهم، فتفتت أصواتهم بين المرشحين. وفي جولة الإعادة، بين مرشح الجماعة التي تشكل عدوا تقليديا لهم، في مواجهة الفريق أحمد شفيق، الذي كان ينظر إليه على أنه جزء من نظام مبارك، قرروا دعم شفيق، وشاهدنا حينها ندوات ومؤتمرات وخطابات جماهيرية حاشدة، وأتوبيسات تتحرك مكتظة بالمؤيدين، وظهر حينها حضور سياسي غير مسبوق للصوفية”.
وعن تظاهرات 30 يونيو 2013 الداعية لإسقاط مرسي، يقول المهدي “إنهم شاركوا فيها بكثافة، وفي انتخابات 2014 حشد الصوفيون لدعم المرشح الرئاسي حينها عبدالفتاح السيسي، وكان حشدهم مؤثرا، نظرا لأنهم استغلوا الزخم الذي خلفته تظاهرات 30 يونيو، لكن بعد ذلك عاد الصوفيون إلى محرابهم، وابتعدوا عن السياسة، ولم يعد لهم نشاط سياسي يذكر، سوى وجود بعض القيادات في البرلمان الحالي فقط”.
فقاعة سياسية
بدأت قيادات صوفية في إعلان تأييدها للرئيس السيسي، الذي لم يفصح بعد عن نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية المرتقبة العام المقبل، ونظمت “جبهة الإصلاح الصوفية” والطريقة “الشبراوية” -وهي إحدى الطرق المؤثرة والتي تحظى بعدد كبير من المريدين-، قبل أيام، مؤتمراً للإعلان عن بداية تحركهم لدعم السيسي في الاستحقاق الرئاسي المنتظر. ويأتي هذا المؤتمر كأول فاعلية صوفية لدعم المرشح الرئاسي المحتمل والأوفر حظا في الفوز، خاصة وأنه لم تعلن أي شخصية ذات وزن سياسي نيتها الترشح.
واللافت أن المؤتمر يتزامن مع احتفال أبناء الطرق الصوفية، بمولد الشيخ عمرو الشبراوى.
وأكد باحثون متخصصون لـ”النهار” أن قيادات الصوفية تستغل الموالد والمناسبات الدينية التي تشهد إقبال أعداد كبيرة من المريدين، ويقيمون سرادقات تتشابه مع السرادقات التي اعتاد الصوفيون ارتيادها في الموالد، وبعد دخولهم إليها يتم تصويرهم، وتسويقها على أنها مؤتمرات حاشدة للتأييد السياسي لمرشح معين، أو لغرض سياسي ما.
ويراهن بعض المتخصصين أنه لو قررت تلك القيادات أن تعقد مؤتمرا في غير مواعيد الموالد التي يتدفق إليها ملايين الصوفيين كل عام، فلن يشارك في مؤتمراتهم 100 شخص على أفضل تقدير. وهذا الرهان، وما يؤكده بعض أتباع الطرق الصوفية الرافضين للانغماس في السياسة، يكشف عن أن الصوفية لها قوة روحية تجذب ملايين الأتباع المخلصين، لكنها على الجانب الآخر، المتعلق بالسياسة، ما هي إلا فقاعة سياسية، ينفخ بها بعض المشايخ الذين يبحثون عن مكاسب شخصية وقبلية.