حمل اقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء تمهيدا لاحالتها على مجلس النواب واقرارها، على رغم ان الاخير دخل في مرحلة العد العكسي لنهايته، موقفا لرئيس الحكومة سعد الحريري اكتسب اهمية بالغة في رأي مراقبين سياسيين واقتصاديين يعتبر هؤلاء ان في فمهم ماء لجهة المجاهرة بحجم المخاوف التي لديهم على الوضع الاقتصادي. اذ قال رئيس الحكومة “اننا بهذه الموازنة ابتعدنا عن ازمة اليونان وحافظنا على لبنان”، الامر الذي فهمه كثر ان شبح هذه الازمة كان ماثلا على رغم نفي المسؤولين، وكان آخرهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامه. لكن كلام رئيس الحكومة اعتبره المراقبون مؤشرا غير موفق انطلاقا من ان المقارنة، ولو في معرض ابتعاد لبنان عنها او بدء سلوكه الطريق المعاكس لها، أثارت نقزة كان يمكن تجنبها، ولو ان نية الرئيس الحريري سليمة لجهة الرغبة في الايحاء ان لبنان عبر قطوعا خطرا وان هناك ضرورة للسير بالتوافق السياسي، وفق ما قال في موضوع الكهرباء مثلا من اجل استكمال ذلك. ويتفق كثر في المقابل على ان انجاز الموازنة غير كاف في ذاته للابتعاد عن الازمة. وحين انجزت خطوة من الخطوات المفترضة لعدم السقوط فيها تم الكشف عن مدى صعوبة الوضع، وان لم تكن السبيل الوحيد للمعالجة، وهناك خطوات أخرى كثيرة مطلوبة. والسباق الذي خاضته الحكومة من أجل إنجاز الموازنة وذلك الذي ستخوضه اللجان النيابية في وقت صعب وحرج بالنسبة الى النواب من اجل اقرارها قبل نهاية الشهر الجاري وقبل مؤتمر باريس وفق ما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، علما ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب للغاية نفسها وان كانت لزوم ما لا يلزم في رأي بري، باعتبار ان الهيئة العامة للمجلس لن تعقد قبل موعد الدورة العادية للمجلس في 20 الشهر الجاري، انما يترجم ذلك الشعور الذي يجمع عليه المسؤولون لجهة مدى حراجة الوضع الاقتصادي، في الوقت الذي ليس من المرجح ان وفاقا سياسيا يحصل عادة بين القوى السياسية عشية انتخابات نيابية. هذه التطورات الملحة عشية مؤتمر “سيدر” تعكس من جانب آخر مدى نجاح الضغوط الخارجية على لبنان من اجل إنقاذ نفسه، في الوقت الذي لا يتحمل وضعه الاقتصادي والمالي ترف تجاهل هذه الضغوط او القفز فوقها على الاقل في الظروف الراهنة. وفي مقابل الاستعدادات لمؤتمر سيدر واحد في باريس، هناك ايضا الموقف اللبناني على لسان الرئيس ميشال عون عبر الاعلان عن نية أن تكون الاستراتيجية الدفاعية على طاولة البحث بعد الانتخابات، وهو موقف اعلنه قبيل التئام مؤتمر روما – 2 من أجل دعم القوى الامنية، اي الجيش وقوى الامن الداخلي، على قاعدة انه ليس منطقيا استمرار دعم الجيش اذا كان تنظيم داخلي يملك سلاحا ممولا من الخارج ويفوق باهميته السلاح الذي يقدم للجيش، فيما يفترض منطق الامور ان يخضع هذا التنظيم لسلطة الدولة وارادتها وقرارها.
كان سبق للبنان ان اضطر الى الاعلان عن اعتماد سياسة النأي بالنفس التي تمت ترجمتها بيانيا على أثر عودة استقالة الرئيس الحريري في تشرين الثاني الماضي وتم تطبيقها نسبيا من خلال خفوت المواقف التصعيدية، وذلك تحت الضغط الذي مثلته استقالة الحريري بالذات من المملكة السعودية، في ما بدا ان لبنان خسر نتيجة هذه الاستقالة الكثير على الصعيدين الاقتصادي والمالي كما السياسي. ولذلك فإن لبنان يبدو مضطرا الى انقاذ نفسه عبر الخضوع للضغوط الخارجية، ولأن مسؤوليه يجدون مبررات في هذه الضغوط من اجل السير قدما بما يعدون به. اذ ان التجربة السياسية تظهر من جهة ان السير بهذه المواقف او الخطوات، ايا تكن، لا يعني حكما متابعتها لاحتمال بروز خلافات سياسية تعرقل التوافقات السياسية على ذلك. وهذا يسري في المواضيع الاقتصادية على غرار موضوع الكهرباء مثلا الذي لا يزال يراوح الجدل حول الخطة المطروحة في شأنه منذ اكثر من سنة، او في موضوع الاستراتيجية الدفاعية التي وعد الرئيس عون باعادة وضعها على طاولة البحث، علما انه يخشى الا يكون ذلك ابعد مما حصل في مناسبات مماثلة حين طرح الموضوع في السابق. فحين يكون المنطق المعتمد لدى الدولة اللبنانية ان سلاح “حزب الله” هو موضوع اقليمي ويتم بحثه مع ايران، فمن غير المرجح الا يكون ما يحصل على طاولة الحوار اكثر من ابداء نية بالرغبة في الحلول باعتبار ان لبنان الرسمي لا ينبغي ان يظهر عدم رغبته الى جانب عدم مقدرته على البحث في هذا الموضوع، حتى لو لم تكن تتوافر، من دون القدرة على تقديم الحلول او في انتظار ترجمتها اذا حصل اتفاق او حوار اقليمي حولها.