الرئيسية / home slide / التكية السليمانية في دمشق تحفة عثمانية معمارية فريدة

التكية السليمانية في دمشق تحفة عثمانية معمارية فريدة

 حسام محمد
القدس العربي
05022023

حظيت سوريا بعمومها ودمشق مع حلب بخصوصية كبرى من سلاطين الخلافة العثمانية، وهو ما يمكن رؤيته من خلال مئات المعالم الأثرية العثمانية البارزة في سوريا. معالم متنوعة من مراكز دينية تحظى بمكانة كبيرة من قبل السوريين، وقصور شهيرة وأسواق تجارية ما زالت تنعم بالحركة الاقتصادية والنشاط التجاري حتى يومنا هذا، فيما تعد التكية السليمانية في العاصمة السورية من أهم المعالم الأثرية العثمانية في دمشق، بالإضافة إلى قصر العظم، الذي يُعد بدوره من أجمل القصور العثمانية المشيدة في دمشق مطلع القرن الثامن عشر، وكذلك سوق الحميدية الذي يُصنف من أجمل أسواق الشرق برمته.
التكية السليمانية في دمشق، تحظى بشهرة واسعة، إذ تبدو كبناء متكامل الأركان، وتعد إحدى المعالم الأثرية العثمانية المذهلة في سوريا، فهي تضم مسجدا ومتحفا ومدرسة وسوقا للمهن الحرفية والتراثية بات اليوم مصيره اليوم مجهولا بعد تحركات النظام السوري لإفراغ السوق التاريخي من الحرفيين لأسباب ودوافع غير معروفة.

معالم أثرية

تتربع التكية السليمانية في دمشق على مساحة واسعة 11 ألف متر مربع، وقد حملت التكية اسمها نسبة إلى السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي كان قد أمر ببنائها في عام 1554 ميلادي، في الموضع الذي كان يقوم عليه قصر الظاهر بيبرس في دمشق.
تحرك السلطان العثماني لبناء التكية السليمانية، جاء بعد أن رأى في منامه أنه في وسط دمشق وبإحدى بساتينها، حيث ظهر له في المنام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأوعز إليه وفق العديد من الروايات التاريخية ببناء مسجد في تلك الأرض، وهو ما جعل السلطان العثماني يأمر باقتطاع جانب من ذلك البستان وتشييد التكية في وسطه، وبناء مسجد أوصى أن يكون محرابه في ذات الموضع الذي وقف فيه النبي محمد في المنام.
والتكية في المفهوم العثماني توازي ما أقيم قبلها من نظام الأربطة والخانقوات مع اختلاف التسمية، إلا أن العثمانيين قد أعطوا هذا النوع من الأبنية وظيفة أخرى لتكون مجالاً للتصدق وإطعام المساكين والفقراء وأبناء السبيل.‏
وهي وفق موقع «إسلام ستوري» عبارة عن مدرسة تنتمي إلى فصيلة المباني الدينية، ولها وظيفة أساسية هي إقامة الشعائر وفرائض العبادة ما جعلها مكاناً للمتصوفة ينقطعون فيها ويأمنون الخلوة للدعاء والصلاة.‏
أكثر ما يميز الهيكل المعماري للتكية السليمانية هما مئذنتاها النحيلتان اللتان تشبهان قلمي رصاص من شدة نحولهما، فهذا الطراز المعماري لم يكن معروفا في دمشق خلال تلك الحقبة التاريخية.
التكية السليمانية في دمشق، من تصميم المعماري التركي معمار سنان الذي يُصنف كأشهر معماري في الخلافة العثمانية، فيما أشرف على بنائها المهندس الإيراني ملا آغا، حيث بدأت أعمال البناء عام 1553 ميلادي وانتهت عام 1559 ميلادي، وفق وزارة السياحة التابعة للنظام السوري.
وكانت التكية آنذاك تقدم الخدمات لعابري السبيل وللفقراء وكذلك للحجاج خلال طريقهم للحج، حيث كانت تؤمن لهم الطعام والمؤونة والمأوى، كما ساهمت في تعليم الفقراء، بالإضافة إلى مكانتها في تأدية الفروض الدينية، والتي بقيت على ذات المسار، حتى دخول الاستعمار الفرنسي لسوريا عام 1920 حيث اتخذ منها الجنرال غورو وجيشه مسكنا لهم.
وتتألف التكية السليمانية من قسمين، أولهما هو الأكبر، ويتكون من مسجد ومدرسة، في حين أن التكية الصغرى تتألف من باحة واسعة محاطة بالعديد من الأروقة، وحرم للصلاة، وغرف مغطاة بقباب متعددة، وكانت التكية الصغرى هي المكان المخصص لإيواء الغرباء وطلبة العلم، في حين ضمت مؤخرا سوقا للصناعات الشعبية، ومتحفا حربيا سوريا. أما واجهات الحرم من الخارج فهي مؤلفة من مداميك من الحجر الأبيض والأسود بشكل متناوب، وهو طابع جميع جدران هذه التكية، وهذا التشكيل البديع كان مطابقاً لتشكيل المباني المملوكية، وخاصة قصر الأبلق الذي كان قد أنشأه الملك الظاهر بيبرس وهدمه تيمورلنك، وكان السلطان سليمان قد أعاد استعمال حجارته في نفس موقع التكية، وفق ذات المصدر.
فيما غطت الحدائق والأشجار جميع الفراغات بين الأبنية التي تتقدمها أروقة مسقوفة بقباب منخفضة وخلفها قاعات مسقوفة بقباب مماثلة أكثر ارتفاعاً تتخللها المداخن على شكل مآذن صغيرة، ويبدو المشهد رائعاً عندما يتناغم شكل القباب، مع شكل الأقواس فوق أعمدة الأروقة في جميع الأبنية التي كانت تستعمل لإيواء المصلين والمتعلمين ولإطعامهم، وجميع الأبنية الواقعة في القسم الشمالي تؤكد هذه الوظائف التي ألغيت الآن.
أما قبور ومدافن بعض السلاطين العثمانيين وعائلاتهم فهي لا تزال حتى يومنا هذا قائمة، وتستقبل زوارها من المسؤولين الأتراك وعائلات السلاطين المدفونين فيها، وتوضع في القسم الجنوبي وعلى طرفي المسجد الرئيسي.
وفي عام 2009 زارها الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، أثناء وجوده في سوريا، وتعهدت آنذاك أنقرة بتقديم كلفة 20 مليون دولار بغية ترميم التكية، قبل أن تبدأ الثورة السورية في 2011 ودعوة أنقرة إلى إسقاط النظام السوري.

