نادر فوز:
بلوغ حدّثنا غودو – فداء عيتاني
17052018
قبل أعوام، ولدى استشراس الأزمة المالية لزعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، دافعت حلقة من مستشاريه (مستفيدين منه؟) عن نهج إدارته لمؤسساته وتنظيمه وعلاقاته بالقول إنّ الأمور واضحة ومكشوفة، وكانت على هذه الحال أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وعمّموا في مجالسهم ومن حولهم اقتباسات من نقاشات مع الحريري الأب يعبّر فيها عن إداركه التام لحملات النهب والسمسرة في قصر قريطم، وقوله إنه ”من الأفضل أن يسرقني مَن هُم حولي مِن أن يسرقني الغرباء“. فبنى بعض المستشارين الجدد لأنفسهم منظومة مشابهة لتلك التي كانت سائدة في قصرقريطم، ليسترزقوا وليشرعنوا أعمالهم.
وفي تلك الفترة، وصل الحال بالحريري الإبن أن واجه عرضاً من موظّف لديه لشراء إحدى مؤسساته الإعلامية، وغرض آخر من شريك مفترض طامح لوضع يده على مجموعة من العقارات العائدة للعائلة.
تبع ذلك ما شاهدناه من انهيارات مستقبلية على مختلف الأصعدة، سياسياً ومالياً وتنظيمياً وحتى على مستوى العلاقة مع الأخ الأكبر في الرياض. لكنّ الأخ الأصغر استمرّ في النهج نفسه، وكذلك فعلت حلقة المستشارين (المستفيدين منه، طبعاً) التي طوّقته وأقنعته كما دائماً أنّ الفشل الفاضح الحاصل تفوّق مبهر. ثم جاءت الانتخابات النيابية وأرقامها المذلّة لكتلة المستقبل، ففاز مرشحو التيار حيث لم تكن تتوقّع قيادته، وخسروا حيث كانت تحسب نفسها متقدّمةً. وأمام ذلك، ليس أمام الحريري سوى التسليم لأوامر الرياض، على اعتبار أنّ فريقه ليس فقط غير مرحّب به في السعودية، بل أثبتت أيضاً أن لا إدراك سياسي له ولا جدوى تنظيمية منه. فكرّت سبحة الإقالات، وبعضها مبطّن ببيانات الاستقالة حفظاً لماء الوجه حيناً وللخبر والملح حيناً آخر، أو حتى الروابط
العائلية وذكريات الطفولة والتنزّه على سلالم منزل العائلة في صيدا.
سحبة الإقالات، أو بيانات التنحّي، لن تتوقّف. بعد نادر الحريري، ماهر أبو الخدود، وسام الحريري، وحسم عدم إعادة توزير النائب نهاد المشنوق، وصل الدور إلى دائرة الإعلام في بيت الوسط ومؤسسات المستقبل، حيث وضع حرف ”إكس“ على العديد من الأسماء أبرزها المستشار الإعلامي هاني حمود ومن معه في الإدارة الإعلامية. كما طرأت تغيّرات على المستوى التنظيمي في التيار وليس مكتب الحريري فقط. فسُجّل انكفاء العديد من المسؤولين المستقبليين بحيث أنّ عدداً منهم لم يعد يحضر إلى مكاتب التيار. كما جاءت استقالة أمين عام التيار، أحمد الحريري، كخطوة استباقية منه لأي قرار قد يصدر عن الحريري بإقالته. مع العلم أنه لم يُحسم بعد البتّ بهذه الاستقالة، لأسباب مختلفة.
فيتساقط مستشارو الحريري والمسؤولون في التيار، تساقطاً عنقودياً، بحيث أنّ الجمهوريات التي بناها هؤلاء المستشارين لأنفسهم تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، من جمهوريات الاستفادة من الصلاحيات، إلى جمهوريات إقامة المشاريع التجارية ومقاهي العاصمة، وصولاً إلى جمهورية صياغة الاتفاقات السياسية ذي الأبعاد الشخصية والمالية أيضاً.
أمام الرئيس سعد الحريري متّسع من الوقت لإعادة بناء حلقته الضيّقة التي من المفترض أن تشرف على إعادة هيكلة تنظيم تيار المستقبل. سياسياً، يبدو أنّ التصعيد المستمرّ إقليمياً سيمنع تشكيل الحكومة العتيدة في وقت قريب، وهو ما بدأ التداول به في المجالس السياسية المختلفة. لذا أمام الحريري ورقة ضغط على خصومه- شركائه في الحكم، بحجج وملفات مختلفة، أبرزها مشاركة حزب الله في الحكومة بعد وضع الأخير، بجسمه السياسي والعسكري، على لوائح الإرهاب الأميركية والخليجية. وكون لا بديل عن سعد الحريري، أو من ينتدبه الأخير، لتبوؤ الحكومة فإنّ الوقت ملائم للحريري ليعيد صياغة علاقاته الداخلية وخطابه السياسي وتحالفاته أيضاً، وهو ما بدأ فعلاً مع القوات اللبنانية. فيمكن للحريري أن يبدأ بـ“قطف العنب حبة حبة“، ولو كان الناطور يجلس على بعد 1500 كيلومتر من بيروت.