اخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / البحر الأحمر … لمن الأمر في ساحة اللعبة الاستراتيجية؟

البحر الأحمر … لمن الأمر في ساحة اللعبة الاستراتيجية؟

سميح صعب
النهار
27072018

صورة مؤرخة 30 حزيران 2018 لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني – في الوسط – خلال مراسم تخريج لعناصر من الحرس في طهران. (أ ب)

طبول الحرب تقرع في الخليج. قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني يحذّر من أن البحر الاحمر لم يعد آمناً نتيجة وجود القوات الأميركية. والسعودية تعلن وقفاً موقتاً لشحن نفطها عبر باب المندب بعدما قالت إن الحوثيين استهدفوا ناقلتي نفط سعوديتين الاربعاء، والكويت تدرس اتخاذ قرار مماثل، ودولة الامارات العربية المتحدة تبدي استعدادها لتحمل عبء أمني أكبر في الشرق الأوسط.

بعد هذا الجو المشحون بالتوتر يصير الانفجار رهن الطلقة الاولى. وكلما اشتد الطوق الاقتصادي على ايران، نحت طهران منحى التشدد. سليماني خاطب ترامب أن يوجه كلامه إليه وليس الى الرئيس حسن روحاني. وعندما تصل الأمور إلى حافة الانفجار يتولى الجنرالات في ايران الزمام ويتراجع أصحاب الخطاب الهادئ. ولن يتأخر ترامب في إطلاق دفعة جديدة من التهديدات مما يزيد سخونة صيف الشرق الأوسط الملتهب بحرارة الطقس القياسية.

إذن الجميع في الشرق الأوسط يدفعون نحو الحرب. السفير السعودي في واشنطن الامير خالد بن سلمان يدعو إلى وضع كل الخيارات على الطاولة عند التعامل مع إيران وتجنب استرخائها. وإيران لا تسـتأخر الرد فيوجه الحوثيون صواريخهم الى السفن السعودية ويصعدون الحرب على الحدود مع المملكة، وقت يبحثون مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث في صنعاء في مقترحات سلام، لا يبدو أنها تحظى بأي حظ من النجاح في الوقت الحاضر، الذي تتقدم فيه الأسلحة على الديبلوماسية.

ويذهب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور القرقاشي خطوة أبعد في رسم معالم المرحلة المقبلة، ليقول إن بلاده لا يمكنها بعد الآن الاعتماد على العمليات العسكرية لحليفتيها الولايات المتحدة وبريطانيا. وينسجم هذا الكلام مع قرار السعودية رمي مسألة الملاحة في باب المندب أمام العالم لتسأل ضمناً هل أن الغرب مستعد لتحمل تبعات وقف شحنات النفط عبر هذا المضيق، وإذا كان الجواب سلباً، فما هي الإجراءات التي يمكن الولايات المتحدة وأوروبا اتخاذها لمنع الحوثيين ومن خلفهم إيران، من تعطيل خطوط الملاحة في هذا الشريان الحيوي للإقتصاد الغربي؟ فهل استبق الجنرال سليماني أي إجراءات عسكرية غربية عندما أعلن ان البحر الأحمر لم يعد آمناً نتيجة الوجود العسكري الأميركي؟

هذه المناخات تقرب الخليج أكثر من انفجار أوسع. ويبدو ان ساحة اليمن ضاقت سواء بالمتحاربين الأصلاء أو بأولئك الذي يقاتلون بالوكالة، وصارت قواعد اللعبة الاستراتيجية الدائرة هناك تتطلب امتدادات جديدة كي تتبلور صورة المنتصر. هذا يطرح احتمالات المواجهة المباشرة بين أميركا والسعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى. وعندما يصعد سليماني إلى واجهة الأحداث فهذا يعني أن ايران تتحسب للأسوأ.

كل الأطراف يقفون الآن عند نقطة اللاعودة. ترامب يرى أن إيران هي أساس كل استراتجيته الخارجية، وخصوصاً بعد تراجع هدير السلاح في شبه الجزيرة الكورية، وبعدما طوى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الملف السوري في جيبه، وبعدما بدا أن “صفقة القرن” لتسوية الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي لن تبصر النور استرضاءً لإسرائيل وليس رأفة بالفلسطينيين. لذلك بقيت إيران الهاجس الوحيد الذي يؤرق إدارة ترامب.

وعليه فان موجات التصعيد التي يتقاذفها البحر الأحمر ليست صادرة عن فراغ. اليمن بات ساحة مستنفدة. وحادث واحد خارج ميناء الحديدة يمكن أن يتدحرج الى اشتباك أوسع، ما دامت أيدي الجميع على الزناد ولا ينقص إلا ضغطه كي تكتمل عناصر الحرب.

وإذا مضت الامور في هذا الاتجاه التصعيدي، لا يعود السؤال من سيبدأ الحرب ومن سينهيها، بل بات السؤال بتوقيت من سيكون الانفجار، هل بالتوقيت الايراني أم بتوقيت الولايات المتحدة أم بتوقيت السعودية؟ وايران المحاصرة بالشروط الاميركية والخليجية التي تطلب منها التفاوض على اتفاق نووي جديد ووقف برنامجها الصاروخي وكبح جماح دورها الإقليمي، لا يمكنها بعد تجربتها مع اتفاق 2015، ان تقفز في المجهول وتسلّم أوراق الضغط التي تملكها تسليحياً وإقليمياً. والسعودية والإمارات لا يمكنهما بعد ثلاثة أعوام من حرب استنزاف في اليمن أن تخرجا من المعادلة الإقليمية من دون تحقيق الحد الأدنى من المطالب التي خرجتا الى الحرب من اجلها في اليمن، خصوصاً بعدما خسرتا الساحة السورية ولم تحققا بعد مكاسب نوعية في الساحة العراقية. وترامب، في ظلّ الإلحاح الإسرائيلي، لا يمكن الركون إلى ما قد يتخذه من قرارات أو تقدير العواقب.

اضف رد