سوق المهن اليدوية

ينبض سوق التكية السليمانية بالحياة والنشاط والتجارة منذ عشرات السنين، فهو يمتد من أقصى شرق التكية إلى أقصى غربها، وتنتشر عشرات المحال التجارية على جانبيه، وكان الدخول لسوق الحرف أو المهن اليدوية يتم عبر بوابة واسعة يعلوها قوس حجري، يدخل الزائر ليجد مجموعة من المحال الصغيرة، والمتناسقة على صفين متقابلين، متوازيين، بينهما شارع ضيق في عرض ستة أمتار وطول 200 متر تقريباً.
في سوق الحرف اليدوية يوجد أكثر من تسع عشرة حرفة يدوية قديمة لم تفقد رونقها مع الحداثة وتقدم العالم، كما يحتضنها سوق المهن اليدوية في دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، سوق بات معروفاً لدى القاصي والداني داخل وخارج سوريا.
ومن أبرز الحرف التي اشتهر بها سوق الحرف اليدوية في التكية السليمانية، هي صناعة اللوحات الخشبية الملونة، والتي تزين البيوت الدمشقية القديمة ذات القيمة الفنية والجمالية الرائعة، وهي عبارة عن زخارف وديكورات شرقية تعتمد على الخشب كمادة أساسية.
كما يتم في سوق التكية صناعة البروكار، وهي حرفة يدوية يتجاوز عمرها 190 عاما، وربما كان هو آخر نول ينسج بتركيبته البسيطة أجمل الأقمشة.
كما تنشط في السوق، صياغة الذهب والفضيات، بالإضافة إلى الحلي المصنوعة يدويا، وكذلك الحفر على الخشب والموزاييك والصدفيات، وحياكة السجاجيد بطرق جميلة، وحرف أخرى كانت تسر الناظرين.

