اخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / التفسّخات تتمدد خارجياً ومعها  حرب الرئاستين

التفسّخات تتمدد خارجياً ومعها  حرب الرئاستين

 

روزانا بومنصف
 25 أيلول 2017

هذه التفسخات الحكومية المتمثلة في كباش المواقف بين زيارة الحريري لباريس في اوائل ايلول وزيارة عون للعاصمة الفرنسية في اواخر الشهر نفسه لا يمنع تسجيل واقع مماثل على جبهات اخرى. فعلى رغم التهليل السياسي لقرار المجلس الدستوري الذي طعن في قانون الضرائب على وقع ان هناك شوقا لانضباط يفرضه المجلس في وجه التفلت العشوائي للقرارات المتخذة، فان ذلك لم يمنع رؤية البعض للقرار على انه يعبر في شكل من الاشكال عن “الحرب” السياسية القائمة بين رئاسة الجمهورية والرئاسة الثانية التي طاولتها سهام قرار المجلس الدستوري بطريقة ادارة الجلسات الاشتراعية من جهة كما في شأن افشال الاجندة التي فرضتها الرئاسة الثانية بحتمية اقرار سلسلة الرتب والرواتب وقانون الضرائب قبل اقرار مشروع الموازنة في المجلس النيابي. اذ ان هذا الاقرار حصل في ظل دعوة ولو متأخرة من رئيس الجمهورية باقرار السلسلة والضرائب من ضمن الموازنة لكن كان سبق السيف العزل وسجل رئيس مجلس النواب في ذلك الوقت نقطة في مرمى الرئاسة الاولى بعقد جلسة نيابية حسب توقيته والمضامين التي حددها. وهو الامر الذي لم يمنع لاحقا توظيف طعن تقدم به عشرة نواب لقانون الضرائب امام المجلس الدستوري من اجل الافادة من مضمونه في ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد. لكن احدا من السياسيين لم يود اطلاق هذا التفسير علنا لاعتبارات متعددة، من دون ان يعني ان هذه المصادر السياسية لم تشعر بان الرئيس نبيه بري لم يصب بقرار المجلس الدستوري خصوصا انه لو اتيح لعشرة نواب التقدم بطعن امام المجلس الدستوري بقانون الانتخاب الذي اقر في مجلس النواب بالاسلوب نفسه لكان حصل طعن له. لكن من دون ان يمنع هذا كله واقع ان التوافق السياسي بين الافرقاء الاساسيين في البلد يسمح بتمرير مخالفات وتجاوزات دستورية لا يقدم طعن فيها ضرورة نتيجة التوافق لكن من دون ان يعني ذلك عدم حصول تجاوزات. والصراع السياسي المفتوح بين الرئاستين الاولى والثانية برز حتى الان في كل محطة من محطات السنة الرئاسية الاولى التي تنتهي نهاية الشهر المقبل فيما ينذر فتح موضوع العلاقات مع النظام السوري بالطريقة المباشرة والمعلنة التي يتبعها رئيس الجمهورية عبر مواقفه او عبر مواقف وزير الخارجية جبران باسيل في احداث تباعد قسري بينه وبين رئيس الحكومة وبين حليفه القوات اللبنانية ايضا الذي يتناقض معه في مقاربته معالجة موضوع النازحين ولو انه متفق معه في مبدأ عودتهم.

ومع ان الصراع السياسي القائم تغلفه راهنا الحملات الانتخابية التي بدأت استعدادا للانتخابات النيابية المقبلة فيما الحديث مشتعل عن مبارزة حادة جارية لضمان الفوز بالسباق الى الرئاسة الاولى مؤشراتها في الكثير من الاداء السياسي الحالي، فان التجاذبات لا تخلو من نكهة اقليمية حادة تتجاذب الداخل بحيث يكون جزءا من المشهد الاقليمي وغير بعيد منه.

ترسم مصادر ديبلوماسية علامات استفهام حول زيارة الدولة التي يبدأها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم لباريس على خلفية مواقف متباعدة بينه وبين الموقف الرسمي الفرنسي من موضوع النازحين السوريين لجهة اعلانه امكان عودة النازحين وفق النظرية التي قدمها في خطابه امام الامم المتحدة مميزا بين العودة الطوعية والعودة الآمنة في الوقت الذي تشاطر باريس المجتمع الدولي موقفه من ان عودة النازحين غير محتملة راهنا وظروفها غير متوافرة. الا ان ذلك ليس اساسا جوهريا مقدار الاختلاف الداخلي المعبر عنه في هذا الاطار بعدما كان رئيس الحكومة سعد الحريري التقى والنظرة الفرنسية الى موضوع النازحين الذي وعدت فرنسا بالدعوة الى مؤتمر لمساعدة لبنان على مواجهة اعبائه. فثمة تفسخات قد بدأت بالظهور وكان احد ابرز مؤشراتها اللقاء الذي عقده وزير الخارجية جبران باسيل مع نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك على رغم اختلاف الموقف داخل الحكومة من التطبيع مع النظام السوري بحيث يبدو ان فرض وجهة نظر معينة يبدو قسريا، ما قد يفتح الباب ان لم يكن على تعميق الاستياء من التساهل الذي يبديه رئيس الحكومة ازاء هذه الادارة للعلاقات الخارجية في تجاوز واضح لموقع رئاسة الحكومة فحسب فعلى تسريع ظهور اختلاف في دعم مواقف رئيس الجمهورية المثيرة للخلاف ان في شأن موضوع سلاح الحزب او قيادة تطبيع مبكر مع الرئيس السوري بشار الاسد. وهناك سياسيون كثر يعتبرون ان رئيس الجمهورية منخرط في حملة تعبئة انتخابية مباشرة من اجل محاولة تأمين اكثرية كاملة لتياره في الانتخابات على خلفية موضوع النازحين الذي يثير في شكل خاص حساسية لدى الاوساط المسيحية ويحصل تنافس واضح في تسويق افكار حول ضرورة عودتهم، وذلك الى جانب مراعاة رئيس الجمهورية حليفه “حزب الله” من خلال خوضه حملة الدفاع عن سلاحه امام دول الخارج، ما يثير ازمة داخلية اخرى نتيجة وجود خلاف كبير حول سلاح الحزب بحيث لا يستطيع افرقاء سياسيون مجاراته في مواقفه او اظهار الدعم لها او اضطراره الى توضيحها بعد اعلانها على انه قد اسيء فهم مواقفه. وهذا ما سيشكل خطرا على التوافق الذي لا يزال قائما بحدوده المقبولة حول الرئاسة الاولى. واقتصار الوفود الرئاسية في نيويورك ثم في باريس على فريقه وحده يعبر عن عدم وحدة المواقف السياسية من حوله بكل بساطة او عن عدم قدرة على تسويق وجهة نظر لبنان في ظل تعدد الآراء الرسمية لديه. وهذا سيكون اكثر فداحة عليه من فترة الشغور الرئاسي.

اضف رد