كلوديت سركيس
المصدر: “النهار”
25072017
هي المرة الثانية يعتكف القضاة عن العمل في تاريخ القضاء. وفي المرتين كان المطلب اياه، جعلهم سلطة دستورية مستقلة فعلا لا قولا. في المرة الاولى اعتكف القضاة عام 1981 أسبوعا خلال الحركة التي قادها القضاة وفي مقدمهم امينها العام القاضي منيف حمدان، وأثمرت وعودا تحققت عام 1983 بإنشاء صندوق تعاضد القضاة. ورغم أن تقديماته الخجولة حينذاك لم تمنع نحو 20 قاضيا من الاستقالة بسبب الرواتب المتدنية، حصل بعد 36 عاما الاعتكاف الثاني، وهو مستمر منذ الخميس الماضي تحت عنوان معاملة القضاء على أنه سلطة دستورية مستقلة، والاحتفاظ بهذا الصندوق الذي كلف قضاته عقودا من النضال حتى أبصر النور، اضافة الى تمييز رواتبهم عن سائر موظفي الادارة العامة في فانون سلسلة الرتب والرواتب. وكان يمكن استثناء هذا الصندوق والمس بمعنويات القضاة، وخصوصا انهم يشكلون في القضاء العدلي وشورى الدولة نحو 560 قاضيا. واستغرب مسؤول قضائي ما حصل في المجلس النيابي، حيث هناك عدد لا بأس به من النواب المحامين، في حين ذكر مسؤول قضائي بأن التركيز كان منصبا على اقرار السلسلة بعيدا من سوء النية والمس بالمؤسسة القضائية.
وفي اليوم الخامس على اعتكاف القضاة، باستثناء اتخاذ القرار المناسب في قضايا الموقوفين، أفادت أوساط مجلس القضاء الاعلى ان الزيارة لرئيس الجمهورية ميشال عون كانت ايجابية. وقال رئيس المجلس لـ”النهار” ان عون موافق على مطالب القضاء، مشيرا الى ان المجلس سيحضر مشروعا خطيا بتطلعاته ويدرس مسألة الاعتكاف لاتخاذ الخطوات المناسبة.
محطات في عقود
بعد الاستقلال بعام بدأ القضاء تحركه نحو تحقيق سلطة قضائية مستقلة نص عليها الدستور، وتحسين الاوضاع المعيشية للمنتمين اليها، الى أن تحقق تدريجا منذ عام 1983. ويتناول القاضي السابق المحامي منيف حمدان ثلاث محطات مر بها القضاء حتى تحقق ما ألغي بالامس. ويروي لـ”النهار”: “نقل رئيس مجلس القضاء سابقا يوسف جبران عند اول اجتماع لنا في محكمة التمييز في الحركة التي خضناها مطلع الثمانينات انه عام 1944 نقل قضاة الى وزير العدل حينذاك بولس فياض وضع الراتب المزري، آملا بالتفاتة لتحسين اوضاعهم ، فما كان من وزير العدل الا ان نقل الطلب الى رئيس الجمهورية في حينه بشاره الخوري، فأجابه بأنه لو أصبح القضاة سلطة دستورية مستقلة لن أكون انا هنا ولا انت في موقعك”. وباءت تلك المحاولة بالفشل. في مطلع السبعينات، كانت محاولة ثانية قادها القضاة عبد الباسط غندور ونسيب طربيه وعبدالله ناصر. وحدث ان القى طربيه محاضرة عن استقلال السلطة القضائية انتقد خلالها بشيء من الحدة تدخل السلطات السياسية في القضاء. صفق كل اعضاء مجلس القضاء الاعلى له لوضعه الإصبع على الجرح. بعد ذلك دعاهم رئيس الجمهورية حينذاك سليمان فرنجية وطلب منهم احالة القاضي طربيه على المجلس التأديبي الذي اصدر قرارا باللوم او التنبيه بحق القاضي المذكور”. ويعتبر حمدان ان “هذا القرار كان بمثابة وسام للقاضي طربيه. وكل القضاة تمنوا ان يكونوا مكانه. واثناء محاكمته امام المجلس التأديبي للقضاة، قال وكيله النائب المحامي نصري المعلوف للهيئة التأديبية في مرافعته: “حضرة القضاة، كل منكم يتمنى ان يكون مكان نسيب، وهو لا يتمنى في قرارة نفسه ان يكون مكانكم”. الى ان جاءت حركتنا عام 1979. كانت اكثر راديكالية من الحركات السابقة. وكان لي شرف البدء بها عبر اتصالات هاتفية لحض القضاة على التحرك. لمست تجاوبا خجولا جدا. ولكن في نهاية ذلك العام اتسعت رقعة التجاوب اكثر وعقدنا اول اجتماع في نهاية 1981 وتم انتخاب لجنة من 12 قاضيا انتخبت ثلاثة قضاة هم غبريال المعوشي رئيسا وحسن قواس نائبا للرئيس وانا، وكنت امينا عاما لتلك الحركة القضائية الجديدة التي سميت اللجنة القضائية. وطرحنا من خلال تلك اللجنة مسألة القضاء بكل ابعادها، معلنين اننا لن نرضى بأن يكون القضاة سلطة في الدستور فحسب، في حين انها في حقيقة الامر ليست كذلك في الواقع. اثر ذلك التحرك تحسنت اوضاع القضاة في بعض الامور. واهم ما تحقق هو صندوق تعاضد القضاة عام 1983 الذي كان نتيجة الثورة التي قمنا بها بعد مواقف وخلافات جمة. ولكن قرار زيادة الرواتب وتحقيق الانجازات التي وعدونا بها طال صدورهما، فاستقلنا جماعيا لاحقا. وبلغ عدد القضاة المستقيلين نحو 20، وتعمدت أن يكون نص كتاب استقالتي مفصلا. وقد شرحت فيه كل الامور التي كانت تضايقنا كقضاة. وإثر تقديمه، اجتمع مجلس القضاء ورفض استقالتي وكلف القاضيين منيف عويدات وسليم العازار إقناعي بالعودة عن استقالتي، وبقيت على قراري واضطررت الى أن أرسل كتاب تأكيد، وقلت فيه ان كلمة القاضي مثل الحكم الذي يصدر، وانا اصدرت حكمي. فإن اردتم تكريمي دعوا القضاة الذين هم مثلي لا يستقيلوا، لانني اخشى ان يأتي يوما لن يبقى فيه اي قاض قادرا على تحصيل معيشته.
بدوره تدخل وزير العدل حينذاك بهيج طباره في محاولة لاقناعي بالرجوع عن الاستقالة. ويومها استقال معي القاضي الراحل موسى كلاس وفرنسوا ضاهر وآخرون في حدود 19 او 20 قاضيا”.