حرب الهوية

الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد الحوراني، قال لـ «القدس العربي» لقد شكلت المعالم المعمارية والأثرية في سوريا عائقاً كبيراً أمام مشروع النظام الهدام، ونظراً لعدم قدرته على إزالتها أو هدمها، عمل على بناء معالم معمارية ترتبط بالهُوية التي يعمل على تشكيلها، في مسعاه لطمس التاريخ والحضارة في البلاد.
والتكية السليمانية تعد معلما معماريا بارزا في سوريا، تم إنشاؤها خلال فترة الحكم العثماني لدمشق، وهذا البناء يتماهى مع الهوية الاجتماعية والثقافية والدينية للسكان، وتضم التكية التي أمر ببنائها السلطان سليمان القانوني عدة أقسام ففيها مسجد لأداء الواجبات الدينية ودار للفقراء والمساكين، وضمت في مرحلة لاحقة معهدا لتدريس العلوم الإسلامية.
وقد اتخذت التكية في مراحل لاحقة مقرا لمؤسسات رسمية فمثلا أصبحت كلية لتدريس طب الأسنان، واتخذها أحد المسؤولين الفرنسيين مقرا له.
التكية السليمانية مع غيرها من المعالم المعمارية التاريخية التي تعود لحقب متنوعة تشكل جزءا من الهوية الوطنية السورية من ناحية اعتبار الهوية (مجموعة العوامل الإنسانية والثقافية والتاريخية والحضارية والاجتماعية والقومية والدينية المشتركة بين مجموعة من السكان) ونظام الأسد الأب والابن عمل على إلغاء الهوية الوطنية وإبدالها بهوية عنوانها «سوريا الأسد».
وأردف الحوراني، «من ناحية أخرى يعمل النظام على استفزاز الجانب التركي باستهداف المعالم التي تعود لفترة الحكم العثماني، خاصة أن الإدارة التركية الحالية تعتبر تلك الفترة إحدى أهم الحوامل التي تقوم عليها الجمهورية التركية الحديثة، فعمل النظام على تأجير مبنى محطة الحجاز (خط الحديد الحِجازي) لإحدى الشركات الخاصة لتحويلها إلى فندق تحت اسم مشروع مجمع نيرفانا».
كما أن التكية السليمانية اتخذت مقرا للمتحف الحربي الذي يعتبر أحد فروع الإدارة السياسية «إدارة التوجيه المعنوي» وبناء على التقارب التركي-السوري بعد العام 2002 تم اخلاؤها ليتم تسليمها للجانب التركي كما أشيع يومها ليحولها بدوره إلى مركز ثقافي، لكن اندلاع الثورة ووقوف تركيا إلى جانبها أوقف كل ذلك، وباتت المعالم التاريخية التي تعود للفترة العثمانية تشكل أدوات بيد النظام يحاول ان يستفز تركيا بها. وللتكية أيضا رمزية معنوية وتاريخية في ذاكرة السوريين والأتراك وخاصة المثقفين منهم حيث تضم في جنباتها أضرحة لولاة عثمانيين وأولادهم فيها.

النظام ينهي التاريخ

لم يعد سوق الحرفيين في التكية السليمانية ينبض بالحياة التي كان يتسم بها منذ عشرات السنين، وذلك بعد إقدام النظام على التحرك لإفراغ السوق من الحرفيين، بذريعة إعادة ترميمها بسبب تدهور الحالة الفنية لغالبية الأبنية في التكية السليمانية، وفق ما صرح به مسؤولون في النظام.
حيث قال مدير أعمال الترميم في التكية السليمانية أنطون شنيارة، إن موقع التكية المجاور لمسار نهر بردى تعرض خلال العقود الماضية لهبوط مستوى المياه الجوفية بسبب شح مصادر المياه، ما أدى إلى انجراف في طبقات التربة تحت منسوب تأسيس المباني ونتجت عنه هبوطات كبيرة ظهرت آثارها على شكل تشققات وتصدعات في الكثير من أسقف، وقبب التكية وأعمدتها وجدرانها.
محافظ دمشق في حكومة النظام المهندس محمد طارق كريشاتي، كان قد قال في تصريحات نقلتها وكالة «سانا» الرسمية في أواخر شهر كانون الثاني/يناير من العام الحالي: «بعد إعادة ترميم التكية السليمانية سيعود الحرفيون إلى أجزاء منها، لتكون مقصداً ثقافياً وتراثياً وتاريخياً وسياحياً» مشيراً إلى أن الوضع الفني الراهن لها وطبيعة الأضرار الحاصلة في بنيتها، سواء في السقوف والأعمدة والجدران أو في الأرضيات هو نتيجة تراكم سنين طويلة قبل الحرب وازداد سوءاً خلالها.
وقد حذر العديد من النشطاء من مخطط تغيير جديد يقوده النظام تجاه المعالم الأثرية في البلاد، بعد التغيير الديموغرافي الذي قاده مع روسيا وإيران في سوريا.
وأشارت مصادر إعلامية معارضة، إلى بسط أسماء الأسد، عقيلة رأس النظام السوري بشار الأسد نفوذها على التكية السليمانية، من خلال ذراعها الاقتصادية في مؤسسات «الأمانة السورية للتنمية» وهي مؤسسة تعمل من خلالها على إعادة توصيف الحرف اليدوية السورية، وتصديرها باعتبارها جهدا جماعيا بقيادتها.

كلمات مفتاحية

حسام محمد