
لا يعلو بيان وزاري فوق الحقائق الواقعية. فالحدود المفتوحة بين لبنان وسوريا صارت متقدمة على أي محاولة للتحايل الإنشائي أو السياسي والقفز فوق وقائع عملية في العلاقة بين البلدين
وحده لبنان، ظل خارج هذه الدائرة. إذ تبدو واضحة أيضاً، هذه النظرة الدولية لسياسة الحدود المفتوحة بين لبنان وسوريا، إلى الحد الذي لم يعد أي طرف دولي يتحدث عن هذا الفاصل المفترض أن يكون قائماً عملياً بين البلدين. يمكن وفق ذلك ملاحظة التعامل الدولي والإقليمي مع لبنان ليس كساحة مستقلة عن سوريا، بل كامتداد للأزمتين المفتوحتين، وإن كانت الصورة قد صارت معكوسة عمّا كانت عليه سابقاً، حين كان لبنان يشتعل بالحرب. انحسر كثيراً الكلام عن التمايز بين الساحتين، أو عن فصل الأزمتين، وعن التشدد في معاينة الحدود والكلام عنها كحدود حقيقية فاصلة بينهما، على عكس ما جرى مع الحدود الأخرى. ولا يتعلق الأمر فقط بتراجع دور التنظيمات الإرهابية وتمددها الحدودي. لأن الواقع اللبناني السوري بات يحمل في طياته كثيراً من العناصر المشتركة، في شكل يتعدى المناظرات حول زيارة وزير لدمشق.
لا يمكن اختصار الحدود المفتوحة بين البلدين بالمعنى السياسي والعملي، بتدخل حزب الله في سوريا فحسب، رغم أنه الحدث الأبرز في السنوات الأخيرة. فثمة تطور يعكس جانباً من التداخل الذي عاد يتكرس في الكلام الرسمي على أكثر من مستوى، والكلام السياسي العام الإيجابي تجاه سوريا، وهو مرجَّح للتفاقم. والتجاذب الذي لا يزال قائماً بين المؤيدين لعودة العلاقات مع النظام السوري إلى طبيعتها وبين رفض قوى سياسية لا تزال على عداء معه، سيكون حاضراً بطبيعة الحال بقوة كأول تحدٍّ أساسي في البيان الوزاري المرتقب للحكومة العتيدة. وهذا الأمر لن يكون نقاشاً تقليدياً، في ظل وقائع عملية، لأن ثمة حقيقة تعلو فوق رفض فريق سياسي التطبيع مع سوريا، هو أن ما يجري على الحدود المشتركة بين البلدين، صار أقوى من أي بيان وزاري، ومن أي كلام عن حياد لبنان أو عن فصل أزمته عن سوريا.
الواقع الذي يتكرس يومياً بين البلدين لا يحتمل الكثير من المكابرة
وأي صيغة مفترضة للتحايل على سياسة الحدود المفتوحة ستكون كمن يدفن رأسه في الرمال. فكيف يمكن التعامل سياسياً مع سوريا، في وقت أصبحت حدودها وكأنها امتداد عملي للبلدين، والأجهزة الأمنية على تنسيق تام معها، وجزء أساسي من العهد والحكم يتعاطى رسمياً مع تطورات سوريا بإيجابية مطلقة، ويتصرف تجاه أحداثها الأساسية وكأنها عناصر محلية بامتياز؟ وليس التعامل مع فتح معبري نصيب والبوكمال وإظهار أهميتهما كواحة اقتصادية ومعيشية أساسية، إلا جزءاً مكملاً لسياسة سحب كل عناصر الخلاف مع سوريا وتطبيع التهدئة والتنسيق معها. ولا شك في أن الحلقة الرسمية المؤيدة لهذه السياسة، مدعومة بتوافق قوى سياسية مؤيدة لسوريا، ستكون في مواجهة فريق سياسي يريد تضييق مساحة التقارب مع دمشق. من دون أن يأخذ هذا الفريق في الاعتبار، أن الواقع الذي يتكرس يومياً بين البلدين لا يحتمل الكثير من المكابرة، ما دام هذا الفريق ارتضى التسوية الرئاسية والحكومية بكل مفاعيلها، وأن الدول الكبرى والمعنية بالشأن السوري تصرف النظر عن المنحى الذي يتكرس بين لبنان وسوريا. ووفق ذلك، لا تعود خطب الممانعة تفيد كثيراً في بيان وزاري، سيظل سقفه أدنى من الواقع السياسي والحدودي بين لبنان وسوريا.