
- سابين عويس
- 24 نيسان 2020 | 00:01
النهار

لا يشي أداء الحكومة بالملف المالي والمصرفي بمعرفة أو كفاءة في ادارة الازمة المتفجرة فصولاً، ليس منذ اندلاع انتفاضة السابع عشر من تشرين الاول الماضي فحسب، وانما قبل ذلك بأشهر، وتحديداً منذ اعلن وزير المال السابق علي حسن خليل خلو الخزينة من المال حتى لدفع الرواتب والاجور، وعزم الوزارة على المضي في عملية هيكلة الدين العام.
دق ناقوس الخطر لم يقتصر على ذلك الإعلان، بل اقترن بتحذيرات شديدة اللهجة لحاكم المصرف المركزي أبلغها الى ثلاثي السلطة التنفيذية والتشريعية، محذراً من استنفاد احتياطاته، وبلوغها مستويات خطيرة.
حتى تحذيرات المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف لم تلق اذانا صاغية على مدى الأشهر الماضية، حتى وصل لبنان الى المحظور: اعلان تعثره، وتخلفه عن سداد ديونه، تحت وطأة عجز شبه كامل عن التوافق على خطة طوارىء اقتصادية ومالية تجنب الكارثة المالية التي وقعت. فالخزينة فارغة، والآت طبع الليرة تسير بسرعتها القصوى، رافعة الكتلة النقدية الى مستويات تضخمية مخيفة ( من نحو ٥٥٠٠ مليار ليرة في ٢٠١٩، الى نحو ١٥ الف ملياراً حتى منتصف نيسان الجاري). والدولار يسجل قفزات خيالية في غياب اي حسيب او رقيب، في ظل عجز المصرف المركزي عن التدخل في السوق لحماية العملة الوطنية، بعدما استنفد احتياطاته، ولجأ اخيراً الى لمٓ الدولارات الناجمة عن التحويلات النقدية من الخارج واستبدالها بالليرة، وان بسعر السوق لاحتواء الغضب الشعبي، وتأمين استمرارية هذه التحويلات وعدم توقفها، والمعلوم ان حجم هذه التحويلات يقدر سنوياً ما بين مليار ونصف ومليار و٨٠٠ الف دولار.
في المقابل، السوق الاستهلاكي سائب ومتفلت من اي ضوابط في ظل القفزات الخيالية للدولار، علما ان اصحاب المخازن والسوبرماركت، يشكون من تقلبات أسعار الصرف التي تنعكس على قدرتهم الاستيرادية، مقابل تراجع يتراوح بين ٣٠ و٤٠ في المئة في المبيعات، نتيجة تراجع القدرة الشرائية لليرة.
وفي ظل هذه الصورة القاتمة والمقلقة، يجد أركان السلطتين التنفيذية والتشريعية ترف الوقت لتقاذف المسؤوليات، والتهرب من تحملها. وبدل ان تكون الجلسات التشريعية مخصصة حصراً لجدول اعمال من بند واحد هو اعلان حال الطوارىء المالية والاقتصادية وفتح النقاش امام الحلول المتاحة والتشريعات المطلوبة لتسهيل ارساء هذه الحلول، غرقت النقاشات في مزايدات استعراضية عكست في شكل لا لَبْس فيه عجز السلطة عن ادارة الازمة، مقابل معارضة مفككة ومشرذمة لم تنجح في ملء فراغ سلطة ضعيفة وعاجزة.
وعليه، يطل رئيس الحكومة حسان دياب بعد جلسة مجلس الوزراء ليتحدث في الوضع المالي، والخطة الاقتصادية للحكومة، انطلاقا من استيائه من ادارة حاكم المصرف المركزي للوضع المالي والتعاميم التي اصدرها، ولم ينسق حيالها مع الحكومة. فهل فات رئيس الحكومة ان مبادرات الحاكم جاءت على وقع رمي كرة المعالجة في ملعبه، بعدما تنصلت الحكومة من مسؤولياتها في هذا المجال، ولا سيما في ٣ مجالات اساسية وجوهرية اولها فشلها في ملء الشغور في المصرف ان على مستوى المجلس المركزي او لجنة الرقابة على المصارف، بسبب خلافات سياسية محاصصية طائفية. وثانيها على صعيد فشلها ايضاً في اقرار مشروع قانون القيود على التحويلات ( كابيتال كونترول) الذي كان من شأنه ان يضبط التفلت والاستنسابية المتبعة من المصارف تجاه زبائنها. وهنا ايضاً تحضر ملائكة الاجندات السياسية الهادفة الى عدم قوننة التحويلات ووقفها، بما يترك المجال امام اصحاب رساميل كبيرة من طوائف محددة للاستمرار بتحويل اموالهم والضغط على المصارف للقيام بذلك.
اما النقطة الثالثة، فتكمن في الطرح الاخير الوارد في الورقة المالية للحكومة حول اقتطاع ودائع بنِسَب مرتفعة جداً تصل الى ٦٠ في المئة. وكانت الفضيحة بتسريب مضمون الورقة التي أعدها مستشارو رئيس الحكومة مع المستشار المالي ” لازارد”، والمدير العام لوزارة المال في غياب واضح لوزير المال، الذي رفض لاحقا مشاركة دياب في جلسة تسويقية للورقة. وبرزت الفضيحة في التباين الواضح على مضمون الورقة بين المكونات السياسية للحكومة، بحيث أجهضها رئيس المجلس نبيه بري، كما أجهض مشروع الكابيتول كونترول. وللتذكير بأن نسبة كبيرة جداً من الودائع المصرفية تعود لرجال اعمال ومستثمرين شيعة، واي اقتطاع من الودائع سيطال هؤلاء في شكل مباشر!
من هنا، يطرح مراقبون السؤال عما سيحمله رئيس الحكومة في كلمته من تطمينات الى اللبنانيين حول ودائعهم وعملتهم الوطنية بعدما بلغ التدهور ذروته، مهدداً بانفجار اجتماعي مخيف، آملين الا تأتي تلك الكلمة في معرض التذمر من الانتقادات التي تستهدف الحكومة، او التذكير بأن المرحلة الراهنة بما تحمله من أزمات هي نتاج تراكم سياسات على مدى ثلاث عقود مضت، وان عمر الحكومة الحكومة لا يتجاوز الشهرين ونيف. ففي رأي هؤلاء ان رئيس الحكومة يخطىء في مقاربة الازمة من باب التشكي او التنصل من مسؤولية موروثة، لأنه بمجرد قبوله تبوء سدة الرئاسة الثالثة التي لم تأت في ظروف طبيعية، بل نتيجة استقالة قسرية للحكومة السابقة على وقع شارع منتفض وثائر. وعليه، فإن رئيس الحكومة مدعو الى مقاربة الوضع من هذا الواقع، بعدما وافق على تلقف كرة النار المستعرة بيديه، عندما قبل بترؤس الحكومة.
sabine.oueiss@annahar.com.lb