روزانا بومنصف
النهار
28072017
لعلّ ما قاله السفير البريطاني هيوغو شورتر بعد اجتماعه وجون راث ممثلا السفيرة الاميركية في لبنان والملحقين العسكريين الاميركي والبريطاني بقائد الجيش جوزف عون قبل ظهر الخميس، يعكس بديبلوماسية كبيرة جملة اسئلة صعبة باتت مطروحة في الاروقة الديبلوماسية بعد المعركة التي قام بها “حزب الله” في جرود عرسال. السفير شورتر قال في معرض الرهان الكبير على الجيش: “وحدها الدولة القوية مع جيش قوي فيها يمكنها على المدى الطويل أن تضمن استقرار لبنان وديموقراطيته، ووحده الجيش اللبناني يمكنه التصرف بموافقة جميع اللبنانيين وتماشيا مع الدستور وقرارات مجلس الامن”. واضاف ان المملكة المتحدة تدعم القوات المسلحة اللبنانية “لأنها المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان”، متحدثا ايضا عن اهمية حقوق الانسان والمحاسبة داخل الجيش اللبناني”. الاسئلة الصعبة يمكن ان تثيرها راهنا العملية العسكرية التي قام بها الحزب في جرود عرسال، وهو وان نجح ببراعة في اظهارها ضد المسلحين المتطرفين في الجرود وفي تجييش وسائل الاعلام وتاليا الرأي العام دعما لما يقوم به على نحو اعاد له الكثير مما قد خسره لدى انخراطه في الحرب السورية، فان الموضوعية تقضي بالاعتراف بأن رؤية الامور تختلف، خصوصا لدى الدول الداعمة لعودة السلطة اللبنانية كما للجيش اللبناني. فهناك مبادرة مستقلة قام بها الحزب والزم الدولة بها، ووضع الجيش اللبناني امام امر واقع قد يدفع بالدول الداعمة له الى طرح الاسئلة المتصلة بجدوى مد الجيش بالاسلحة والعتاد اولا في حال كان فريق حزبي وهو في موقع الاتهام والادانة من الخارج هو الذي يتولى الاعلان عن محاربة الارهاب والسيطرة على مراكز المسلحين في الجرود، على ان تسلم هذه المراكز لاحقا للجيش اللبناني. وثانيا اذا كان يتولى “حزب الله” مهمة محاربة الارهاب بالنيابة عن كل اللبنانيين كما تم الترويج لهذا المنطق فاين الدولة اللبنانية في هذا السياق؟ واين هي الصدقية في دعم الجيش من اجل محاربة الارهاب ومواجهته؟. فحتى لو ان رئيس الحكومة سعد الحريري اعلن في زيارته لواشنطن وبعد لقائه الرئيس دونالد ترامب ان المساعدات للجيش ستستمر، فإن ما حصل في جرود عرسال بدا في موقع معاكس ومتضاد في هذا الاطار، لأن ما قاله الحريري بالذات عن تفضيله لو قام الجيش بالعملية انما يعني انه لم يقم بها ولم تكن من مسؤوليته (!) وتاليا إن منطق احترام مسؤولية الدولة والمهمات المفترض ان تقوم بها القوى المسلحة لم يكن موجودا او محترما، على رغم اعلان الحريري بالنيابة عن نفسه وعن رئيس الجمهورية وجود تغطية سياسية كاملة للجيش. ولكن السؤال: هل ثمة قرار سياسي ام لا في هذا الاطار في الحكومة او خلال انعقاد المجلس الاعلى للدفاع او ما شابه ذلك؟. وبهذا فإن المعركة التي قادها الحزب، ولو ان الامين العام للحزب اهدى الانتصار كما قال الى اللبنانيين، فان الاهم من هذا الاهداء في رأي المراقبين الديبلوماسيين انه تجاوز سلطة الدولة اللبنانية لا بل وضع الدولة في الزاوية. ومن جهة اخرى، فان ما اشار اليه الرئيس الاميركي دونالد ترامب ان الحزب يعلن انه يقوم بما يقوم به من اجل لبنان في حين انه يقوم بذلك من اجل ايران ومصالحها انما يسود بثقة كبيرة لدى المراقبين انفسهم، على خلفية ان ما قام به الحزب هو من اجل استكمال معالم ما يسمى “سوريا المفيدة” التي تتم من ضمن توزيع النفوذ الاقليمي والدولي في سوريا، باعتبار ان هذا الجزء الذي سيطر فيه على الجرود يؤمن خط تواصل من دون اي عقبة مع مناطق وجوده.
وفي ضوء ذلك، ثمة اسئلة قد تطرح في عواصم الدول المؤثرة الداعمة للجيش عن استمرار جدوى دعم جيش لم تتم رؤيته يقوم بما يتعين عليه القيام به من دون الدخول في الاسباب والاعتبارات الموجبة لذلك. وفيما الاطراء والدعم للجيش تواصلا على السنة جميع السياسيين فان هذا لا ينفي الواقع الذي لا يود السياسيون الاعتراف به لعوامل ومصالح خاصة بهم هو ان هذا الدعم لا يكفي لاعادة هيبة الدولة او تكريس وجودها. فهذه قد تكون غدت في خبر كان اكثر من اي وقت مضى على رغم العودة الظاهرية لمؤسسات الدولة التي تمثلت في انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة. ويزيد من سخرية هذا الواقع ومأسويته تخوين من يدافع عن منطق الدولة ومن يدفع الى ارسائه بدلا من طمسه وانهائه من دون ان يصدر من يمنع التخوين او يهدد بالعقاب في ظل دولة يقال انها استعادت انتظام مؤسساتها في حين .
وهذه الاسئلة الصعبة طاولت وفق المعلومات المتوافرة كل هذه المقاربة اضافة الى ما نقل عن مسؤول منظمة مراقبة حقوق الانسان كينيث روس بعد لقائه قائد الجيش حول موضوع الموقوفين السوريين ، وهو ما لمح اليه السفير البريطاني بعد اللقاء. وهذه المسألة قد تكون عابرة خصوصا ان الحوادث من هذا النوع محتملة، لكن غض النظر عن نظرة الخارج ومقاربته كما عن واقع الامور بالنسبة الى اخرين كثر لما قد يعتبر تجاوز الدولة ان لم يكن عدم وجودها واقعيا هو كمن يدفن رأسه في الرمال بحيث لا يرى ما قد يكون لبنان مقبلا عليه. واذا كان موضوع المساعدات للجيش هو في الواجهة فان ثمة اسئلة اخرى تتصل باي مواجهة محتملة مع اسرائيل على وقع مشهد جرود عرسال وتبعاته.