- سابين عويس
- 12 أيلول 2019 | 00:03
النهار

لا يخفي الرئيس فؤاد السنيورة خشيته ألا تكون المعالجات الجارية للمشاكل الاقتصادية والمالية التي بلغتها البلاد على مستوى تلك المشاكل وحجمها وعمقها بعدما تم تخطي النقطة التي تعتبر هذه الاجراءات فيها، كافية، وباتت الحاجة الى علاج سياسي. في الموازاة، لا يخفي قلقه من غياب التوازن الداخلي والقفز للعب على الميزان الخارجي بما يضع لبنان في ممر الأفيال، مع ما يرتبه ذلك من انعكاسات خطيرة على تماسكه الداخلي واستقراره السياسي والامني.
في جلسة مع صحافيين، يختار السنيورة تعابيره بدقة لئلا يقع في محظور ما يشعر به ولا يمكن التعبير عنه. خوفه يتوزع على محاور ثلاثة تشكل في رأيه مجموعة المخاطر الاساسية التي تواجه البلاد اليوم. وفي رأيه، كلما يتقدم المرء خطوة الى الأمام، يشعر بأنه يقدم نحو الخطر، ويكتشف ان المشكلات التي تعانيها البلاد أعمق بكثير من محاولات احتوائها، ويسري على توصيفها أنها حالة من يبحث في المكان الغلط. أول تلك المخاطر اقتصادية ومالية، في ظل عجز الموازنة المتنامي نتيجة كتلة الرواتب، وخدمة الدين والكهرباء، والعجز في ميزان المدفوعات، وتراجع النمو الاقتصادي. يؤمن السنيورة بأننا في حاجة الى أن نثبت أننا جديون ونتصرف بمسؤولية.
ثاني تلك المخاطر، الخطاب التهريجي الذي يزيد احتقان البلاد، ولا أحد بريء منه. ويظن من يتحدث بهذا الخطاب وكأنه يخاطب جمهوره وان الطرف الآخر لا يسمعه. وهذا يؤدي الى التشكيك في الركائز الاساسية التي يقوم عليها البلد، ويشكك في الدولة وحياديتها، وحيادية السلطة القضائية والمجلس الدستوري، ما يزيد عدم الثقة بين الناس والدولة من جهة ومع المجتمع السياسي من جهة اخرى. هذا الجو يسهم في طرد الكفايات، ويشيع حالة خوف لدى الناس، فتصبح اولوية المواطن اللجوء الى عصبيته الطائفية لتلبية حاجاته.
أما الثالثة، فهي رمي البلد في الصراع الإقليمي الذي يضعه في ممر الأفيال.
في سؤاله عن كلام الامين العام لـ”حزب الله” عن مسؤولية الدولة في العمل على لجم العقوبات، رأى انه “يزيد الفتنة الداخلية”، معتبرا أنه “عملية غسل دماغ جعلت الناس تلتزم أسلوب حزب الله وتفكيره، من دون ان يدروا. لا نستطيع الاتفاق على قاعدة اساسية هي اعطاء الخبز للخباز. صرنا في حالة ترويض، لأن العقل تبرمج على صوت واحد من دون وجود صوت آخر ينتج التوازن، وهذا جزء من تغييب الدولة، فما كل ما يعرف يقال، وما كل ما يقال جاء أوانه، وهذا ينطبق على ما حصل مع تركيا. فهو يشعر بأن هذه الطريقة تكسبه المزيد من الناس، تحت عامل الخوف، ولكن الأساس يبقى في استعادة التوازن الداخلي، وفي السياسة الخارجية، استعادة التوازن تتم من خلال الاستمرار بتصويب المواقف”.
لا يؤمن السنيورة بأي شكل من اشكال العنف الكلامي. لكن ما يجري هو تدمير ممنهج لاتفاق الطائف، وهو مستهدف بما يعنيه من ضرب للعيش المشترك، وهناك من يتجه بالبلد نحو الترويج لحلف الأقليات المقصود منه تفتيت البلد، وهذا مخالف لتوجهات الفاتيكان.
يجد في تفسير المادة 95 من الدستور أنه “اخطر أمر ينعكس على المسيحيين، وخطورته انه يقول لهم إن حصتكم محفوظة سواء كنتم نافعين أو غير نافعين، فعالين أو غير فعالين، بما يؤدي عمليا الى تدمير الادارة والمجتمع، وتهشيل اصحاب الكفايات الى الخارج، وجعل المجتمع متدني الكفاية”.
ويعود السنيورة بذاكرته الى عام ١٩٧٥ حين كان البلد يشهد تنافسا رشيدا بين المسلمين والمسيحيين، حول من يرسل الى الادارة أكفأ من لديه، خلافا لما يحصل لجهة التباري على من يدخل الى الادارة أتفه من لديه.
الى أين من هنا، يُسأل السنيورة، فيجيب: “لن اتوقف عن بذل كل جهد استطيعه”. ويستشهد بحديث للرسول: “لو رأى احدكم علائم يوم القيامة، وبيده فسيلة، فليغرسها”. ليختم بالقول ان كل الرهانات على النفط أو على اللاجئين، او ان المجتمع الدولي لن يتركنا نقع، كلها رهانات وهمية، وحتى هذه اللحظة لا احد قادر ان ينجز، وكل ما نعد به الناس هو أوهام!
sabine.oueiss@annahar.com.lb