اخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار الاقتصاد / الاعلام الاقتصادي في حاجة الى عناية

الاعلام الاقتصادي في حاجة الى عناية


مروان إسكندر
17082018
النهار

الرئيس ميشال عون أعرب عن اقتناعه بان هنالك مجموعة من المستفيدين مما يسمى الاقتصاد الريعي يعملون للتشكيك في برنامج العهد لتحقيق معدلات للنمو تعيد الى الشباب اللبناني الثقة بمستقبل البلد في ظل سياسات هذا العهد.

ان كل مواطن لبناني يتمنى بالفعل ان يتجاوز لبنان مرحلة الانكماش وان تبدو ملامح استقطاب الاستثمارات ونشاطات اللبنانيين المعطائين، لكن التعليقات الاقتصادية باتت في غالبيتها سوداوية لان الوعد المدوي اليومي للحكم كان بمحاربة الفساد ولم يشهد اللبنانيون مؤشرات لافتة في هذا الاطار، وقد سئموا سماع التشديد على محاربة الفساد ولا بدّ ان نؤكد منذ البداية ان ثمة مستلزمات لانجاز تصور تطوير اقتصادي اجتماعي. وفي رأيي شخصيًا ان وزير الاقتصاد يتمتع بالمعرفة المطلوبة في علم الاقتصاد والاخلاق الرفيعة، لكن معالم البرنامج الاقتصادي الاجتماعي للعهد غير مرسومة بوضوح. ولنبدأ بما هو مطلوب للقول إن الانتقاد المتوسع لتردي الخدمات العامة، سواء الكهرباء، أو معالجة النفايات، وتناسي مخاطر واضرار تلوث المياه، ولا سيما منها مياه الليطاني، واهمال صيانة ثلاث محطات كهرمائية كانت تعمل على تدفق مياه الليطاني وصارت معطلة نتيجة هذا الاهمال.

ان هذه الاوضاع لا تعود الى سياسات العهد وممارساته، بل الى عهود سابقة والى سنوات غض النظر عن ضرورات صيانة منشآت البنية التحتية ومدى تردي الخدمات سواء منها ما يتعلق بالكهرباء، وامدادات المياه، وسلامة الطرق وملاءمتها، وسرعة فض الخلافات القضائية الخ.

والى الاهمال المتواصل والذي سببه أصلاً النظام السياسي القائم، واجه لبنان مشكلة النازحين السوريين، وقد أظهرت دراسات البنك الدولي منذ عام 2013، ان الحاجات الصحية والغذائية لهؤلاء وتوافر الكهرباء والمياه والخدمات الصحية، وانغلاق مجالات التصدير الارضي من لبنان الى بلدان الخليج، كل هذه المعوقات والتحديات تآكلت ما يساوي 3.6 في المئة من الدخل القومي سنويًا. بكلام آخر، في حال غياب مأساة النازحين السوريين والاقتتال في سوريا، الذي استجر موجات تقاتل في لبنان، كان معدل الدخل المنتقص البالغ 3.6 في المئة سنويًا طوال ست سنوات يوازي على الاقل نمواً بنسبة 22 في المئة أو 12-14 مليار دولار بحسب تقديرات الدخل القومي المتعارف عليها والتي نعتبرها دون الواقع بنسبة 25 في المئة تمثل ما يسمى الاقتصاد الموازي وغير المدونة تفاصيله.

نعود الى النظر في واقع وضع لبنان ونحاول من مثلين مبسطين تبيان كون هذا الوضع ربما أفضل مما يتصور بعض المعلقين المسارعين الى طرح أرقام تبدو سلبية.

أولاً، الخطة الاقتصادية التي نسمع أنها قيد الانجاز لعرضها على الحكومة المنتظرة يبدو انها تستند الى دراسة ماكينزي التي انجزت بسرعة قياسية من أجل تقديمها كبرنامج الحكومة لمؤتمر “سيدر”. والذي ظهر من هذه الخطة انها اعتبرت ان الخدمات، كالتجارة، والسياحة، والبرامج الالكترونية، والعنايات الصحية، والخدمات المصرفية الخ تمثل 70 في المئة من الدخل القومي، في حين تمثل الصناعة والزراعة فقط نسبة 30 في المئة من هذا الدخل. وينبغي السعي بالتشريع والتنظيم الى تعديل معدلات الانتاج لتصير حصة الزراعة والصناعة 40 في المئة من الدخل القومي، وحصة الخدمات على أنواعها، بما فيها خدمات تطوير البرامج الالكترونية، 60 في المئة.

