الرئيسية / home slide / “السيونيزم” وثيقة سطّرها محمد روحي الخالدي قبل قرن وعقد

“السيونيزم” وثيقة سطّرها محمد روحي الخالدي قبل قرن وعقد

06-07-2021 | 00:00 المصدر: النهار

“السيونيزم” وثيقة سطّرها محمد روحي الخالدي قبل قرن وعقد

محمود شريح

وأخيرًا، وبعد قرابة قرن وعقد، على كتابتها، تظهر هذه الوثيقة إلى النور؛ سطّرها #محمد روحي الخالدي (1864-1913) المقدسي خريج استانبول وباريس، قنصل الدولة العثمانية في مدينة بوردو الفرنسيّة، نائب القدس في البرلمان العثماني، وهي أول دراسة علمية بالعربية عن الصهيونية. إنها #السيونيزم أي المسألة الصهيونية يحرّرها الآن ويقدّم لها الدكتور وليد الخالدي، طال عمره، مواليد القدس 1925، الهانىء أستاذ شرف في جامعة هارڤرد، سليل الدوحة الخالدية، فيصدرها مطلع العام عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت والمكتبة الخالدية في القدس، في 198 صفحة من القطع الكبير وغلاف أنيق يزيّنه رسم محمد روحي الخالدي في شبابه. 

 عثر الدكتور وليد الخالدي على مخطوط هذه الوثيقة بين ما تركه من أوراق والده المربّي العلامة أحمد سامح الخالدي قريب محمد روحي الخالدي. يشير وليد الخالدي إلى أنه خلال كتابة محمد روحي الخالدي لرسالته هذه عن الصهيونية أصدر الصحافي الفلسطيني اللبناني نجيب نصّار صاحب جريدة “الكرمل” المولود في عين عنوب في جبل لبنان رسالة عنوانها الصهيونية، ويؤكّد  وليد الخالدي في هذا السياق أن محمد روحي الخالدي اعتمد على رسالة نصّار كونها مقالة ترجمها نصّار نفسه خريج الكليّة الإنجيلية السورية (الأميركية هنا لاحقًا) عن الموسوعة اليهودية، وها حان وقت نشر مخطوط الخالدي السيونيزم تتويجًا لجهود مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت التي أسّسها ولا زال يرعاها د. وليد الخالدي منذ 1963.

 هذا المخطوط ينهض على ثلاث شعب. أوّلها مقدمة تسبر غور الصهيونية الدينية وعلاقة اليهود بالأمم الوثنية والمسيحية، إلى علاقتهم بالعرب قبل الإسلام وبعده بالممالك الإسلامية وصولًا إلى الدولة العثمانية، فيما ثانيها مقتبس من الموسوعة اليهودية بإيجاز أو مما ترجمه نصّار، وتتخلّله خواطر وتعليقات من وحي الموسوعة هي فقرات للخالدي، فيما ثالث الشعب كلّه من تأليفه ويعنى جلّه بالمستعمرات اليهودية وبتحقيقات الخالدي الميدانية في شأنها.

  يدرك صاحب السيونيزم عمق الجذور الدينية للصهيونية القديمة والحديثة لكنّه يميّز بين اليهودية والصهيونية، أي التمييز القاطع ومفتاح فهم نظرة الخالدي إلى حقيقة الصهيونية، ذلك أنه رأى الصهيونية نابعة عن المعتقد المذهبي التوراتي والأدب العبراني في القرون الوسطى، إلا أنها بصورتها المعاصرة تحريض اليهود على الرجوع إلى فلسطين وحصر السعادة الدينية والدنيوية في امتلاك صهيون أي الجبل عليه قلعة القدس وقبر داود بن سليمان ويُطلق تعميمًا على مدينة القدس الشريف وما حولها والحكم فيها، فيدحض الخالدي دعوى هرتسل في كتابه الدولة اليهودية ومؤتمر بازل الأول (1897) الرامي إلى إذاعة الحركة الصهيونية وإشهارها و”إيجاد وطن للشعب اليهودي في فلسطين مؤمّن تأمينًا عموميًا شرعية”. 

 ويفرد روحي الخالدي فُسحة للقاء هيرتسل بالسلطان عبد الحميد إذ وصل هيرتسل إلى الآستانة عام 1901 وحاول إقناع السلطان بمنح يهود الدولة العثمانية حقّ الحكم الذاتي لكن عبد الحميد لم يعره آذانًا صاغية.

 ثمّ يتوسّع صاحب السيونيزم في سرد تفاصيل التمدّد الصهيوني في فلسطين، فإضافة إلى عقد المؤتمرات وبناء المستوطنات عمدت الحركة الصهيونية إلى تأسيس مرافق لها في فلسطين مثل البنك اليهودي الاستعماري والبنك اليهودي الملّي والجمعيات والصحف والأحزاب والمدارس والشركات.
على هذا النحو جاء روحي الخالدي المعتدّ بعروبته وعثمانيته وولائه للخلافة الإسلامية بوثيقة تكشف عن الجذور التوراتية والتلمودية للحركة الصهيونية، فنبّه على خطورة أهدافها وأطماعها في فلسطين والدول المجاورة لها، ورأى في استعادة الدستور العثماني عام 1908 بداية عهد عثماني جديد قادر على التصدّي للنشاط الصهيوني في فلسطين، إلا أنه لم يكن في حسبانه إعلان بعض العرب الجهاد ضد خليفتهم وان تنحاز بريطانيا وفرنسة إلى جانب الحركة الصهيونية وتتقاسم دنيا العرب فيما بينها.

  بإخراجه هذه الوثيقة إلى النور يكون د. وليد الخالدي حقّق ما كانت تصبو إليه المكتبة الفلسطينية العربية من سدّ فراغ فيها كان لا بُدّ له من سدّ.