إبراهيم حيدر
النهار
12032018
لافتة انتخابية مؤيّدة لـ”أمل” في الجنوب (“أ ف ب”).
تعاني القوى التي تصنف نفسها في خانة المعارضة للسلطة من ارتباك في تحديد هويتها السياسية بالدرجة الأولى، وهي التي تسعى الى إحداث خرق للوائح القوى الممثلة في الحكم والتي تنطق بإسم الطوائف في البلد. ويمكن القول أن التشكيلات المعارضة التي أعلنت عن نفسها لخوض الانتخابات تعيش حالة ارتباك، إلى حد أنها دخلت في بلبلة لغياب القدرة على تحديد الخصم وعدم إدراك الأهداف التي تخوض الانتخابات على اساسها، وهي في الوقت ذاته غير قادرة على الاستقطاب ولا بناء كتلة تشكل منطلقاً وحاضنة لحركة ديموقراطية تتصدر المعارضة السياسية والشعبية والمدنية لقوى السلطة والنظام.
لم تتمكن مجموعات “الحراك المدني” التي التقت في تحالف جمع 13 هيئة، من تخطي مشكلاتها لخوض الاستحقاق الانتخابي، فيما يطرح السؤال فعلاً عن قدرتها على تصدر المعارضة وإحداث التغيير، أولاً بسبب التناقضات التي تعصف بمكوناتها، وثانياً للمسار الذي سلكته بعد حراك الشارع المطلبي، إلى حد أنها تعاني أزمات اكثر من أحزاب السلطة نفسها. وتظهر الوقائع أن “المعارضة” هي اليوم في وضع تشتت وانقسام، بدءاً من قوى المجتمع المدني التي ظهر ارتباكها السياسي وخطابها الملتبس لجهة الأهداف، وهشاشة موقعها عندما يتعلق الأمر باستحقاق إنتخابي على مستوى البلد، وهو استحقاق سياسي بامتياز، يستوجب الدقة في اختيار الشعارات والتحالفات. أما قوى الاعتراض من الجنوب الى الشمال، والذي يمثله اليسار والمستقلون، فيعيش أسوأ أزماته بعدما انهارت التحالفات بين مكوناته، حيث تفيد المعلومات أن الحزب الشيوعي تحول الى أجنحة متصارعة تضع فيتوات على تيار حبيب صادق واليسار الديموقراطي وعلى أطراف يسارية أخرى في مقدمتها منظمة العمل الشيوعي، ومستقلين أيضاً، وهذا ما ظهر برفضه أسماءً في الدائرتين الثانية والثالثة، وتوجهه الى خوض تحالفات مع أسماء من “المستقبل” وبعض من كان على علاقة مباشرة بـ”حزب الله” فيما يبحث عن أخرين يؤمنون أصواتاً طائفية لدى السنة في منطقتي العرقوب وحاصبيا تحت وهم الخرق.
الأزمة العاصفة
الأزمة تعصف بمعظم التشكيلات السياسية المعارضة، من اليسار الى القوى العلمانية التي تقدم نفسها قوة اعتراض. ويبدو المأزق أكبر وفق سياسي مواكب لحركة الاعتراض السياسي اللبناني، إذ تثبت الوقائع اليوم عدم قدرة التيار المدني وقواه على إحداث تغيير حقيقي في الحياة السياسية، فكيف تخاض الانتخابات بتحالف لا يستطيع تحديد هوياته السياسية، وليس لديه مساحة كافية وتأثير على الفئات الاجتماعية، وسط الإصطفافات الحزبية والسياسية والطائفية. وبعدما أطلقت مجموعات مدنيّة وشبابيّة تحالفاً انتخابيّاً وسياسيّاً تحت مسمّى “وطني”، لم يستطع هذا الكيان من التقدم في تحديد الأهداف المشتركة للمعارضة، ولا حتى التوافق على هوية سياسية تخوض المعركة الانتخابية ضد كل قوى السلطة، وليس فقط ضد أحد مكوناتها أي “حزب الله”، فيما لم يستطع أي تجمع أوكيان إجراء مراجعة شاملة لتجربة الحراك الذي وصل الى طريق مسدود خلال الفترة السابقة. أما الخلافات والتباينات في الآراء السياسية، فهي نفسها التي قسمت اللبنانيين وصنفتهم في السنوات الماضية بين محورَي 8 و14 آذار. ولم تسلم مجموعات “المجتمع المدني” من هذه الانقسامات بل امتدت إلى داخلها. لذا نشهد تشكيل العديد من اللوائح في مواجهة قوى النظام والسلطة في بيروت وجبل لبنان، وكذلك في دوائر الجنوب، ما يعني تشتت الأصوات وعدم القدرة على التأثير.
