
- مجد بو مجاهد
- المصدر: “النهار”
- 28 نيسان 2020 | 20:36

السنيورة. (من أرشيف “النهار”)
دقّت ساعة التأهب السياسي، وآن أوان التصدي لما تحيكه الحكومة من مخططات لا خطط، وفي وقت انتهت فيه فترة السماح في مقاربة قوى وأقطاب سياسية عدة. وتتراقص عقارب الساعة في وقت يُنتظر أن يصدر بيان عن رؤساء الحكومات السابقين الأربعة في غضون ساعات يحدّد فيه مسار المرحلة المقبلة. وإذ بالرئيس فؤاد السنيورة يستقي من مشاهد البلاد المريضة عيّنات، فيستخدم ما يشاهده محاولاً تفكيك الشيفرة وصناعة لقاح واكتشاف تركيبة الأدوية المناسبة لجائحة “الكورونا” السياسية.
وعندما تسأله “النهار” عن مقاربته، يقول إن “الوضع الذي نعيشه يعكس انحساراً كاملاً للثقة ليس بالدولة فحسب، بل برئيس الجمهورية والحكومة والطاقم السياسي ومجلس النواب. وقد نتج انحسار الثقة عند الناس بطرق مختلفة – وقد عبّر عن نفسه في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية- عن تراكمات وصعوبة القيام بالإصلاحات التي كان لا بدّ أن تحصل وتراكمت على مدى سنوات. وعندما جرى الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع عام 2011، انعكس ذلك مباشرة انحساراً كاملاً على مستويات النمو الاقتصادي حتى وصل سنة 2018 إلى مستويات دنيا وصولاً إلى النموّ السلبي سنة 2019 و2020، في ظلّ عجز كبير في الخزينة والموازنة، إضافةً إلى ما طرأ من عجز في ميزان المدفوعات”.
تراكمت هذه العوامل، في رأي السنيورة، كما يتراكم العبء على الجَمَل الذي يحمل حملاً يفوق قدرته، ما أدّى إلى وصول الأمور إلى ما آلت إليه. وأصبحت البلاد كالمريض الذي يعاني من اشتراكات ولا بد من أن يقتنع أوّلاً بأنه مريض، وأن لا بدّ من الذهاب إلى المستشفى، وأن هناك مستشفى معيّناً يجب أن يقصده، وأن يأخذ الوصفة من الطبيب الذي سيعاينه، وأن يستخدم الوصفة، وأن يداوم عليها. وتضمّ الوصفة أربعة أنواع أدوية مالية ونقدية وقطاعية وإدارية، ولكنها غير كافية لوحدها، ولا بد من تناول الأدوية السياسية، وعلى العهد أن يعود إلى الأصول ويقول إنه ملتزم باتفاق الطائف والدستور.
ويشبّه ما يحصل اليوم في لبنان بمن يريد أن يقود السيارة وينظر إلى الخلف عبر المرآة، لكن النظر الدائم إلى المرآة يؤدي إلى الاصطدام بالجدران. ولا بدّ إذاً من العودة إلى الطريق الواسع المتمثل بأحكام الدستور وأحكام اتفاق الطائف في ظلّ نظام قائم على توازن السلطات وفصلها وتعاونها. ويرى السنيورة أن هناك من لم يدرك هذا الطريق وعليه احترام مصلحة الدولة واستقلالية القضاء والكفاية والجدارة في التعيينات. وهنا يذكّر بقانون قدّمه في أيار 2006 لإخضاع جميع حسابات الدولة اللبنانية وماليتها العامة وإداراتها للتدقيق المحاسبيّ. ويشدّد على ضرورة احترام الشرعية العربية والدولية في وقت تنتج فيه الأزمات عن عدم احترام الشرعية اللبنانية والعربية والدولية.
في مقاربة السنيورة أيضاً، “لا العهد أمامه وقت، ولا الدولة ولا الحكومة ولا لبنان، ونحن نتحدّث اليوم خارج الوقت”، مشيراً إلى أنه “لا يزال أمام رئيس الجمهورية ميشال عون فرصة أخيرة عبر التأكيد للشعب بأنه سيحترم القانون والدستور ليس فقط كلامياً، بل لا بدّ من أن يراه الناس يحترم الدستور. لم يعد الكلام مجدياً، وليس هذا هو الاتجاه القائم، بل يفعلون ما هو كلياً خارج الدرب. ويُترجم احترام الدستور عبر التوقيع على التشكيلات القضائية، وتنفيذ قانون الطيران المدني والاتصالات، والتحدث مع الصندوق العربي لحلّ أزمة الكهرباء… وهذه مجرّد أمثلة حول القرارات التي لا بدّ من أن تتخذ”.
وماذا عن سلاح “حزب الله” في وقت يقال إن الحزب وصل إلى ذروة سيطرته وإطباقه على الدولة؟ هل حان وقت للحديث عن السلاح؟ يحكي السنيورة قصّة في الإجابة على السؤال، فيقول: “هناك أحد الأشخاص الذي ارتكب جريمة وثبتت التهمة عليه، فعرض عليه القاضي ثلاثة أنواع من العقوبات ليختار في ما بينها. فإما أن يدفع مئة ليرة من الذهب، وإما أن يقبل بأن يُجلد مئة جلدة، أو أن يأكل مئة قرن من الحرّ. فاختار أن يأكل الحرّ، وعندما أكل ثمانين قرناً لم يستطع أن يكمل، فطلب أن يجلد، وعندما جُلد ستين جلدة قرّر أن يدفع ذهباً… ونحن الآن لا نزال في قرن الحرّ الأوّل”. ويضيف: “في رأيي، على الجميع أن يقيس حملاته وليست المشكلة في أن حزب الله وجماعته أقوياء، وأنا لا أقول إنّهم ضعفاء، ولكنّهم أضعف بكثير مما يبدون عليه”.
يترقب الميدان السياسي تطورات مهمة ستشهدها البلاد في الأيام المقبلة، إذ يبدو أن المواجهة السياسية إلى احتدام، والوجهة الاولى ستكون الحكومة. وقد علمت “النهار” بأن قرار المواجهة السلمية قد اتخذ من أكثر من فريق سياسي، وستكون المواجهة تحت سقف القانون والسلم الأهلي، وتندرج في إطار التحرّكات السلمية في ظل تواصل مستمر وتنسيق كامل بين أقطاب سياسيين وعلى رأسهم الحزب التقدمي الاشتراكي و”تيار المستقبل”، فضلاً عن تواصل يصفه مقربون من الحريري بالجيّد بين “المستقبل” و”القوات اللبنانية”. وعلم أن قرار التحرك اتُخذ نتيجة معلومات متوافرة لدى المعنيين بأن الحكومة والعهد يعملان على انقلاب كامل وبكلّ ما للكلمة من معنى. ويعوّل المعنيون على تواصل أوسع وتنسيق أكبر في المرحلة المقبلة في وقت ينزل فيه الناس إلى الشوارع بسبب الجوع، في حين فريق السلطة يرمي الطابة عند الآخرين.