ومع احترامنا لسمعة الشركة التي قامت بالدراسة بسرعة فائقة، نريد الاشارة الى ان واقع قطاع الخدمات الموسعة والمتطورة بسرعة بات يتجاوز نسبة 70 في المئة في غالبية البلدان التي حققت مستويات لمعدل دخل الفرد توازي ما حققه لبنان. وكأن الدراسة تجاوزت مدلولات أرقام الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والصين الخ. وربما كان يكفي التذكير بان خمس شركات عالمية تتعاطى في المقام الاول تطبيق البرامج الالكترونية المتطورة، صارت قيمها في السوق، على رغم تراجع قيمة اسهم “فايسبوك”، تقدر بمئة مليار دولار لاعتبارات تتعلق بالمعلومات عن الزبائن وكيفية توفيرها لشركات تجارية، متجاوزة مجمل انتاج دول العالم النامي. كيف تتجاوز الشركة التي انجزت دراسة الوضع اللبناني كون قيمة شركة “آبل” وحدها فاقت التريليون دولار؟

مثل آخر يسترعي انتباه المعلقين الاقتصاديين في لبنان كما المواطنين اللبنانيين جميعًا. قبل نشرة الاخبار المسائية على التلفزيون، نشاهد اعلاناً يتلوه اعلان مناقض أكثر اتصالاً بالواقع.

الاعلان الاول يقول إن مصرف لبنان أوقف برنامج دعم القروض السكنية وتالياً ان هذا الأمر يساهم في تدني اسعار العقارات وفي حرمان عشرات الآلاف من اللبنانيين تملك شقق أسعارها مقبولة كما مساحاتها.

مصرف لبنان، الذي هو المؤسسة الناشطة منذ 25 سنة للمساعدة على النمو واستقرار سعر صرف العملة، ليس من مسؤولياته دعم القروض السكنية، وبما ان ازمة الاسكان كانت شديدة وخصوصاً بعد توقف الحرب العبثية، أقرت الحكومة برنامج الدعم وتوافرت منافعه من برنامج مشترك مع وزارة المال ومصرف لبنان، وصارت نسبة مالكي الشقق والمنازل السكنية التي تسهلت عمليات استملاكها تشكل 11 في المئة من عدد المساكن في لبنان، وهذه نسبة تعتبر من الأكثر تميزاً في البلدان النامية.

ان طول الازمة الاقتصادية والمالية التي واجهت لبنان ولا تزال منذ عام 2011 ارتبطت في المقام الاول بأوضاع سوريا. وحيث ان الادارة اللبنانية غير فاعلة، ونظامها لا يبين موقع مسؤولية الانقاذ، انصب الاهتمام على مصرف لبنان، الذي حقق نتائج بارزة. ولينظر اللبنانيون الى ما حصل في تركيا، حيث انخفض سعر صرف الليرة التركية بنسبة 40 في المئة منذ بداية هذه السنة، علمًا بان الاقتصاد التركي كان يعتبر عالميًا في المرتبة الـ12 من حيث حجمه، ولم تتمكن سلطاته من المحافظة على استقرار عملته. وفي المقابل، مصرف لبنان واللبنانيون جميعًا ينتظرون اصلاحات جذرية في الادارة العامة وتوجه الحكم نحو تحسين الهيكلية الادارية، الى مقدار من المحافظة على موارد الدولة وجعل العمل الحكومي متكاملاً لتحقيق نتائج، ونحن جميعًا في انتظار تجلي مسعى كهذا.

أما الاعلان الثاني على التلفزيون، فيلقي اللوم على مصرف لبنان لانحسار القروض المدعومة، لشركة اسمها “صقر”، وهذه الشركة انجزت مشاريع على ما يبدو، ولا أعرف اصحابها، في المجال العقاري تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار وهي تؤمن التمويل الطويل المدى للمشترين، ولا تتأخر عن تحقيق التزاماتها، لان مشاريعها جاهزة للسكن، فكيف تحصل هذا الامر.

استناداً الى معلومات عامة، تعمل شركة”صقر” في مجال انتاج الكهرباء وتوزيعها منذ أواسط الثمانينات في لبنان، وبعد احتلال الاميركيين العراق عام 2003 وتوسع اعداد المخيمات للجنود ومراكز التسوق ومراكز الاستخبارات الخ، احتاج الاميركيون الى مولدات نقالة فعالة وذات طاقة ملحوظة واختاروا التعاون مع شركة “صقر” ووفرت الشركة اللبنانية طاقة انتاجية للجيش الاميركي في العراق، تفوق الـ2000 ميغاوات، وحققت من هذا الانجاز العملي ربحًا ملحوظًا.

وربح انتاج الكهرباء في العراق للجيش الاميركي من شركة “صقر” اللبنانية، دفع اصحاب هذه الشركة ومديريها الى تنويع نشاطهم استنادًا الى نتائج عملهم في العراق، وقد توجهوا الى القطاع العقاري بنجاح في لبنان، واعطوا مثالاً واقعيًا عن التوجه الطليعي لمن تمسكوا بفرص النجاح في بلدهم.

ان ما نحتاج اليه في لبنان اليوم، ليس الاقتراض من المؤسسات الدولية، بل استقطاب الاستثمارات المجدية، ولو كان مناخ الثقة متوافرًا والقوانين المنجزة مطبقة بشكل صحيح، لكانت الكهرباء لدينا قبل بداية العهد، كما مصافي تكرير النفط، وتأمين المياه والنقل العام.

الازمة الاقتصادية تعود الى تلاشي الثقة لدى المستثمرين، واللبنانيون يأملون في ان يثبت العهد اسباب الثقة وان يوسع اطار نشاط القطاع الخاص، فتكون عندئذٍ المنفعة للجميع.

اضف رد