تعقيدات وخلافات
انعكس الخلاف بين المجموعات المدنية تعقيدات وخلافات، لا سيما وأن التنافس في الترشيحات قد بلغ حداً ليس سهلاً تجاوزه، بدءاً من الترشيحات المتناقضة في بيروت بين مجموعتي “لبلدي” و”صح” ولقاء الهوية والسيادة و”طلعت ريحتكم”، وحزب سبعة أيضاً، إضافة الى بدنا نحاسبكم التي لم تدخل في التحالف، وتمسك كل مجموعة بمرشحيها، ثم الخلاف في دائرة الشوف والصراع على الأسماء، الى دائرتي الجنوب الثانية والثالثة التي لم تصل فيها قوى الاعتراض، بما فيها أطراف اليسار، إلى مرحلة اختيار أسماء لها حيثيات، ما يدل على مأزق قد يؤدي الى تشكل لوائح صغيرة متعددة، لن تكون قادرة على التأثير ولا حتى الخرق، خصوصاً وأن النقطة السياسية الخلافية تتمحور حول استقلالية قوى الاعتراض والحراك ضد كل قوى السلطة وليس مراعاة طرف سلطوي ومهيمن ومواجهة آخر في الوقت نفسه. وترى مصادر سياسية أن مكونات المعارضة وقوى الاعتراض من الجنوب الى الشمال وصلت الى مفترق خطر، وهي لن تستطيع خوض المعركة مفككة ولا هوية لها ولا وضوح في الاهداف، باستثناء قتالها من أجل الخرق أولاً وأخيراً.
ادّعاء
لا يمكن برأي السياسي أن تخاض معركة انتخابية بلا عناوين سياسية. أما النقطة السلبية والقاتلة، فهي ادعاء البعض بحجم ودور أكبر بكثير من قدراته ولا يعكس حجم تمثيله الحقيقي. والمشكلة في هذا الجانب لا تقتصر على المجموعات المدنية بل كل قوى الاعتراض بما فيها أحزاب اليسار. فقد وضعت بعض القوى، وفق السياسي، معايير خاصة وقدمت نفسها قيادة لكل قوى المعارضة ودعت الآخرين الى الالتحاق بها، حتى أنها وضعت فيتوات على أسماء معارضة في الجنوب والشمال والجبل، وقررت مثلاً المواجهة مع طرف مهيمن في دائرة والتماهي مع طرف سلطوي آخر في دائرة ثانية، ما يعكس حقيقة المأزق الذي تعانيه قوى الاعتراض وفي مقدمها اليسار ثم بعض الأحزاب العلمانية، الى المجموعات المدنية التي تخوض صراعاً في ما بينها رغم تحالفها.
واقع الحال يشير إلى أن المعارضات هي أسيرة وهم الخرق. إذ يرى السياسي أن الفوز لا يجب أن يكون هدفاً في ذاته اذا كانت المواجهة مع قوى تمسك الشارع وتتمترس في الحكم في الوقت عينه. لذا فإن تكبير الحجر ورفع سقف الرهانات قد يهز صدقيتها، ما لم يعد النظر بالمواقف وخفض سقف التوقعات، وخوض معارك من أجل المستقبل ترفد المعارضة بفئات وكتل اجتماعية تشكل حصانة لها. ووفق السياسي أنها تأخذ أجسامها الى الهامشية، فيما عليها العمل لاستعادة الأهلية والقدرة على الاستقطاب من موقع مستقل. وهذا هو الرهان…
ibrahim.haidar@annahar.com.lb
twitter: @ihaidar62