الرئيسية / home slide / الاتفاق الصيني الإيراني من دون مبالغاته

الاتفاق الصيني الإيراني من دون مبالغاته

06-04-2021 | 00:10 المصدر: النهار

جهاد الزين

الاتفاق الصيني الإيراني من دون مبالغاته

إذا كان من الطبيعي اعتبار #اتفاق الشراكة الاستراتيجي بين إيران والصين اتفاقا مهما جدا في دلالته على احتمال أن يساهم في خطر تقليص ما لقدرة الولايات المتحدة على المواجهة الاقتصادية مع الصين، فمن غير الأكيد حتى اليوم أنه يشكّل بذاته نقطة تحوّل لصالح إيران في الصراع الإقليمي في المنطقة لأن هذا الاتفاق ليس الوحيد من نوعه الذي تقيمه الصين مع دولة في المنطقة ولو كان على ما يبدو هو الأكبر حجما بين اتفاقات تحمل الإسم نفسه:اتفاق الشراكة الاستراتيجي، اتفاقات عقدتها الصين مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ومصر والعراق كذلك هناك الاتفاقية بين الصين وإسرائيل التي تعطي الصين حق استخدام مرفأ حيفا لمدة 25 عاما تبدأ هذا العام. بهذا المعنى تلتحق إيران عبر هذا الاتفاق الجديد بالإطار الاقتصادي الفعال الذي أقامته الصين في المنطقة. سمّى الإيرانيون الرسميون الاتفاق مع الصين بأنه “خارطة طريق” لعلاقات اقتصادية واستثمارية في مجالات مختلفة وربما أكثر من ذلك عماده حصول الصين على النفط الإيراني بأسعار مخفضة. لم تُكشف تفاصيل الاتفاق رسميا بعد لكنه قد يكون الأكبر حجماً بين اتفاقات الصين في المنطقة لأنه يبلغ 400 بليون دولار على مدى 25 عاما أي بمعدل سنوي قدّره الباحث الصيني شانغ زهانغ الذي عرض معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وجهة نظره المفصّلة بأنه 16 بليون دولار سنويا. وقد سبق للعلاقات التجارية بين إيران والصين أن بلغت في إحدى سنوات ما قبل انخفاض سعر النفط 20 بليون دولار في سنة واحدة.تكفي، حسب “الواشنطن بوست”، معرفة أن الاستثمارات الصينية في المملكة العربية السعودية بين العامين 2010 و 2020 بلغت 30,6 بليون دولار وفي الإمارات للسنوات نفسها 29,5 بليون دولار بينما كانت أيضا في الفترة نفسها في إيران 18,2 بليون دولار وهذه كلها أرقام رسمية مؤكدة تستلزم التحفظ على إطلاق توقعات مبالغٍ بها حول الاتفاق الجديد. هل هذا الاتفاق “بيع” لثروات إيران كما وصفه معارضون إيرانيون في الخارج؟ لا شك كما يظهر من اتجاهات العديد من التحليلات الغربية، وبينها الإسرائيلية، أن الاتفاق يعزز فرص مقاومة إيرانية أطول للعقوبات ربما حسّنت موقعها التفاوضي البادئ مجددا مع واشنطن. من الصعب تصور أن تتمكن إيران من تغيير استراتيجية عدم التورط الصينية في نزاعات الشرق الأوسط. ف”المنطقة البيضاء” التي تصف عبرها الصين حضورها في الشرق الأوسط ثبت ثباتها كاستراتيجية حتى في ذروة التوترات مع الولايات المتحدة في عهد ترامب. رغم أن الصين، وعبر الموقف السياسي، ساهمت في حماية النظام السوري في مجلس الأمن بتصويتها الدائم مع روسيا لمنع اتخاذ أي إجراء أميركي أوروبي دولي ضده. نحن إذن لسنا أمام واقع جديد في المنطقة لكن أمام تقدم في النفوذ الصيني وتحسين لموقع إيران الاقتصادي في مواجهة الولايات المتحدة. لا زلنا بانتظار الجولات الجديدة من المفاوضات الأميركية الإيرانية التي ستحدد نتيجتُها وحدها مدى قدرة إيران على الخروج من العقوبات من جهة، ومدى قدرتها على تثبيت مواقع نفوذ لها في المنطقة. وإذا كان المستويان متداخلَين، فتصور حجم التخلي الإيراني عن الانخراط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذا تمت لاحقاً عملية استعادة الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، أمرٌ من المبكر جدا التنبؤ بتفاعلاته. ما يقلق جدا في الكتابة عن الاتفاق الصيني الإيراني من دولة صغيرة كلبنان، مسلوبة الإجماع الوطني، ومشوشة المصالح العليا، هو رؤية كيف تلتئم الترتيبات الاقتصادية الاستراتيجية لدول المنطقة وآخرها الشراكة الصينية الإيرانية التي تُدخل إيران في اصطفاف لا يختلف عما يفعله أعداؤها، فلا يجب أن ننسى لحظة أن الصين الموجودة من مرفأ حيفا إلى مرافئ العراق ومصر والخليج “تحمل” معها إيران إلى هذه المواقع بمعنى الدخول في نظام علاقات جديدة في المنطقة، بينما نحن في لبنان ما زلنا غير قادرين على تفعيل مصالحنا المشلولة. مصالحنا الواضحة. ليس حجم الدولة الصغير في عالم اليوم عائقاً أمام التفكير الاستراتيجي، سنغافورة، تايوان، سويسرا، الكويت، وغيرها دول قادرة على التخطيط للمستقبل. وحده في حالتنا، تعقيدنا الداخلي وتفتيتنا، يجعلان لبنان ليس فقط غير قادر على إمساك قراره بتحديد مصالحه الكبرى، بل أيضا مشرّعَ الأبواب، المخلّعة أصلاً، على رياح عاصفة ترسم الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين. الاقتصاد، الاقتصاد، الاقتصاد يا ذكي. وليس هناك في وضع كهذا، سواء كانوا مدّعي صداقتنا أو مُشْهري عداوتنا من تقول له يا أمي ارحميني. j.elzein@hotmail.comTwitter: @ j_elzein