اخبار عاجلة
الرئيسية / home slide / الدوحة الأولى “خرّبت الطائف” فحذار من دوحة ثانية

الدوحة الأولى “خرّبت الطائف” فحذار من دوحة ثانية

13-07-2023 | 00:25 المصدر: “النهار”

سركيس نعوم

سركيس نعوم

الدوحة (أ ف ب).

الدوحة (أ ف ب).

اللبنانيون على تنوّع انتماءاتهم شعروا دائماً بالامتنان ل#دولة قطر الخليجية الصغيرة حجماً والضخمة ثروةً متنوّعة. السبب إقدامها في أكثر من مرحلة ضيق مرّوا فيها منذ سنوات كثيرة على تقديم مساعدات مالية لهم ولا سيما بعد انتهاء حروبهم الأهلية وغير الأهلية عام 1990 وبدئهم إعادة بناء دولتهم وسلمهم الأهلي بالاستناد الى اتفاق #الطائف. لكن شعور الامتنان الأكبر كان بعد حرب إسرائيل على لبنان عام 2006 في أعقاب خطف مقاتلين من “حزب الله” عدداً من جنودها بعد تسلّلهم الى حدودها مع لبنان ثم اشتباكهم مع قواتها في طريق العودة منها الأمر الذي تسبّب بمقتل هؤلاء. ذلك أن الدمار كان كبيراً والقصف من الجوّ والبحر والبرّ لم يوفّر منطقة في لبنان، لكن الدمار الأكبر بشراً وبنى تحتية كان في الجنوب أولاً ثم في الضاحية الجنوبية لبيروت أولاً أيضاً ومعهما مناطق أخرى مختارة في العاصمة وخارجها، إذ قدّمت حكومة قطر بعد انتهاء الحرب التي قاتل فيها جيش “حزب الله” بشراسة وكفاءة كبيرتين وشارك فيها الجيش اللبناني بالتنسيق مع قيادته، قدّمت مساعدات مالية ضخمة الى لبنان الرسمي وغير الرسمي، وأسهمت في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب في سرعة. هذا ما دفع أهل الجنوب المتضرّر جداً الى رفع لافتات كُتب عليها “شكراً قطر”. طبعاً لم تكن هذه الدولة الخليجية الصغيرة جغرافياً والضخمة ثروةً طبيعية ومالاً الوحيدة التي بادرت الى تقديم مساعدات ضخمة الى لبنان، بل شاركتها في ذلك المملكة العربية السعودية الدولة الأكبر جغرافياً والأغنى بثروات الطاقة والمواد الثمينة الأخرى الموجودة بوفرة كبيرة جداً في باطن أرضها وغير المستثمرة على نحو جدّي. شاركت قطر في تقديم مساعدات مالية ضخمة بدورها الى لبنان لمواجهة آثار الحرب ودمارها. طبعاً شكرت الدولة اللبنانية الدولتين المذكورتين في حينه، لكن الشكر الشعبي و”الحزبي” للمملكة في مناطق الدمار كان في الفكر والقلب. أما الشكر الرسمي فعبّرت عنه الدولة اللبنانية بأركانها كلهم، ومنهم الذين لهم مكانتهم الشعبية في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، وتحديداً في أوساط الذين استهدفتهم إسرائيل بحربها.

