سركيس نعوم
النهار
21052018
تابع المسؤول السابق في “إدارة” أميركيّة مُهمّة جدّاً والباحث حاليّاً الذي ربّما يعود إلى “إدارة” أخرى مُهمّة بدورها حديثه عن لبنان، قال: “يقولون إن أميركا ستُعطي الجيش اللبناني أسلحة جديدة وفاعلة مثل الصواريخ وغيرها. لماذا تُعطيه إياها ومن أجل أي أهداف؟ هذا الجيش له أساساً مُهمّتان في رأينا أو بالأحرى في رأيي. الأولى تخريج رؤساء للجمهوريّة. والثانية حماية الدولة والمؤسّسات. هل تعتقد أن مساعدتنا للجيش يجب أن تستمر؟”. أجبتُ: الجيش مؤلّف من أبناء الشعب اللبناني. الشعب مُنقسم وطبيعي أن يكون الجيش مُنقسماً بالمواقف والأفكار والانتماءات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة. وبسبب ميزان القوى السائد في لبنان منذ زمن من الطبيعي أن يكون لجهة معيّنة نفوذ ما فيه وفي سائر المؤسّسات وإن غير مُطلق. لكن رغم ذلك استمرّ الجيش موحّداً وقام بمهمّاته على أفضل ما يمكن، ولهذا السبب، صار دعمه ضرورة لأنّه على الأقل يستطيع أن يحول دون تحوّل أي خلاف طارئ أو مُستجدّ عُنفاً قابلاً للتحوّل مشكلة مُستعصية وربّما فتنة وحرباً. وهذا مُهم وإن كان الجيش لا يستطيع منع “الحرب” إذا كان القرار بإشعالها مُتّخذاً على أعلى المستويات في الداخل وفي الخارجَيْن الإقليمي والدولي. مرّة طرح عليّ مسؤول أميركي السؤال نفسه قبل سنوات وأعطيته الجواب نفسه. علّق: “طبعاً نحن نريد استقرار شعب لبنان. لكن الاستقرار الحالي السائد ليس استقرار الشعب اللبناني، بل هو استقرار “حزب الله” في حكم لبنان واستقرار إيران في السيطرة عليه كما على سوريا وعواصم أخرى في المنطقة. لماذا يُراد مِنّا الدفاع عنه في حال كهذه والمحافظة عليه إذا كان اللبنانيّون غير مُهتمين بذلك؟ إيران تبني مصنع صواريخ لـ”حزب الله” في لبنان الآن. وإسرائيل لن تسمح بانجاز تشييده وبجعله صالحاً للعمل والإنتاج. ستُدمّره. ويعني ذلك نشوب الحرب. والسبب الأساسي لذلك أن لبنان لا يقوم بما عليه للحدّ من نفوذ “حزب الله” وإيران في لبنان بل من سيطرتهما عليه. ماذا عن قانون الانتخاب؟ وما رأيك فيه؟” سأل. أجبتُ: أنا أساساً لست مع هذا القانون. فالنسبيّة تتسبّب في الدول الديموقراطيّة فعلاً والمتقدّمة بشيء من عدم الاستقرار الحكومي جرّاء تشتيت الأكثريّات وإفساح المجال أمام الأحزاب الصغيرة جدّاً في التمثّل بعدد قليل من الأعضاء. فكيف إذا طُبّقت وعلى نحو مُشوّه في دولة زائفة أصلاً وديموقراطيّتها شكليّة ومؤسّساتها غير فاعلة. ربّما أتقبّل النسبيّة إذا كانت الحياة الحزبيّة في لبنان سليمة وإذا كانت الدولة مدنية والدوائر الانتخابيّة كبيرة أو ربّما لبنان دائرة انتخابيّة واحدة. أمّا قانوننا الحالي (الجديد) فمزيج من المساوئ السياسيّة والمذهبيّة والطائفيّة. سأل: “ما رأيك في سامي الجميّل؟” أجبتُ: هو ذكيّ ومُثقّف وشعبوي في آن يحاول استعادة مجد حزب الكتائب، الذي أسّسه جدّه قبل استقلال لبنان. وهو مجد كان للحرب الأهليّة وغير الأهليّة في لبنان دور بارز في تحقيقه، مُقلّداً عمّه الرئيس بشير الجميّل الذي اغتيل بعد انتخابه وقبل تسلّمه الرئاسة فعليّاً. وهذا خطأ في رأيي لأن عقوداً مرّت على ذلك وظروفاً جديدة نشأت، فضلاً في أن الأجيال الجديدة قد لا تعرف الكثير عن بشير. علماً أن “القوّات اللبنانيّة” التي خرجت من رحم الكتائب ورثته إلى حدٍّ بعيد. كما حاول “التيّار الوطني الحر” وراثة “القوّات” فحقّق نجاحاً جزئيّاً على هذا الصعيد، ونجاحات أكبر جرّاء سياسات داخليّة وإقليميّة معروفة انتهجها فقدّم له أصحابها الدعم المتنوّع. أمّا رئيس هذا “التيّار” جبران باسيل… قاطعني: “لا تحدّثني عن باسيل فأنت تذكّرني بذلك بحادثة تركه رِكس تيلرسون وزير خارجيّة أميركا مُنتظراً وحده مع الوفد المرافق له ربع ساعة في قصر بعبدا قبل أن يأتي نظيره وزير الخارجيّة باسيل لاستقباله. وبعد وصوله دخل رئيس الجمهوريّة القاعة التي كان ينتظر فيها. هذه معاملة سيّئة، بكل ما لهذه الكلمة من معنى. لا أحد من اللبنانيّين توجّه بالكلام إلى الوفد لإمرار الوقت ريثما يصل “الوزير والرئيس”. حتّى مياه الشرب لم تكن مُـتوافرة. ذلك كلّه يُذكّرني بما حصل لوزير خارجيّة أميركا الأسبق وارن كريستوفر يوم تركه الرئيس السوري في حينه حافظ الأسد في طائرته الحاطّة في مطار دمشق وقتاً طويلاً قبل أن يستقبله. تذرُّع المسؤولين اللبنانيّين بزحمة السير للتأخّر في استقبال تيلرسون في غير محلّه. أنا زرت بيروت مرّات عدّة، وكنت أرى كيف كانت تُغلق الشوارع ويوقَفُ السير لتسهيل مرور المواكب الحكوميّة والنيابيّة والرئاسيّة والزوّار الرسميّين القادمين من الخارج. لماذا لم يفعل باسيل ذلك؟ هل كان في المطار مع النائب علي بزّي موفد الرئيس نبيه برّي من أجل استقبال محمد جواد ظريف وزير خارجيّة إيران؟ في أي حال حدّثني عن الحريري وعون والسعوديّة”.
شرحت ما حصل في السعوديّة من احتجاز قسري للحريري وتحدّثت عن استقالته القسريّة، وعن استغلال “حزب الله” ورئيس الجمهوريّة عون ذلك لمواجهة ما مع السعوديّة، كان مُبرِّرها صحيحاً وهو أنّه رئيس حكومة لبنان ولا بُدّ من فكّ أسره وعودته إلى لبنان حيث يقدّم استقالته إذا كان يريد فعلاً ذلك أو يتراجع عنها. ثم سأل عن “الأخبار المُتداولة عن شراكة ما قائمة بين الوزير باسيل ومدير مكتب الحريري نادر الحريري”. فشرحت أسبابها السياسيّة وغير السياسيّة التي يعتبرها أخصامهما ماليّة. وأشرت إلى رغبة رئيس الحكومة في تعزيز اتّفاقه مع عون “وتيّاره” للعودة إلى السرايا الحكوميّة بعد الانتخابات ولإبقاء اتفاقه أو بالأحرى ما يُسمّيه “ربط النزاع” مع “حزب الله” قائماً.
ماذا شرحتُ أيضاً عن لبنان؟