لماذا الكلام عن قطر اليوم؟ لأن لبنان في محنة كبيرة. فدولته فشلت تماماً وانهارت مؤسساتها الإدارية المتنوّعة وشُلّت مؤسساتها السياسية مثل مجلسي النواب والوزراء ورئاسة الدولة، وتعطّل عمل الحكومة وانهارت الليرة اللبنانية وضُرب الاقتصاد اللبناني. ولولا مساعدات مالية مباشرة وتحديداً من الولايات المتحدة ودولة قطر وربما من جهات دولية أخرى لما استطاع جيش لبنان ومؤسساته الأمنية القيام بمهماتهم ومنع تحوّل السلم الأهلي على هشاشته فوضى أمنية ومجتمعية وطائفية ومذهبية. ولأن لبنان لم يجد بعد “عملية 7 أيار” التي نفّذها لابسو “القمصان السود” من مقاتلي “حزب الله”، وبعد فوضى التظاهرات الشعبية المتناقضة والمتقابلة في وسط العاصمة ثم الوقوع في فراغ رئاسي من جرّاء العجز عن انتخاب رئيس جديد للبلاد، لأن لبنان لم يجد إلا دولة قطر مستعدة للمساعدة، ولكن هذه المرة بجمع الأطراف اللبنانيين في عاصمتها الدوحة. هناك وخلال بضعة أيام وُفّق حاكم هذه الدولة الشقيقة ومساعدوه في إقناع أطراف الأزمة اللبنانية بوضع اتفاق يعيد الوضع في لبنان الى طبيعته. وطبيعته هنا لا تعني سلاما دائماً وحلولاً ونهائية بل “ترقيعاً” لوضع لم يبقَ جانب فيه غير ممزّق. فمشي الحال كما يُقال لأن الكحل أحسن من العمى كما يُقال أيضاً.

مناسبة هذا الكلام عن قطر اليوم هي أنها تسعى لمساعدة قيادات طوائف لبنان ومذاهبه وأحزابه على تناقضها لمنع استمرار شغور في رئاسة الجمهورية بدأ منذ ثمانية أشهر و13 يوماً. فهي من جهة على اتصال مستمر بأطراف الأزمة اللبنانية وتبحث معهم في التسويات الممكنة لها حالياً. وهي من جهة أخرى عضو في “اللجنة الخماسية” التي تضمّ إليها السعودية ومصر وفرنسا والولايات المتحدة والتي تعمل بدورها لإزالة الشغور الرئاسي أولاً وتالياً لتسهيل استكمال عودة المؤسسات الدستورية الى العمل المنتظم أي الحكومة و#مجلس النواب. وهي من جهة ثالثة تؤيّد مرشحاً للرئاسة الأولى لم يُعلن ترشيحه بعد لهذه الرئاسة لعجزه عن ذلك بسبب موقعه الرسمي وهو قيادة الجيش، وتبذل جهوداً مهمة بعيداً من الأضواء لإزالة العقبات من أمام انتخابه رئيساً. ربما تكون للدول الأخرى مواقف مؤيّدة لهذا الترشيح ولكن على نحو غير ظاهر وربما بدرجة أقل من الحماسة. هذه أمور لا يرفضها اللبنانيون لأنهم اعتادوا أن يختار الخارج شقيقاً وصديقاً

في آن واحد رئيس بلادهم ثم ينتخبه ممثلوهم في مجلس النواب. إلا أن ما يطلبه عدد من اللبنانيين هو عدم تكرار مؤتمر الدوحة، إذ فيه “ضُرب” اتفاق الطائف باتفاق المجتمعين على “ثلثٍ معطّل” في الحكومة تبيّن لاحقاً أنه عطّل لبنان، وعلى وجوب حصول رئيس الجمهورية على تمثيل وزاري خلافاً لاتفاق الطائف. والأمران مع إضافات أخرى يعرفها اللبنانيون تسبّبا بتعطيل النظام السياسي في البلاد، وأفسحا في مجال استعادة رئيس الدولة بقوّة الحلفاء صلاحيات ما قبل الطائف بل ما هو أكثر منها، كما في مجال شلل المؤسسات من جرّاء “الميثاقية” التي نجمت بدورها عن مؤتمر الدوحة التي عطّلت كل مؤسسة دستورية ومعها السلطة. الأفظع من ذلك أن الكثيرين اعتبروا “اتفاق الدوحة” إضافة الى اتفاق الطائف وجزءاً عضوياً منه وهو ليس كذلك بل هو اتفاق طارئ لإيجاد حلّ لمشكلة طارئة. فهل تعلّمت قطر من خطئها عام 2008 أم ستكرّره في هذه المرحلة؟ وهل تعلّم اللبنانيون الذين استفادوا من مؤتمر الدوحة والذين لم يرفضوه فأصبحوا جاهزين لعدم السماح بتكراره؟


Sarkis.naoum@annahar.com.lb